قضايا وآراء

لماذا تعتقل اسرائيل الفلسطينيين إداريا؟ هل الإضراب عن الطعام هو الحل؟

محمود الحنفي
1300x600
1300x600

سلطت إضرابات الأسرى المعتقلين إداريا عن الطعام الضوء على قضية إنسانية وحقوقية مهملة. ويستخدم الأسرى الفلسطينيون أمعاءهم، بالإضراب عن الطعام، سلاحا في مواجهة سلطات الاحتلال الذين يحتجزونهم دون توجيه تهم محددة ولشهور طويلة. وقد يكون الإضراب فرديا أو جماعيا لتحقيق مطالب جماعية، وآخر عمليات الإضراب الفردي هي حالة الأسير هشام أبو هواش الذي أضرب عن الطعام لما يزيد عن 140 يوما، والذي علق إضرابه ليخرج من السجن في الـسادس والعشرين من شهر شباط/ فبراير المقبل.

نحاول في هذا المقال الإجابة عن تساؤلات من قبيل: ما هو الاعتقال الإداري؟ وما هي شروطه القانونية، وهل تلتزم دولة الاحتلال بها؟ وما هي آخر المعطيات الخاصة بالأسرى والأسيرىات أو المحتجزين إداريا لدى سجون الاحتلال؟ ولماذا تقف الأمم المتحدة عاجزة عن مناصرة قضيتهم؟ وما هي الخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين في هذا الخصوص؟

أولا: ما هو الاعتقال الإداري؟

ثمة التزام بـ"المعايير المقبولة عالمياً" في مجال حقوق الإنسان، وهو الامتناع عن القيام بعمليات اعتقال، أو حجز تعسفي، أو ما يعبَّر عنه أحياناً بالامتناع عن الاعتقال والحجز والنفي التعسفي. ويتفرع أيضاً عن ذلك منع النفي التعسفي، أو الحدّ من الترحيل. ويلقي هذا القسم نظرة مختصرة على سجل إسرائيل في مجال الاعتقال التعسفي. وتستخدم سلطات الاحتلال الإسرئيلي نوعين من الإجراءات لزج الفلسطينيين في السّجون الإسرائيلية الأول هو الإجراء الجنائيّ والثاني هو الإجراء الإداريّ.

كثيراً ما تحتجز إسرائيل الفلسطينيين بدعوى قيامهم بأعمال ضد الأمن، وفي أغلب الأحيان يمتد الحجز إلى فترات طويلة من دون محاكمة عادلة أو من دون محاكمة على الإطلاق، وهو ما يعرف بالاعتقال الإداري

وكثيراً ما تحتجز إسرائيل الفلسطينيين بدعوى قيامهم بأعمال ضد الأمن، وفي أغلب الأحيان يمتد الحجز إلى فترات طويلة من دون محاكمة عادلة أو من دون محاكمة على الإطلاق، وهو ما يعرف بالاعتقال الإداري. وعلى الرغم من أن المحتجزين إدارياً يحق لهم رؤية محامٍ، إلا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية دائماً تجد العذر لمنع اتصال المحتجزين بمحاميهم. ولأن إسرائيل غالباً ما تنقل المحتجزين من الأراضي الفلسطينية إلى سجون داخل إسرائيل، فإنه يصبح من الصعب على المحامين وأفراد أسر المعتقلين زيارة أبنائهم؛ إذ إن إسرائيل تضع الكثير من العقبات التي تعرقل أو تمنع سفر الفلسطينيين إلى داخل الخط الأخضر. هناك جلسات لتحديد قانونية الاحتجاز، ولكن الأدلة تبقى سرية وكذلك الاتهامات في معظم الأحيان. وفي كثير من الأحيان لا يسمح للمتهم بحضور الجلسة. وفي الغالبية العظمى من الحالات تؤيد المحاكم الاحتجاز. وهناك حق بالاستئناف، لكنه نادرا ما يؤدي إلى نتيجة.

وتتعارض إجراءات الحجز الإداري مع القانون الدولي لحقوق الإنسان في كثير من النقاط. فالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 يقضي في مادته التاسعة بإعلام المتهم فوراً وبالتفصيل، بطبيعة الاتهام الموجَّه إليه وسببه. وتقضي المعاهدة في المادة الرابعة عشرة بأن تجري محاكمة المتهم من دون أي تأخير غير ضروري. ويجب أن تكون المحاكمة بوجود المتهم، كما يحق للمتهم مواجهة واستجواب شهود الادعاء. صحيح أنه يمكن منع الصحافيين والناس العاديين من حضور المحاكمات" لأسباب تتعلق بالأمن القومي في المجتمع الديموقراطي"، لكن المعاهدة لا تنص على ما يسمح باستبعاد المتهم ومحاميه أو مستشاره القانوني.

وربما كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي تنفرد عن جميع الدول المنتهكة لالتزاماتها القانونية، لجهة الاعتقال التعسفي في تقنين الممارسات اللا قانونية في هذا المجال. فإسرائيل تمارس الاعتقال اللا قانوني للمواطنين الفلسطينيين باعتبارهم وسائل مساومة أو رهائن بموجب التفسير القضائي الفاسد لقانون الاعتقال الإسرائيلي، والأوامر العسكرية الإسرائيلية السارية في الأراضي المحتلة في هذا الصدد. وتستند أوامر الاعتقال الاداري إلى الفقرتين "أ" و"ب" من المادة 87 من الأمر العسكري رقم (378) لسنة بحسب الخبراء. وتستخدم الحكومة الإسرائيلية الاعتقال الإداري كوسيلة للسيطرة السياسية منذ بداية احتلال الأرض الفلسطينية في عام 1967، واستخدمت إدارة الانتداب البريطاني هذه الوسيلة في فلسطين لأول مرة في ثلاثينيات القرن الماضي.

وتتضمن الفقرة الأولى أنه "إذا كان لقائد المنطقة - العسكرية - أسبابٌ تتعلق بأمن المنطقة أو سلامة الجمهور تستوجب حجز شخص معين معتقل، فإنه يجوز بأمر موقَّع منه أن يأمر باعتقال ذلك الشخص للمدة المذكورة في الأمر على أن لا تزيد على ستة أشهر"(1).
خلافاً لالتزاماتها بتوفير ضمانات قضائية مناسبة لاعتقال الأطفال ومحاكمتهم بموجب اتفاقية حقوق الطفل والقانون الدولي الإنساني، طبقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أوامر عسكرية عنصرية على الأطفال الفلسطينيين الأسرى، وتعاملت معهم من خلال محاكم عسكرية تفتقر إلى الحدّ الأدنى من معايير المحاكمات العادلة

وخلافاً لالتزاماتها بتوفير ضمانات قضائية مناسبة لاعتقال الأطفال ومحاكمتهم بموجب اتفاقية حقوق الطفل والقانون الدولي الإنساني، طبقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أوامر عسكرية عنصرية على الأطفال الفلسطينيين الأسرى، وتعاملت معهم من خلال محاكم عسكرية تفتقر إلى الحدّ الأدنى من معايير المحاكمات العادلة، وخصوصاً الأمر العسكري 132، الذي يسمح لسلطات الاحتلال باعتقال أطفال في سن 12 عاماً(2).

ثانيا: معطيات وأرقام عن واقع الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال:

تشير تقارير حقوقية إلى أن الممارسات الإسرائيلية تقع على جانب كبير من الخطورة، ومنها الاعتقال الإداري للأطفال، لقد فُضحت حالات عديدة من الاعتقال وسوء المعاملة الموجهة إلى أحداث لا تتجاوز أعمارهم السادسة عشرة من العمر.

وكما أشرنا سابقاً، تنفرد إسرائيل عن معظم منتهكي حقوق الإنسان في العالم بظاهرة تقنين الانتهاكات؛ فقد سمح الأمر العسكري رقم 132 الساري في الأراضي المحتلة باعتقال الأطفال الفلسطينيين ابتداءً من سن 12. ويتجاوز عدد المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال 4600 شخص، بينهم أطفال ونساء ومرضى، يتوزعون على أكثر من 28 سجناً ومعتقلاً ومركز توقيف.

ويشير تقرير للجنة أصدقاء الإنسان الدولية، ومقرها في فيينا، إلى أنه منذ احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة في حزيران/ يونيو عام 1967، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي ما يزيد على 800 ألف فلسطيني، أي ما يعادل 20 في المئة من إجمالي عدد الفلسطينيين المقيمين في فلسطين.

ويشير ذات التقرير إلى أن 99 في المائة من الأطفال الذين اعتقلوا تعرضوا للتعذيب، بأساليب مختلفة منها: وضع الكيس في الرأس والشبح والضرب، و68 في المائة وضعوا في الثلاجة، و88 في المائة تعرضوا للشبح، و92 في المائة تعرضوا للوقوف مدة طويلة، و93 في المائة تعرضوا للحرمان من النوم(3).

وأحدث التقارير الحقوقية تتحدث عن أن "عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال بلغ حتى نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2021 نحو 4600 أسير، منهم 34 أسيرة بينهن فتاة قاصر، فيما بلغ عدد المعتقلين الأطفال والقاصرين في سجون الاحتلال نحو 160 طفلاً".

خلال هذا عام 2021 أصدرت سلطات الاحتلال 1595 أمر اعتقال إداري، غالبيتها بحق أسرى سابقين أمضوا سنوات في سجون الاحتلال، حيث بلغ عدد المعتقلين الإداريين في السجون الإسرائيلية نحو 500 معتقل، فيما تواصل إسرائيل اعتقال عشرة صحفيين فلسطينيين في سجونها.

وبلغ عدد الأسرى المرضى نحو 600 أسير، من بينهم الأسير فؤاد الشوبكي (81) عاماً، وهو أكبر الأسرى سنا، فيما بلغ عدد الأسرى القدامى المعتقلين قبل توقيع اتفاقية أوسلو 25 أسيرا، أقدمهم الأسيران كريم يونس وماهر يونس المعتقلان منذ كانون الثاني/ يناير 1983 بشكل متواصل.

ثالثا: الأمم المتحدة حين تبدو عاجزة عن مساعدة المحتجزين إداريا:

بحسب شهادة خبراء أمم متحدة انتقدوا سلوك إسرائيل بهذا المجال(4)، فإنه "يمكن للجيش الإسرائيلي احتجاز المعتقلين الفلسطينيين لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد والتمديد إلى أجل غير مسمّى. وتُتاح المراجعة القضائية، لكن يتم إجراؤها أمام قاضٍ عسكري إسرائيلي، حيث لا تنطبق المعايير الدولية الدنيا للحقوق، ولا الأدلة ولا العدالة الإجرائية(5).

وأضاف الخبراء أن الأسرى "ليس لديهم سبيل للطعن في هذه المزاعم التي لم يُكشف عنها ولا يعرفون متى أو ما إذا كان سيتم الإفراج عنهم". وتُعتبر الطعون الناجحة في أوامر الاعتقال الإداري نادرة للغاية.

وقال الخبراء: "قد تبدو هذه الإجراءات بمثابة احتجاز تعسفي، وهي محظورة تماما بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي".

ولاحظ الخبراء الأمميون أن إسرائيل، بانتظام، تنتهك هذا الواجب القانوني، ودعوها إلى الامتثال بالتزماتها، ولكن دون جدوى. وقال الخبراء: "كما فعلنا مرات عديدة من قبل، ندعو إسرائيل مرة أخرى إما لتوجيه اتهام أو المحاكمة أو الإفراج عن جميع المعتقلين الإداريين".
ثمة عجز واضح لدى الأمم المتحدة يحول دون احترام قواعد القانون الدولي الإنساني لا سيما اتفاقية جنيف الثالثة والرابعة لعام 1948

وبحسب القانون الدولي، فإن الاعتقال الإداري مسموح به فقط في ظروف استثنائية، ولفترات قصيرة فقط. وقالوا: "ممارسات إسرائيل تتجاوز كل الحدود القانونية الدولية".

ثمة عجز واضح لدى الأمم المتحدة يحول دون احترام قواعد القانون الدولي الإنساني لا سيما اتفاقية جنيف الثالثة والرابعة لعام 1948، وسبق أن بحثنا في مبحث آخر أسباب عدم إعمال قواعد القانون الدولي.

رابعا: ما هي الخيارات الحقوقية والقانونية لمناصرة قضية المحتجزين إداريا:

يدعو عجز الأمم المتحدة عن مناصرة قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين إلى الأسف والحزن في آن، ولكن في نفس الوقت يعطي الانتصار الذي يحققه المضربون عن الطعام والمتجتجزون إداريا الأمل والتفاؤل بأن الحقوق تنتزع انتزاعا، كما يعطي بارقة أمل لآلاف الأسرى والأسيرات بأن الحرية ممكنة وقد تكون في متناول اليد. وحتى تأخذ هذه القضية ما تستحقه من اهتمام، فإن ثمة خيارات حقوقية وقانونية يمكن أن تمكن تساهم في نيل حريتهم:

1- أن ينتقل الاضراب من حالة فردية إلى إضراب جماعي واسع النطاق، الأمر الذي يربك الاحتلال.

2- أن يتم ترميز المعتقلين إداريا أو المضربين عن الطعام، بحيث يتحول كل واحد منهم إلى أيقونة قائمة بذاتها، يتحدث عنها العالم، من خلال منظومة ضغط إعلامية تعتمد على ما يوفره العالم الافتراضي.

3- أن تمارس منظمات حقوق الإنسان ضغوطا جماعية على الاحتلال محليا وعالميا، من خلال شبكة العلاقات الواسعة التي تمتلكها، ومن خلال حملات حقوقية مركزة.

4- أن يتم الاستفادة من تقارير الأمم المتحدة وخبرائها بهذا الخصوص، في حملة دبلوماسية يقودها اصدقاء الشعب الفلسطيني.

5- أما على المستوى القانوني، فإن الاعتقال التعسفي والتعذيب الممنهج قد يرقى إلى مستوى جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية، ويمكن اللجوء إلى محاكم ذات اختصاص عالمي، كما يمكن اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية وتقديم دعوى بهذا الخصوص، أو تدعيم الدعوى المرفوعة بمزيد من الوثائق.
__________

الهوامش:


(1) إبراهيم أبو الهيجا، السجناء الفلسطينيون رهائن النازية الجديدة، مركز باحث للدراسات، بيروت 2003، ص 112.
(2) موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
(3) راجع التقرير بالكامل على شبكة الإنترنت تحت عنوان: إنسانية متوارية: تقرير يرصد الحالة الصحية للأسرى الفلسطينيين، الأمراض الناتجة من التعذيب ونقص الرعاية الطبية، كانون الأول 2007.
(4) الخبراء هم: مايكل لينك، المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967؛ كليمان نيالتسوسي فول، المقرر الخاص المعني بالحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات؛ والفريق العامل المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي.
(5) انظر تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة.

التعليقات (0)