بورتريه

"الطنطورة".. مجزرة للاحتلال طُمست أسفل منتجع سياحي (بورتريه)

الطنطورة- عربي21
الطنطورة- عربي21

شاطئ ساحر ومدهش على ساحل البحر الأبيض المتوسط حيث يداعب الموج زرقة السماء، وتغفو رماله على وقع صوت الموج الأزرق.


نعرف أسماء شهدائنا، ومواقع المجازر التي ارتقوا فيها، لكنها المرة الأولى التي يشهد فيها جنود إسرائيليون شاركوا في المجزرة، ويكشفون للمرة الأولى عن موقع القبر الجماعي على شاطئ مدينة قيسارية الشهير، حيث يوجد تحت أحد المنتجعات السياحية الإسرائيلية على البحر المتوسط رفات ضحايا إحدى المذابح الصارخة ضد الشعب الفلسطيني.


كان المشهد ممتلئا بالدماء، وجثث الشهداء والصرخات التي لم تتوقف أبقت الجرح طريا ونديا ونازفا رغم مرور نحو 74 عاما على المجزرة.


المؤرخ آدم راز وصف في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية المشهد بأنه "عمليات قتل جماعي للعرب" بعد احتلال قرية "الطنطورة" جنوب حيفا عام 1948، التي وقعت بعد شهر تقريبا من مذبحة دير ياسين الأكثر شهرة، والتي تركت أثرا نفسيا سلبيا سوداويا على الفلسطينيين في القرى المجاورة ومهدت لتهجيرهم.


نحو 200 فلسطيني، وربما أكثر، دفنوا، بعد إعدامهم، في قبر جماعي يقع حاليا تحت ساحة انتظار سيارات "شاطئ دور" بعد أن استهدف الجيش الإسرائيلي القرية في ليل 22 أيار/ مايو عام 1948 بقصفها من البحر قبل عملية المداهمة على يد جنود "الكتيبة 33" من "لواء إسكندروني" من جهة الشرق في نفس الليلة، وتواصل الهجوم حتى اليوم التالي حتى تمكنوا من احتلالها، وبدأت المذبحة بحق أهالي القرية لحظة احتلالها مباشرة.


الرواية الجديدة التي يقدمها الفيلم الوثائقي "الطنطورة" للمخرج ألون شوارتز هي رواية إسرائيلية متأخرة قليلا لما جرى في "الطنطورة" لكنها تعيد إحياء رواية إسرائيلية أخرى عمرها 22 عاما، حين قدم ثيودور كاتس طالب دراسات عليا إسرائيلي أطروحة ماجستير تضمنت شهادات حول الفظائع التي ارتكبها لواء إسكندروني (الهاغاناه) ضد أسرى الحرب العرب، وهي تستند في جوهرها لمقابلات مسجلة مع أفراد الوحدة ومع فلسطينيين بلغت في مجملها نحو 130 شهادة. وقد لعبت جامعة حيفا دورا سلبيا في تخليها عن الطالب كاتس الذي اضطر إلى التراجع عن روايته بعد أن رفع جنود كانوا في "الهاغاناه" دعوى تشهير ضده، وشنوا حربا دعائية لم يستطع الصمود أمامها.

 

اقرأ أيضا: MEE: لم يعد بإمكان "إسرائيل" التستر على مذبحة الطنطورة

بحسب الرواية الجديدة يصف الجنود المشاركون في المجزرة مشاهد مختلفة كل بطريقته، من بينهم موشيه ديامنت الذي يقول: "قتل القرويون برصاص (متوحش) باستخدام مدفع رشاش، في نهاية المعركة".


أما حاييم ليفين، أحد الجنود السابقين، فقال إن "أحد أفراد الوحدة ذهب إلى مجموعة من 15 أو 20 أسير حرب وقتلهم جميعا". وبدوره، أشار ميكا فيكون، وهو جندي سابق آخر، إلى أن "ضابطا أصبح في السنوات اللاحقة رجلا كبيرا في وزارة الدفاع، قتل بمسدسه عربيا تلو الآخر".


من جهته، قال جندي سابق آخر، لم تسمه "هآرتس": "ليس من الجيد قول هذا. لقد وضعوهم في برميل وأطلقوا عليهم النار في البرميل. أتذكر الدم في البرميل".


وأضاف: "ببساطة لم يتصرفوا مثل البشر في القرية".


وقال: "تم حفر القبر خصيصا لهذا الغرض، واستمر الدفن لأكثر من أسبوع".


"لقد اهتموا بإخفاء القبر الجماعي، بطريقة تجعل الأجيال القادمة تسير هناك دون أن تعرف ما الذي تخطو عليه". بحسب شهادة كاتس في الفيلم.


بعد 74 عاما، ما زال سماع أحاديث معظم هؤلاء الشهود الإسرائيليين في الفيلم مقززة، ليس فقط بسبب قتل 200 من سكان "الطنطورة" رغم انتهاء احتلال القرية التي قاومت حتى آخر طلقة، بل هم مقززون بلغتهم المتغطرسة وبضحكاتهم إلى حد القهقهة وهم يستذكرون القتل والاغتصاب.


المجزرة كانت جزءا من عملية تهجير وتطهير عرقي كبرى حيث دمر وطرد شعب بكامله من أجل إحلال جماعات وأفراد من شتى بقاع العالم مكانه.


شرد نحو 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 في 1300 قرية ومدينة فلسطينية.

 

اقرأ أيضا: تفاصيل صادمة يرويها جنود الاحتلال عن مذبحة الطنطورة

وسيطر الاحتلال الإسرائيلي على 774 قرية ومدينة فلسطينية، دمرت 531 منها بالكامل وما تبقى تم إخضاعه إلى الاحتلال، وقد رافق عملية التطهير هذه اقتراف العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين أدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني.


لكن مذبحة "الطنطورة" تختلف عن سائر المذابح السابقة في فلسطين، ليس لحجم الضحايا فقط ولكن لأنها جريمة قام بها جيش الاحتلال، بعد أسبوع واحد من إعلان قيام الدولة العبرية. بحسب المؤرخ إيلان بابه، وعلى أنقاضها أقيمت "مستعمرة نحشوليم" و"مستعمرة دور".


وقد قامت الروائية المعروفة رضوى عاشور بكتابة رواية "الطنطورية" تناولت فيها قصة فتاة نجت من المجزرة المروعة وأصبحت لاجئة في لبنان بعد ذلك.


لم يعاقب أحد ولم يوجه اللوم إلى أي جندي أو ضابط، كل ما جرى بهذا الشأن فقط توبيخ أحد القادة الذين تم تعيينهم في الموقع لأنه "لم يحرص على دفن جثث العرب بالطريقة المناسبة".


شهادة الجنود أعادت جمع قطع الفسيفساء المبعثرة ورسم الصورة من جديد، فصل كامل من المأساة الفلسطينية، كيف تمكن الصهاينة من تفريغ المدن والقرى من سكانها الأصليين عبر ممارسة القتل الجماعي وإشاعة الرعب في الوسط العربي.


هل يتذكر كل شخص يجلس على رمال قيسارية ماذا تحته؟ لو أرهف السمع قليلا ربما سمع صوت استغاثة قادما من مكان قريب.

التعليقات (1)
رجل بسيط
الأحد، 30-01-2022 08:31 ص
أن شاء الله سيعود الحق لأصحابه هذا أرض فلسطين عليها نموت وعليها نحيا