قضايا وآراء

شيرين أبو عاقلة: "اخترت الصحافة لأكون قريبة من الإنسان"

محمود النجار
1300x600
1300x600
شيرين أبو عاقلة.. ذلك الصوت الدافئ الهادئ الحزين المعبر عن الوجع الفلسطيني الذي أحبه الفلسطينيون وأحرار العالم، وذلك الوجه الطفولي البريء الذي مثّل صوت الحقيقة برهافة أنثى رقيقة وقوة أسد هصور.. وذلك الأداء الواثق الذي يشبه أداء طفلة ذكية تواجه ترسانة حربية وإعلامية بمنطق العباقرة ولسان صاحب الحق، مستلهمة ذلك من قدسية القضية وعدالتها.. لكن لم يرق لهم هذا الصوت النافذ ولا الوجه البريء الذي يقاتل بالكلمة ويعرض الحقيقة؛ فاغتالوه بدم بارد..!!

لقد جمعت شيرين إلى الوداعة قوة المنطق، وإلى رهافة الحس قوة الموقف، وإلى الوطنية رحابة الإنسانية، فكانت نموذجا إنسانيا فلسطينيا فريدا.. كانت على ثغر، ككل فلسطيني حرّ يأبى الخضوع والانكسار، ولا يختار الصمت لسلامته وأمنه الشخصي.. لقد مثلت شيرين أمّة الإعلام وأمّة الموقف وأمّة النساء القادرات على الفعل الناجز المعبر المخترق لكل حواجز الخوف والقمع الذي اتخذته قوات الاحتلال منهجا وأسلوب حياة..
لقد مثلت شيرين أمّة الإعلام وأمّة الموقف وأمّة النساء القادرات على الفعل الناجز المعبر المخترق لكل حواجز الخوف والقمع الذي اتخذته قوات الاحتلال منهجا وأسلوب حياة

لم تنتقِ شيرين أبو عاقلة كلماتها، ولم تنمق جملها، ولم تبحث في قواميس اللغة عن مفردات مؤاتية كما يفعل الشعراء، فقد كان يكفيها أن تأخذ من قاموس الوطن.. قاموس الوجع والحرمان والحصار.. قاموس الأمل بمستقبل أفضل؛ لتجيء كلماتها سلسة كالماء.. قوية كالرصاص.. ثائرة كالبركان، فتدخل إلى أغوار قلوبنا وأعماق وجداننا، فتهزنا من الأعماق، وتبقينا على وعد بالنصر ووعد بالتحرير.. لقد كانت صوتنا جميعا.. صوت فلسطين ومحبي شعبها والمتعاطفين مع حقوقهم في آن معا..

ذلك الجمال وتلك الأناقة الفطرية الحاضرة حضور الماء والهواء في سماء الإعلام العربي والعالمي، سافرت بعيدا ولن تعود، لكن وقع خطاها وهي تمضي مع الشفق مودعة حياتنا تترك للتاريخ أحافير لا تحتاج إلى مقتص أثر، أو محلل بصمات، فقد تركت خلفها تراثا من العزة والإباء وأسفارا من المجد، ليست كتلك التي حملها بنو إسرائيل فناؤوا بها، واختلفوا فيها؛ فهي مصدر إشعاع سيظل حاضرا في تاريخ الصحافة العالمية وتاريخ فلسطين الحديث.

حتى وهي ميتة شكّلت شيرين حالة رعب لقوات الاحتلال، فحاصر جنازتها واعتدى على مشيعيها الذين يحملون نعشها.. ذلك العدو الجبان الذي يدعي الديمقراطية هو ذاته الذي لم يرق له -وهو القاتل- أن يترك الجنازة تمارس عرسها الفلسطيني والإنساني ويده ملطخة بدمها، أو يظل على مسافة منها؛ فتلك عصابة مجرمة، تمثل أعتى قوة ظالمة مستبدة على وجه الأرض..
وهي ميتة شكّلت شيرين حالة رعب لقوات الاحتلال، فحاصر جنازتها واعتدى على مشيعيها الذين يحملون نعشها.. ذلك العدو الجبان الذي يدعي الديمقراطية هو ذاته الذي لم يرق له -وهو القاتل- أن يترك الجنازة تمارس عرسها الفلسطيني والإنساني

كانت كاميرا شيرين أبو عاقلة وصوتها الهادئ المعبر أقوى من رصاص الغدر، فقد تحولت من إنسانة وديعة تحبها قلوب الملايين إلى رمز من رموز العمل الوطني في وجه الآلة العسكرية الغاشمة للاحتلال البغيض الذي يجثم على صدور الفلسطينيين، وأحسب أن الرد على هذه الجريمة سيكون قريبا..

ماذا كان مخبأ لك في الغيب يا شيرين؛ ليلتف العالم كله حولك، ولتجدي كل هذا الحب والحدب والتعاطف من القريب والبعيد؛ فلم يحظ صحافي أصابته رصاصة غادرة من قبل، بما حظيت به؟ حتى أولئك السياسيون الذين لا تروق لهم قناة الجزيرة وجدوا أنفسهم في قلب الحدث، وبعضهم غالبته دموعه في مشهد عاطفي عالمي كبير، فالتنديد بالقتلة كان مغايرا هذه المرة، لم نجد له شبيها من قبل..
ستظل شيرين مصدر إلهام للصحافة الحرة، ولحرية الإنسان، وهي التي قالت: "اخترت الصحافة لأكون قريبة من الإنسان".. لقد كانت حقا قريبة من الإنسان، فلم يكن صوتها صيحة في واد، ولا نفخة في رماد، بل كان الإعجاز والصدق والحقيقة في أجلى صورها

لقد تعاطف معك وتحدث عنك ملوك ورؤساء وساسة كبار، وانحازت لدمك منصات الأمم المتحدة وبرلمانات وحكومات، وفجع بك مجتمع الإعلام العربي والدولي، وبكاك كل الطيف الفلسطيني بكل فئاته وتنوع فكره وثقافته.. لم يبق أحد لم يبك غيابك يا شيرين؛ إلا أولئك الذين وصلت خيانتهم حد الانصهار في الحالة الصهيونية؛ وهذا مؤشر لا يحتاج إلى دليل على أنك كنت تمثلين التفرد ورفض العادي الذي تفرضه الوظيفة؛ فقد مثلت حالة الصعود الاستثنائي، وكنت فوق وظيفتك كمراسلة صحافية، وفوق كل بنود عقدك مع الجزيرة، لأنك كنت تمثلين وطن الأحرار ووطن الصمود الأسطوري لشعب كنت أيقونته المضيئة وسط عتمة الأداء الإعلامي العربي..!!

ستظل شيرين مصدر إلهام للصحافة الحرة، ولحرية الإنسان، وهي التي قالت: "اخترت الصحافة لأكون قريبة من الإنسان".. لقد كانت حقا قريبة من الإنسان، فلم يكن صوتها صيحة في واد، ولا نفخة في رماد، بل كان الإعجاز والصدق والحقيقة في أجلى صورها وأسمى معانيها..
التعليقات (8)
متابع
الخميس، 30-06-2022 04:24 ص
وكم ذا بمصر من المضحكات.. ولكنه ضحك كالبكا أصبتم في التحليل. انها مصر تتجه للهاوية. ونتمنى ألا تسقط فيها دمتم أستاذ محمود النجار
محمد القصبي
الأربعاء، 18-05-2022 10:27 م
شيرين اقوى من كلمات ....شيرين اصبحت الان ترادف معنى الخلود خلود الاسم في الوجدان العربي
متابع
الثلاثاء، 17-05-2022 02:54 م
من أجمل ما كتب عن الشهيدة المجيدة شيرين أبو عاقلة التي اغتالها الصهاينة بدم بارد كما فعلوا مع ألوف مؤلفة من الفلسطينيين منذ سرقتهم التاريخية. شيرين شمعة انطفأت لتضيء دروب النضال وتذكر الغافلين والناسين بأن هناك وطنا مسروقا اسمه فلسطين. رحيل مأساوي في طيه بشائر بالنصر وانبلاج الفجر وكسر القيود. فالنصر لا بد له من تضحيات ونفوس كبار تفدي ارواحها. لروح شيرين أبو عاقلة الرحمة. ولها المجد والخلود
عيسى ابو مقدم
الثلاثاء، 17-05-2022 01:08 م
اختارت لنفسها ان تكون مدافعه عن حقوق شعبها والذود عن الظلم الذي وقع على شعبها وان تكون ايقونه الإعلام الفلسطيني لا بل العربي والاسلامي لقد اخترت لنفسها ان تخوض المعارك بالكلمه الحرة هن الماجدات والمناضلات والثائرات التي حملن حلم العودة والنضال بالكلمة وكانت بالف رجل حتى اغتالتها اليد الجبانة وبطلقة في الرأس وحتى في نعشها ارادو ان ينغصو على الفلسطينيين ولكن شعبنا قلب الطاولة عليهم رأس على عقب وارادو لجنازتها ان تكون مع القاده العظام ك ابو عمار وصلاح خلف وابو جهاد والحكيم وغيرهم الشهيدة بنت القدس أراد الله ان يكرمها الله في الدنيا وسيكرمها الله في الاخرة ان شاء الله الف رحمه على روحها الطاهره وعاشت فلسطين حرة عربية من النهر الى البحر وانا لعائدون
سالمة
الثلاثاء، 17-05-2022 12:24 م
أعطيت شرين حقها فشكرا لهذه الأنامل الذهبية التي كتبت فأقنعت