ملفات وتقارير

ماذا يجري بسوق دور النشر في مصر؟ توسّع تقابله تضييقات

تشهد سوق النشر في مصر تضييقا أمنيا متتابعا منذ انقلاب 2013- الشبكة العربية للأبحاث
تشهد سوق النشر في مصر تضييقا أمنيا متتابعا منذ انقلاب 2013- الشبكة العربية للأبحاث

بينما تستعد مصر لافتتاح نسخة معرض القاهرة الدولي للكتاب الـ53، الأربعاء المقبل، فقد أعلنت إحدى أهم دور النشر العربية انسحابها من العمل في مصر، وغلق مكتبتيها بالقاهرة والإسكندرية، بسبب ما قالت إنه تضييق أمني على عملها.

وعبر صفحته بــ"فيسبوك"، أعلن مدير "الشبكة العربية للأبحاث والنشر" الباحث السعودي نواف القديمي، إغلاق مكاتب الشبكة التي تعمل في مصر منذ العام 2011، ودشنت خلال عقد مكتبة كبرى بوسط القاهرة، وأخرى بالإسكندرية عام 2016، بجانب عشرات الفعاليات الثقافية.

وفي تعليله لأسباب تخارج داره من العمل في سوق النشر والطباعة وتوزيع الكتاب بمصر وغلق مكتباتها، أكد القديمي، أنها نتيجة لما أسماه بـ"التحريض الصحفي"، و"التضييق الأمني المستمر"، و"التفتيش المتكرر للمكتبات"، وعمل قضية ضد الشبكة وصاحبها بدعوى بيع "كتب إثارية"، والرقابة المُشددة على دخول الكتب.

وأشار إلى أن فريق عمله تحمل الكثير من الوضع السياسي العربي وحاول الاستمرار برغم التراجع الاقتصادي والتدني المُستمر في سقف الحريات.

ونوه القديمي إلى أنه منع من دخول مصر في نيسان/ إبريل 2017 ثم احتجزت شحنات كتب لمكتباته من العاصمة اللبنانية بيروت تقدر بـ40 ألف دولار، بالجمارك المصرية لنحو عام ونصف بحجة وجود كتب مخالفة.

وأوضح أنه أغلق مكتبة الإسكندرية قبل 3 أشهر ومكتبة القاهرة نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، نافيا صدور قرار أمني بالإغلاق، وموضحا أن داره حتى الآن خارج قوائم العرض بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2022.

 



وتعرضت مكتبات الشبكة للتفتيش الأمني ومصادرة نسخ لـ3 كتب عن ثورة يناير والربيع العربي أحدها للقديمي نفسه بعنوان "يوميات الثورة"، كما واجهت الشبكة والقديمي، دعوى قضائية ضدهما بتهم نشر كتب "إثارية".

ووفق صفحة الشبكة فإن لها من الكتب المعروضة نحو 16 ألف كتاب و231 من العناوين المطبوعة، فيما تحمل أحدث إصداراتها عناوين هامة مثل "الإسلام والسلطوية والتأخر"، و"مغامرة الإسلام الضمير والتاريخ"، و"تاريخ الإسلام"، و"كيف تعمل الديكتاتوريات؟".

ولأهمية ما تقدمه الشبكة من كتب مترجمة وعالمية، فإن القرار أثار موجة غضب في أوساط المثقفين في مصر، إذ اعتبره البعض خسارة كبيرة لسوق النشر بمصر، التي لم تعد تحمل إلا القبح في عهد السيسي، وفق تعبير الباحث محمد عباس.

 


سلسلة تضييقات

 

يأتي قرار الشبكة العربية للأبحاث والنشر بالغلق بعد قرار الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بتجميد عملها في مصر لنفس الأسباب، في 10 كانون الثاني/ يناير 2022، والتي تمثل أحدها في غلق جميع مكتبات "الكرامة" الـ6 عبر إغلاق بوليسي ودون قرار قضائي عام 2016.

ويشهد سوق النشر في مصر تضييقا أمنيا متتابعا منذ انقلاب 2013، إذ تخضع المكتبات ودور النشر لرقابة أمنية مشددة ويجري منع طباعة أية كتب لها صبغة سياسية أو ذات توجه إسلامي.

وجرى على مدار سنوات حجب الكثير من كتب التراث والتاريخ والأدب بسبب أسماء كتّابها وانتماءاتهم السياسية والدينية.

وفي كانون الأول/ ديسمبر 2016، أغلقت السلطات المصرية سلسلة مكتبات "الكرامة" ومقرها الرئيسي بمنطقة "طرة البلد" والتي تعود ملكيتها للحقوقي المصري جمال عيد، وكانت تعمل في المناطق الشعبية بالقاهرة والقليوبية والشرقية.

وتعرضت مكتبة "البلد"، بشارع محمد محمود وسط القاهرة، المملوكة لرئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران، أيضا للغلق أواخر العام 2017، بسبب ما تقدمه من لقاءات شبابية، وبدعوى عدم الترخيص لها.

وفي كانون الأول/ ديسمبر 2019، أغلقت رسميا سلسلة مكتبات "ألف" 37 فرعا بـ10 محافظات بعد عامين من تضييق النظام على عملها، إذ وضعتها لجنة التحفظ على أموال جماعة الإخوان المسلمين تحت التحفظ. 

مكتبات "ألف" التي بدأت عملها عام 2009، تعرض أيضا صاحبها الكاتب الاقتصادي عمر الشنيطي، للاعتقال في 25 حزيران/ يونيو 2019، على ذمة القضية المعروفة إعلاميا بـ"تحالف الأمل".

وفي شباط/ فبراير 2019، قضت محكمة عسكرية بحبس مؤسس دار نشر "تنمية" خالد لطفي 5 سنوات بتهمة إفشاء أسرار عسكرية، بعدما اعتقاله في نيسان/ أبريل 2018، لتوزيعه النسخة العربية من رواية إسرائيلية بعنوان "الملاك: أشرف مروان".

وفي المقابل، ذلك التضييق على النشر والمكتبات، أعلنت الخميس، مبادرة حياة كريمة التي دشنها رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي لتطوير الريف المصري، عن إقامة عشرات المكتبات بالقرى المعتمدة بالمبادرة في 20 محافظة.

 

اقرأ أيضا: إغلاق "الشبكة العربية للأبحاث" بمصر بسبب التضييق الأمني

"رسالة بليغة"


وحول دلالات انسحاب إحدى أهم دور النشر من العمل في مصر بالتزامن مع إقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب، أكد مراقبون في حديثهم لـ"عربي21"، أن القرار يؤشر على وجود أزمة كبيرة في صناعة النشر وتوزيع الكتاب في مصر.

صاحب مكتبات "الكرامة" التي أغلقها النظام عام 2016، الحقوقي المصري جمال عيد، أكد في حديث خاص بـ"عربي21"، أن "قرار الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بغلق مكتباتها في مصر يحمل رسالة بليغة وقوية عن دور النظام في الضغط على الناشرين والمكتبات".

عيد، أضاف، أن "القرار يحمل رسالة أيضا لكل من يقف إلى جوار النظام ومازال يراهن عليه أو يرتجي منه أملا في مجالات الحريات والتعليم والثقافة والنشر".

وأوضح أنهم في "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وثقوا سابقا غلق 50 مكتبة ودار نشر وملتقى ثقافيا ودار سينما خلال السنوات السابقة، لتصل بهذا للرقم 51، وذلك في مقابل بناء السجون في إهداء لكل من يدافع عن النظام".

وأكد أن "تأثير أزمة غلق المكتبات والتضييق على النشر ومنع الكُتاب من التعبير سيئ وكبير على وعي المصريين والفكر والثقافة وحرية التعبير في البلاد"، لافتا إلى أن "هذا ما نرى تأثيره واضحا في تراجع ترتيب مصر في التعليم للمركز الـ13 عربيا لتقبع بين الأسوأ عالميا".

وحول إمكانية استعادة عمل مكتباته المغلقة "الكرامة" لممارسة دورها التوعوي والتثقيفي، قال إنه "لا يمكنه مراجعة  قرار الغلق مجددا، لأنها أُغلقت بالفعل بقرار قمعي بوليسي لم يراع دورها الفكري في أوساط الشباب والمناطق الشعبية".

 

"مصدر ثقافي كبير"


من جانبه، قال الكاتب والباحث المصري خالد الزعفراني، لـ"عربي21": "أحزنني كثيرا غلق الشبكة العربية للأبحاث بالقاهرة والإسكندرية، وافتقدنا بذلك مصدرا كبيرا للثقافة، والكتب القيمة"، معربا عن أمنيته أن "يتيسر لهم الاشتراك في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2022".


ووفق رؤية الزعفراني، فإن قرار غلق المكتبتين يؤشر على وجود "أزمة كبيرة في صناعة النشر وتوزيع الكتاب في مصر"، مؤكدا أن "هناك أزمة كبيرة فعلا، تشمل نوعية الكتب والكُتاب".

وتحدث كذلك عن أزمة "الضعف الشديد في عملية تجارة الكتب وبيعها، تبعا للحالة الاقتصادية، وقلة دور النشر التي تهتم بالكتاب والثقافة الجادة"، موضحا أنه لذلك فإن "المؤشر بدأ يتجه نحو بيروت وغيرها من العواصم العربية".

"ضبط ذاتي"


أحد الكتاب المصريين الذين صدر لهم في 2021، أحد الأعمال الأدبية ويجري عرضه بمعرض القاهرة للكتاب بعد سنوات من المنع، حكى لـ"عربي21"، تجربته الشخصية مع النشر والناشرين منذ انقلاب 2013، لافتا إلى "حالة الخوف الأمني التي يعيشها الناشرون وأصحاب المكتبات".

الكاتب الذي رفض ذكر اسمه خوفا على مطبوعته بمعرض الكتاب، أكد أن "الناشر منذ ذلك التاريخ يقوم بعملية ضبط ذاتي، فالعمل لو كان يتناول حرف واحد عن ثورة يناير 2011، وما يخص الحريات، يرفض الناشر أو صاحب المكتبة ولو كانت مجموعة قصصية إبداعية".

وأوضح أن "الناشر ما عدا ذلك ينشر بدون تدخل من الدولة، ولكنه وفقا للضبط الذاتي من الناشر خوفا من عواقب ما سينشره وحرصا على استمرار عمل الدار".

 

التعليقات (0)
كاظم صابر
السبت، 22-01-2022 11:39 ص
حين تعرضت أمتنا لغزو التتار و اجتاحوا عاصمة الأمة بغداد ، في ذلك الزمان ، كان من ضمن أعمالهم الإجرامية إلقاء أعداد هائلة من كتب المكتبات المخطوطة (حيث لم تكن هنالك مطابع) في نهر دجلة مما أدى إلى اسوداد مياه النهر لأيام عديدة . كانت هذه بالفعل (حرب الأعداء على العلماء) حيث أن الاستبداد لا توجد لديه صيغة تعايش مع ذخائر الفكر و العلم و الثقافة . لم تكن أمتنا في عصورها الزاهية تعتمد القمع و الطغيان لأنها تربَت على أول كلمة نزلت في القرآن الكريم (اقرأ ) و اتبعت أوامر الله (لا إكراه في الدين) و ( و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) و (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة). و كان نتاج ذلك أعداد غفيرة في كل عصر تبحث عن النافع من الكتب لتقتنيه أو لتستعيره حتى تقرأها فتزداد معرفتها . لم يكن في أي وقت كتاب مسموح و كتاب ممنوع ، فكل الكتب مباحة بدليل أن كثيراً من الكتب كانت بداية عناوينها (الردَ على ...) أي فتح باب للنقاش بالدليل و البرهان و الحجة من أجل التوصل إلى الصواب . حين يقرأ المرء ديوان الشاعر المتنبي ، يلمس لديه سعة اطَلاع لكن التعجب يزول حين بعلم القارئ قوله (أَعَزُّ مَكانٍ في الدُنَى سَرجُ سابِحٍ ** وخَيرُ جَليسٍ في الزَمانِ كتـــابُ) . و هذا الأمر ينطبق على غيره من الشعراء مثل القائل (مَا تَطَعَّمْتُ لَذَّةَ الْعَيْشِ حَتَّى **صِرْتُ فِي وَحْدَتِي لِكُتْبِي جَلِيسَا). <br>نحن الآن ، في ظل سيطرة الاستعمار الفرعوني المستبد ، نعيش أشد عصور أمتنا هبوطاً تحت تحكم أدوات لا تفقه شيئاً في السياسة و الإدارة و هي فقط تسير سير العبيد لتنفيذ أوامر هذا الاستعمار الحاقد الذي يرى أن من مصلحته تجهيل الناس و إلهائهم بالتوافه و بالخزعبلات و بالقشور . ما عادت المدارس كمدارس أيام زمان و ما عادت الجامعات كجامعات أيام زمان و لا توجد لدينا في الوطن العربي كله أبحاث حقيقية إذا أردنا تقييم أوضاعنا بصدق و بأمانة . <br>في (حرب الأعداء العلماء) ، لا تتعجب يا أخي العربي حين ترى إبرازاً و تسليط أضواء على الدون و الأبواق و الوشاة و المنافقين و المطبلين و المأجورين و وصفهم ب( القمم الشوامخ) بينما واقعهم الفعلي أنهم (القيعان الهابطة) . لن تتقدم أمتنا حتى تعرف بالضبط من هم الأصنام البشرية عندها .