مدونات

حقيقة علاقة الإخوان المسلمين بالإنجليز بعد ثورة يوليو 52

كاتب آخر
كاتب آخر

منذ وقع الانقلاب العسكري في مصر في 3 تموز/ يوليو 2013م، وإجهاض التجربة الديمقراطية فيها والتي كانت مقدمة للإجهاز على جميع ثورات الربيع العربي، والتحول الديناميكي في الحرب على جميع الحركات الإسلامية حيث امتدت إلى جميع خصوم ومعارضي الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط خاصة وبقية الدول الإسلامية والعربية عامة.. منذ ذلك التاريخ دأب الديكتاتوريون وأتباعهم ومن خلفهم الأنظمة الغربية تشجعهم وتحثهم؛ على سحق جميع الحركات الإسلامية، بتشويه صورتهم تارة، أو بإهدار حقوقهم الإنسانية بالقتل أو الاعتقال أو المطارة تارة أخرى، وغيرها من الوسائل التي جنّدت من أجلها جميع مؤسسات الدولة الحاكمة، ورصدت لذلك مليارات الدولارات.

وكان أن استحضرت هذه الأنظمة الديكتاتورية ماضي الحركات الإسلامية، في محاولة لتصديرها للمشهد العام وتغليفها بالتهم، مع طمس الحقائق وكتابة التاريخ من جديد وفق هوى الحاكم ونظامه المستبد من أجل ترسيخ هذه الأحداث في عقول الناس والأجيال القادمة.

وكان من هذه التهم القديمة، والتي يعزف عليها كل ديكتاتور كلما اصطدم مع خصومة، فرية اتصال الإخوان المسلمين بالإنجليز من وراءا عبد الناصر والحكومة بعد ثورة 23 يوليو، حيث يحاول بعض الكتاب والباحثين والصحفيين التابعين للأنظمة المصرية والإماراتية والسعودية خاصة؛ البحث خلف هذه الأحداث وتدويرها للناس من أجل إثارة التهم والشبهات حول جماعة الإخوان المسلمين.

حقيقة التهمة

وفق ما ورد في الأحداث لم ينكر الإخوان وعلى رأسهم المرشد العام الثاني المستشار حسن الهضيبي (1891- 1973) حدوث الاتصال، حيث أكد أن اللقاء تم بالفعل في شباط/ فبراير 1953م بناء على طلب مستر "تريفورا ايفانز"، مستشار السفارة البريطانية لشئون الشرق، والذي طلب عبر وسيط وهو الدكتور محمد سالم (الموظف في شركة النقل والهندسة) والقريب من الإنجليز، ترتيب لقاء بينه وبين الإخوان خاصة المستشار منير الدلة والأستاذ صالح أبو رقيق، ثم طلب بعد ذلك لقاء المستشار حسن الهضيبي.

طلب المستشار الهضيبي تبليغ عبد الناصر بهذا الطلب عبر الأستاذ حسن العشماوي (عضو مكتب الإرشاد والمقرب من عبد الناصر)، فقابله عبد الناصر بصحبة عبد الحكيم عامر، حيث شجعهم على قبول هذا اللقاء من أجل الضغط على الإنجليز وإظهار المفاوض المصري بمظهر القوة وأن أكبر قوة شعبية تقف خلف الحكومة. وبالفعل تمت المقابلة وطلب المستشار الهضيبي من الأستاذ صالح كتابة تقرير وإرساله إلى عبد الناصر والرئيس محمد نجيب، وحدث ذلك فعلا.

ثم اتصل المستشار بعبد الناصر وطلبه في بيته، حيث تقابلا في لقاء مع بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة (تم تصوير ها اللقاء ونشرت صوره) وأطلعه على رأي الإخوان بعدم التنازل عن الجلاء التام دون شروط.

وثائق وأدلة

لم يقدم أنصار الانقلابيين سوى البيان الذي أصدره عبد الناصر عبر صحيفة الأهرام (15 كانون الثاني/ يناير 1954م، الموافق 10 جماد الأولى 1373هـ، ص1، 5) وهو بيان حل الجماعة والذي ذكر فيه عبد الناصر اتصال الإخوان بالإنجليز دون علم الحكومة.

لكن كثيرا من شهود العيان وبعض الباحثين الذين حضروا فترة عبد الناصر كتبوا عن هذا الحادث، موضحين حقيقته التي يحاول الانقلابيون جاهدين إخفاءها.

فقد ذكر حسن التهامي (1924- 2009م)، وهو أحد الضباط الأحرار وأحد المقربين من عبد الناصر تحت عنوان "هذه هي الحقيقة" في مجلة روزاليوسف (العدد 2603، الأول من أيار/ مايو 1978م، ص 6– 7) أنه سمع من عبد الناصر شخصيا في مجلس قيادة الثورة بالجزيرة أن حسن العشماوي أخبره بأن إيفانز، المستشار السياسي بالسفارة البريطانية، طلب منه اللقاء ببعض قيادات الإخوان المسلمين، وأنه (أي عبد الناصر) حبذ إجراء هذا اللقاء لمعرفة كيف يفكر الإنجليز، كما طلب منه أن يرتفع الإخوان بسقف مطالبهم ليساعده ذلك في مفاوضاته معه، وأن الإخوان نقلوا إلى عبد الناصر كل ما دار بينهم وبين ذلك المستشار الإنجليزي.

الأمر الآخر والعجيب أن هذا الاتصال حدث في شباط/ فبراير 1953م، وظل عبد الناصر وحكومته صامتين حتى صدور قرار الحل، فلم يتم اعتقال الدكتور محمد سالم الوسيط مثلا لا بعد اللقاء ولا في أي وقت آخر، كما لم يُعقتل أحد من الإخوان الذين حضروا اللقاء خلال عام.

ومن خلال ملفات الخارجية البريطانية التي أذيعت مع بداية عام 1985، يذكر السفير البريطاني في القاهرة آنئذ، في الملف رقم 2/ 105/ 1054 ف ج، قول الدكتور محمود فوزي، وزير الخارجية المصرية وقتئذ، أن بيان الحكومة الذي جرى فيه اتهام حسن العشماوي بالاتصال بالسفارة البريطانية تجب قراءته في إطار أنه تم إصداره للتأثير على الداخل أو للاستهلاك المحلي.

وفي دراسته البحثية يذكر ريتشارد ميتشل قوله: ونحن لا نعلم بالتحديد أي الشروط وافق عليها الهضيبي، لكن هناك ما يكفي من الأسباب للاعتقاد بأن ناصر أُخطر قبل الاجتماع مع إيفانز وبعده.

كما تقابل الضابط حسين حموده (أحد الضباط الأحرار) مع عبد الناصر يوم 18 كانون الثاني/ يناير 1954م، بناء على طلب عبد الناصر، في مكتب عبد الحكيم عامر، وسأله أثناء الحديث عن لقاء الإخوان بالإنجليز، فأخبره عبد الناصر بأن اللقاء تم على علم مني ومن مجلس قيادة الثورة، وكل ما دار فيه أخبره الإخوان به وأنه حثهم على اللقاء من أجل معرفة ما يفكر فيه الإنجليز.

لقد وقف المستشار الهضيبي في آب/ أغسطس 1954م في لقاء الثلاثاء متحدثا عن الفرية التي اتهم بها عبد الناصر الإخوان بشأن اتصالهم بالإنجليز، كما أصدر عبد القادر عودة بيانا أظهر فيه الحقيقة، وكتب المستشار صالح أبو رقيق بيانا أوضح فيه للناس ما تم، ولم يكذبهم عبد الناصر أو إعلامه وقتها.

بل إن عبد الناصر بعدما حل الجماعة واعتقل قادتها في كانون الثاني/ يناير، زار بصحبة صلاح سالم المستشار حسن الهضيبي في بيته بعد خروجه من المعتقل في آذار/ مارس 1954م.. فهل كان عبد الناصر يشعر بخيانة الهضيبي للدولة وإخوانه؟ ولماذا زاره مهنئا له بسلامة خروجه وهو الذي اتهمه من قبل بالاتصال بالإنجليز دون علم الحكومة؟ دلائل كثيرة تكذب اتهام عبد الناصر ومن ورائه الديكتاتوريون الحاليون الذين أهملوا شعوبهم من أجل محاربة الحركات الإسلامية وتمكين عروشهم وأنظمتهم من السقوط.

 

* كاتب مصري
التعليقات (1)
إبراهيم عمار الرحماني
الإثنين، 07-02-2022 05:23 م
الحمد لله أن عدل الله نافذ وأن أجل الله لآت وهو السميع العليم .