كتاب عربي 21

في الموازنة المصرية العبرة بالخواتيم

ممدوح الولي
1300x600
1300x600

في العام المالي 2013-2014 والذي يمثل العام الأول لتولي الجيش السلطة في مصر، قامت حكومة حازم الببلاوى بإضافة حزمتي تمويل للموازنة خلال العام المالي، كان نصيب باب الاستثمارات الحكومية من ذلك التمويل الإضافي 31.8 مليار جنيه، بخلاف 63.7 مليار جنيه تمثل مخصص الاستثمارات الحكومية في الموازنة عند بدء تنفيذها، ليصل مجمل الاستثمارات إلى 95.5 مليار جنيه.

وظل مسؤولو الحكومة طوال شهور العام المالي يشيدون بالحزم الإضافية للموازنة، والتي تساهم في تلبية الاحتياجيات الجماهيرية، خاصة فيما يخص المرافق والبنية التحتية والخدمات التعليمية والصحية وغيرها، سواء من قبل رئيس الوزراء أو وزير المالية أو وزير التخطيط وغيرهم، عبر الصحف والبرامج الفضائية، حتى ظهر الحساب الختامي للموازنة، والذي يظهر عادة بعد مرور حوالي عام من انتهاء السنة المالية.. ليتبين أن جملة ما حصلت عليه الاستثمارات الحكومية خلال العام المالي بلغ أقل من 53 مليار جنيه فقط، أي أقل من مخصص الاستثمارات مع بداية تنفيذ الموازنة والبالغ 63.7 مليار جنيه، وبما يعني أيضا أنه لم يتم حصول الاستثمارات الحكومية على شيء من حزمتي التمويل الإضافيتين، اللتين ذكر المسؤولون وقتها أنها تصل إلى 31.8 مليار جنيه، والتي كانت موضوعا لتصريحاتهم المتكررة بأنها ستساهم في تحسين حالة الخدمات للجمهور!

ومن هنا نذكر أن أرقام الموازنات الحكومية تمر بثلاث مراحل، المرحلة الأولى هي البيانات التقديرية التي ترد بقانون الموازنة ببداية العام المالي المالي، والمرحلة الثانية هي البيانات الفعلية التي تعلنها وزارة المالية بشكل شهري متراكم خلال شهور العام المالي، والمرحلة الثالثة هي البيانات الختامية والتي تمثل ما تم بشكل نهائي لكافة بنود مصروفات وإيرادات الموازنة وقيمة ما تحقق بها من عجز، وتصدر أيضا بقانون.

البيانات الختامية والتي تمثل الواقع الحقيقي لما تم عمليا، فمن النادر استعراضها إعلاميا، حيث يكون قد مر على الفترة التي تعبر عنها حوالي السنة، مما قد يعتبرها البعض أخبارا قديمة، فما بالك وأنها تكشف عن عدم تحقق ما وعدت به الحكومة، مما يعني ضرورة إغفال تلك البيانات في ظل إعلام الصوت الواحد

غياب جهاز المحاسبات عن تقييم الحساب الختامي

وعادة ما تركز تصريحات المسؤلين واهتمام الإعلام على البيانات التقديرية الأولية، ويظل استخدام المسؤولين لها طوال شهور العام المالي، وقليلا ما يتابع الإعلام الحكومي البيانات الفعلية، خاصة إذا كانت تشير لعدم تحقق ما وعدت به الأرقام التقديرية. أما البيانات الختامية والتي تمثل الواقع الحقيقي لما تم عمليا، فمن النادر استعراضها إعلاميا، حيث يكون قد مر على الفترة التي تعبر عنها حوالي السنة، مما قد يعتبرها البعض أخبارا قديمة، فما بالك وأنها تكشف عن عدم تحقق ما وعدت به الحكومة، مما يعني ضرورة إغفال تلك البيانات في ظل إعلام الصوت الواحد الذي لا يتحدث سوى عن الإنجازات!

ولأن قانون الجهاز المركزي للمحاسبات الصادر في عام 1988 يتطلب منه حسب المادة 18 منه، تقديم تقرير سنوي عن الحساب الختامي للموازنة إلى رئيس الجمهورية وإلى البرلمان، فقد شهدت فترة حكم الرئيس مبارك مبارزات بين رئيس جهاز المحاسبات جودت الملط وبين وزير المالية يوسف بطرس غالى، في مجلس الشعب خلال عرض جهاز المحاسبات ملاحظاته على الحساب الختامي للموازنة.

ورغم أن دستور 2014 الصادر في عهد النظام الحالي ينص في المادة 125 منه على وجوب تقديم تقرير جهاز المحاسبات حول الحساب الختامي للموازنة سنويا إلى مجلس النواب، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث طوال السنوات الماضية، بعد ما تعرض له رئيس جهاز المحاسبات هشام جنينة من إقصاء عام 2016 ومن اعتداء جسماني عليه، وحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات في آذار/ مارس 2019 بتهمة بث أخبار مسيئة.

ورغم أن قانون جهاز المحاسبات ينص على مراقبته أيضا لأداء الخطة، ومتابعة وتقويم القروض والمنح، لكن لا أحد يسمع عن شيء من ذلك منذ سنوات.
رغم أن دستور 2014 الصادر في عهد النظام الحالي ينص في المادة 125 منه على وجوب تقديم تقرير جهاز المحاسبات حول الحساب الختامي للموازنة سنويا إلى مجلس النواب، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث طوال السنوات الماضية، بعد ما تعرض له رئيس جهاز المحاسبات هشام جنينة من إقصاء عام 2016 ومن اعتداء جسماني عليه، وحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات

البرلمان لا يتابع كامل الموازنة

وربما يقول البعض إن مجلس النواب يقوم بمهمة متابعة الحساب الختامي للموازنة، لكن الكثيرين لا يعرفون أن الدستور الحالي حين أوجب بالمادة 124 منه على عرض إيرادات ومصروفات الموازنة على مجلس النواب، فإنه بذلك يعرض على مجلس النواب جزءا من الموازنة وليس كامل الموازنة.

فالمصروفات تعني ستة أبواب من أبواب إنفاق الموازنة الثمانية، وبالتالي لا يُعرض على المجلس ما يخص الباب السابع الخاص بحيازة الأصول، أي مساهمات الدولة بالهيئات الاقتصادية، وكذلك الباب الثامن الخاص بأقساط القروض المحلية والخارجية.

ونفس الأمر فإن تعبير الإيرادات بالموازنة يختص بثلاثة أبواب من بين خمسة أبواب الموارد، وبالتالي لا يتم العرض للباب الرابع الخاص بحصيلة أقساط القروض الحكومية، والباب الخامس الخاص بالاقتراض والذي يكشف نسبة الاقتراض ضمن موارد الموازنة. ففي قانون الموازنة الختامية للعام المالي 2020-2021 والصادر بنهاية الشهر الماضى، بلغت قيمة الاقتراض تريليونا وسبعة مليارات جنيه، وهو ما يمثل نسبة 47 في المائة من مجمل الموارد، في حين كان نصيب الضرائب بكل أنواعها 39 في المائة، والإيرادات غير الضريبية والتي تمثل الفوائض المتحققة بالجهات والمؤسسات والهيئات والشركات التي تملكها الحكومة أقل من 13 في المائة، ومتحصلات الإقراض واحد في المائة والمنح أقل من نسبة واحد في الألف.

وهكذا فقد كشف الحساب الختامي لموازنة العام المالي 2020-2021 الكثير من الأمور التي لا يتحدث عنها المسؤولون، وأبرزها عدم تحقق أية تقديرات لموازنة العام سواء الخاصة بالإيرادات أو بالمصروفات، حيث انخفضت الإيرادات بنسبة 16.5 في المائة عما حددته الموازنة لها عند بدء تنفيذها، نتيجة انخفاض الضرائب المتحصلة بنسبة 14 في المائة والإيرادات غير الضريبية بنسبة 24 في المائة والمنح بنسبة 39 في المائة.

الختامي يكشف انخفاض كل بنود المصروفات

ونتيجة نقص الإيرادات في موازنة مصابة بالعجز المزمن، فقد قامت وزارة المالية مباشرة بخفض بنود المصروفات عما وعدت به، لتصل نسبة انخفاض المصروفات عشرة في المائة، نتيجة انخفاض كل بنود المصروفات الستة، بنسبة تراجع 23 في المائة لشراء السلع والخدمات التي تخص مصروفات إدارة دولاب العمل الحكومي بالوزارات والهيئات والمحافظات، وبنسبة 20 في المائة للدعم، و20 في المائة كذلك للاستثمارات، والأجور بنسبة ستة بالمائة، بينما كان انخفاض فوائد الديون بنسبة واحد في الألف فقط.

وبتلك النتائج الختامية يتضح أن ما وعدت به الحكومات المتعاقبة منذ تولي الجيش السلطة من استثمارات؛ تتجه إلى مشروعات الإسكان الطرق والبنية التحتية والمدارس والمستشفيات، لم يتحقق في أي من تلك السنوات. ولم يقتصر الأمر على الاستثمارات خلال تلك السنوات الماضية، حيث يجد صانع السياسة المالية نفسه مطالبا بسداد فوائد وأقساط الديون أولا للحفاظ على الاستمرار في الاقتراض، وسداد أجور الموظفين حفاظا على السلام الاجتماعي، وكذلك مخصصات الجهات السيادية، على حساب باقي أبواب المصروفات.
يتضح أن ما وعدت به الحكومات المتعاقبة منذ تولي الجيش السلطة من استثمارات؛ تتجه إلى مشروعات الإسكان الطرق والبنية التحتية والمدارس والمستشفيات، لم يتحقق في أي من تلك السنوات

وها هي موازنة الحساب الختامي لعام مالي آخر وهو 2019-2020، والتي تشير إلى انخفاض الإيرادات عن التوقعات بنسبة 17 في المائة، نتيحة انخفاض الضرائب بنسبة 14 في المائة، والإيرادات غير الضريبية بنسبة 25 بالمائة، والمنح بنسبة تراجع 41 في المائة، وانعكس ذلك على المصروفات التي انخفضت بنسبة 12 في المائة، نتيجة انخفاض كافة أبواب المصروفات الستة.

وربما يقول البعض إن هذا أمر حسن فيما يخص بند فوائد الديون، لكن نسب الانخفاض كانت بنسبة 30.5 في المائة لمخصصات الدعم، و22 في المائة للاستثمارات، و12 في المائة لشراء السلع والخدمات التي تتضمن توفير الأدوية والمستلزمات الطبية في المستشفيات والصيانة والمستلزمات المدرسية، وستة في المائة للأجور، بينما كانت نسبة انخفاض مخصصات فوائد الديون الحكومي واحدا في الألف فقط.

تكلفة الدين أكثر من نصف الإنفاق

ومن الأمور الجوهرية التي يكشف عنها الحساب الختامي لموازنة عام 2020-2021، هو نصيب تكلفة الدين العام الحكومي من مجمل إنفاق الموازنة، حيث بلغت النسبة 51.5 في المائة، موزعة بين 26.4 في المائة للفوائد ونسبة 25 في المائة لأقساط الديون. وبالتالي ضعف نصيب باقي بنود الإنفاق، والتي توزعت بنسبة أقل من 15 في المائة للأجور، و12 في المائة للدعم، وأقل من 12 في المائة للاستثمارات، وأقل من 4 في المائة لشراء السلع والخدمات، وواحد في المائة لحيازة الأصول بالهيئات الاقتصادية الخاسرة، وأقل من 5 في المائة للمصروفات الأخرى التي يحوز الجيش معظمها.
جاءت تقديرات موازنة العام المالي الجديد الذي يبدأ مطلع الشهر القادم، لتشير إلى استحواذ تكلفة الدين الحكومي من فوائد وأقساط على نسبة 54 في المائة من مجمل الإنفاق، مما يعني نصيبا أقل لباقي أبواب الإنفاق. وعلى الجانب الآخر الخاص بالموارد فقد ارتفع نصيب الاقتراض الجديد إلى 49.7 في المائة من الموارد

وجاءت تقديرات موازنة العام المالي الجديد الذي يبدأ مطلع الشهر القادم، لتشير إلى استحواذ تكلفة الدين الحكومي من فوائد وأقساط على نسبة 54 في المائة من مجمل الإنفاق، مما يعني نصيبا أقل لباقي أبواب الإنفاق. وعلى الجانب الآخر الخاص بالموارد فقد ارتفع نصيب الاقتراض الجديد إلى 49.7 في المائة من الموارد، مقابل نسبة 38 في المائة للضرائب و11 في المائة للإيرادات غير الضريبية وواحد في المائة لمتحصلات الإقراض.

وهذا يعني توقع زيادة نصيب تكلفة الدين عند ظهور الحساب الختامي عن تلك التقديرات، في ضوء ما تواجهه الأسواق من ركود وارتفاع للأسعار العالمية، خاصة الحبوب والطاقة والمعادن وزيادة تكلفة الشحن البحري.

وخفض مرتقب لسعر الصرف ورفع متوقع لسعر الفائدة يزيد من تكلفة فوائد الديون الحكومية، حيث ذكرت وزارة المالية أن رفع الفائدة بنسبة واحد في المائة يزيد من تكلفة الدين المحلي 28 مليار جنيه، كما أن رفع سعر خام برنت بدولار واحد يزيد العجز المستهدف في الموازنة بنحو مليار جنيه. وها هو خام برنت يدور حاليا حول 120 دولارا للبرميل، بينما قدرت الموازنة الجديدة بلوغه 80 دولارا.

ويتكرر نفس الشيء مع القمح المستورد الذي توقعت الموازنة المقبلة بلوغه 330 دولارا للطن، بينما بلغ سعره في شهر أيار/ مايو الماضي 522 دولار لطن القمح الأمريكي الصلد، و651 دولارا لطن للقمح الأمريكي اللين.

 


التعليقات (0)