قضايا وآراء

مصيبة الديون الخارجية المصرية

أشرف دوابة
1300x600
1300x600
نشرت العديد من وسائل الإعلام المصرية الأسبوع الماضي مزيدا من توجه الحكومة المصرية نحو الاقتراض من الخارج الذي لم تشبع منه بعد، رغم وصول الدين الخارجي إلى نحو 137.9 مليار دولار بنهاية الربع الثالث من عام 2021، حيث وافقت بنوك إماراتية وكويتية على طلب الحكومة المصرية بالحصول على قرض مجمع بقيمة إجمالية ثلاثة مليارات دولار، موزعة مناصفة بين 1.5 مليار دولار قروض خضراء، و1.5 مليار دولار تمويلات إسلامية.

كما أنه لم تنته زيارة رئيس كوريا الجنوبية "مون جيه" لمصر حتى أسفرت عن تقديم قرضين للحكومة بقيمة 1.3 مليار دولار. وفي الوقت نفسه وافق مجلس الوزراء رسميا على بدء إجراءات إصدار أول صكوك سيادية في الأسواق الدولية، ومن المتوقع بدء طرح تلك الصكوك خلال العام الجاري. وقال وزير المالية محمد معيط إن "إصدار الصكوك السيادية يعتمد على أساس حق الانتفاع للأصول المملوكة للدولة ملكية خاصة، وذلك عن طريق بيع حق الانتفاع بهذه الأصول أو تأجيرها، أو بأي طريق آخر يتفق مع عقد الإصدار، وضمان حصة مالك الصك وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية ". وقد رجح معيط في آب/ أغسطس الماضي، أن يتراوح حجم الإصدار الأول ما بين مليار إلى ملياري دولار، إضافة إلى دراسة إصدار سندات التنمية المستدامة لتمويل مبادرة حياة كريمة وفق تصريحات وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط مع مسؤولي الأمم المتحدة، دون تحديد لشروط هذه السندات ومعاييرها وجدواها.
تأتي هذه الخطوات لتكشف عن المصيبة التي تحيط بالاقتصاد المصري، لا سيما في ظل تصريحات وزير المالية بأن 31 في المائة من الموازنة العامة الجديدة ستذهب إلى خدمة الدين الخارجي، وإعلان البنك المركزي المصري وضع إطار جديد يمنح بموجبه البنوك سيولة طارئة في حال عدم قدرتها على توفير السيولة

وتأتي هذه الخطوات لتكشف عن المصيبة التي تحيط بالاقتصاد المصري، لا سيما في ظل تصريحات وزير المالية بأن 31 في المائة من الموازنة العامة الجديدة ستذهب إلى خدمة الدين الخارجي، وإعلان البنك المركزي المصري وضع إطار جديد يمنح بموجبه البنوك سيولة طارئة في حال عدم قدرتها على توفير السيولة من سوق الإنتربنك، حيث سيقرض البنوك التي تحتاج إلى سيولة بسعر عائد أعلى من متوسط أسعار الفائدة السائدة في السوق، والذي يتمثل في سعر الفائدة بالبنك المركزي للإقراض لليلة واحدة، بالإضافة إلى هامش يحدده مجلس إدارة البنك المركزي بحد أدنى 5 في المائة.

وكذلك ما جاء في تقرير وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، بأن تصنيفاتها للبنوك المصرية، خصوصا المتعلقة بالتمويل والسيولة، قد تواجه ضغوطا إذا استمرت الأصول الأجنبية في التراجع، وأن هذا التدهور جاء نتيجة تراجع الأصول الأجنبية بشكل رئيس، وأنه قد تتأثر سيولة البنوك من العملات الأجنبية والقدرة على الوفاء بخدمة الدين حال استمرار هذا الاتجاه، وربما زاد عجز الحساب الجاري في مصر من الضغوط على الأصول الأجنبية للبنوك..

وعزت "فيتش" هذا التراجع في قيمة الأصول الأجنبية بالقطاع المصرفي إلى استخدامها للوفاء بالتزامات الديون الخارجية من قِبل البنك المركزي؛ الذي سحب بعض ودائعه من العملات الأجنبية في البنوك المحلية. وأبرزت أن صافي الالتزامات بالعملة الصعبة في البنوك بلغ نحو 112 مليار جنيه بنهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وفق بيانات البنك المركزي، وذلك مقابل صافي أصول أجنبية بقيمة 107 مليارات جنيه في نهاية شباط/ فبراير 2021.. ويعني تحقيق صافي التزامات أجنبية أن الأصول بالعملات الأجنبية التي يمتلكها القطاع المصرفي أقل من التزاماته بهذه العملات..

وأضافت "فيتش" أن هذا التدهور جاء نتيجة سحب الأصول الأجنبية، وحذرت من احتمال زيادة الضغوط على الأصول الأجنبية في البنوك المصرية حال تجدد موجة تخارج الأجانب نتيجة ارتفاع التضخم؛ الذي يقلل مكاسبهم من الاستثمار في أدوات الدَّين الحكومي، أو هروب السيولة الأجنبية بعيدا عن الأسواق الناشئة.

كما ذكر تقرير صادر عن وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني في نهاية العام الماضي أن "تكاليف خدمة الديون في مصر تُعد من بين أعلى الديون السيادية المصنفة". ولو أضفنا لذلك توجه البنك الفيدرالي الأمريكي إلى رفع أسعار الفائدة، فإن هذا الأمر سوف تترتب عليه زيادة تكلفة الاقتراض من مختلف الأسواق الدولية، وهو ما يزيد الوضع القائم سوءا.
الحكومة المصرية أوقعت الجيل الحالي والأجيال القادمة في مصيبة ومصيدة الديون وترقيعها لسداد ما يستحق منها، وإهدار موارد مصر ورهنها، لا سيما وأن هذه الديون لم تستخدمها الحكومة في مشروعات تنموية ذات كفاءة اقتصادية واجتماعية؛ ينمو معها الناتج القومي الحقيقي بمعدل مرتفع نسبيا وتنخفض بها معدلات البطالة

إن الحكومة المصرية أوقعت الجيل الحالي والأجيال القادمة في مصيبة ومصيدة الديون وترقيعها لسداد ما يستحق منها، وإهدار موارد مصر ورهنها، لا سيما وأن هذه الديون لم تستخدمها الحكومة في مشروعات تنموية ذات كفاءة اقتصادية واجتماعية؛ ينمو معها الناتج القومي الحقيقي بمعدل مرتفع نسبيا وتنخفض بها معدلات البطالة، أو تنتج عنها تنمية الصادرات واكتساب المزيد من العملات الأجنبية التي تكفي سداد أقساط القروض وفوائدها، والتي يجب أن تسدد بالطبع بالنقد الأجنبي، وهو ما يعني مزيدا من الضغط على ميزان المدفوعات، الذي ستقتطع من قيمة صادراته السلعية والخدمية وتحويلات العاملين بالخارج ما يلزم لسداد أقساط الديون وفوائدها، بل واللجوء للسحب من احتياطيات النقد الأجنبي التي هي في مجملها قروض للغير، مما يتسبب في تدهور قيمة العملة الوطنية التي في حقيقتها تم تقييمها بأعلى من قيمتها.

ويمتد العبء كذلك على المواطنين من خلال فرض مزيد من الضرائب لسداد تلك القروض من جيوب المواطنين. وليس هذا فحسب، بل إن تحويل العملة المصرية إلى عملات أجنبية عن طريق سوق النقد لسداد تلك القروض سوف يؤدي حتما إلى مزيد من ارتفاع قيمة العملة الأجنبية لزيادة الطلب عليها، لا سيما في ظل خروج الأموال الساخنة الرابحة، وهو ما يعني المزيد من ارتفاع أسعار السلع المستوردة، فترتفع معدلات الأسعار في الداخل بشكل أكبر وأكبر، ويتحمل فاتورة كل ذلك المواطن المصري المطحون.

twitter.com/drdawaba
التعليقات (0)