مقالات مختارة

ماذا يحدث في النقب؟

عبد الله السعافين
1300x600
1300x600

عياش أجانا من غربي بلعلع مع طول الدربي
غزة يابلاد الشهامة يللي ربيوا ع الكرامة
أبو عبيدة يا زلامي لا تخلي واحد ينامي.

هذه بعض الأهازيج التي رددها في الأفراح والاحتفالات الشعبية أحد أبناء النقب المحتل فنان الدحية معين الأعسم بعد معركة سيف القدس محتفياً بغزة وبصاروخ العياش طويل المدى الذي أطلقته المقاومة على إيلات.
أهمية هذه الكلمات أنها تأتي بعد حملة جارفة منذ الخمسينات للمؤسسة الصهيونية هدفت إلى أرسلة بدو النقب وسلخهم عن محيطهم وواقعهم العربي الفلسطيني وتجنيد الآلاف منهم في جيش الاحتلال للتمتع بالمزايا التي تقدمها دولة الاحتلال للمنتمين للمؤسسة العسكرية فيها. لذا لم يكن مفاجئاً اعتقال إسرائيل للزجال والتحقيق معه.

ما يحدث حالياً هو تنفيذ مشروع استيطاني ضخم تحت شعار تشجير الصحراء الذي تتخذه دولة الاحتلال ستاراً لتهجير الفلسطينيين وتجريف أراضيهم وبعثرة قراهم وبيوتهم ومن ثم طمس هويتهم. 
إن الحرب المعلنة على النقب التي ينفخ في نارها رئيس حكومة الاحتلال الحالي نفتالي بينيت هدفها تصعيد الاستيطان العنصري الصهيويني الذي يمثل فيه المستوطنون طلائع الصهيونية الراهنة. فالاستيطان هو السياق التاريخي للحركة الصهيونية والذي بدأ ويتواصل بالسيطرة على التلال وإقامة الأسوار والجدران لحماية الصهاينة المعتدين الذين سلبوا أصحاب الأرض الفلسطينيين أرضهم وحقوقهم. 


تبلغ مساحة النقب 14 ألف كيلو متر مربع أي ما يعادل 52% من مساحة فلسطين البالغة 27 ألف كيلو متر مربع. وتعتبر صحراء النقب الممر الطبيعي بين آسيا وأفريقيا ونقطة العبور الجنوبية من فلسطين بين المشرق والمغرب العربيين. 


لم يكن الجزء المحتل من فلسطين عام 1948 على أجندة اهتمام منظمة التحرير الفلسطينية منذ أن تولى ياسر عرفات قيادتها، وهو ما أورثه للحركة التي قادها وهيمن على قرارها طوال 60 عاماً. 


في المقابل كانت منطقة النقب بالذات محط أنظار الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس في وقت مبكر يعود إلى ما قبل اندلاع الانتفاضة الأولى أواخر عام 1987 بسنوات طويلة. فقد كان الشيخ دائم الترددعلى منطقة راهط وغيرها من المجتمعات البدوية المستقرة، وكان هدفه بث الفكرة الوطنية المستندة على الهوية الإسلامية للأرض وسكانها في مقابل الجهد الصهيوني الجبار المبذول في أسرلة النقب باعتباره درة التاج في المشروع الصهيوني كما عبر عن ذلك ديفيد بن غوريون بقوله: "إن لم نصمد في النقب فستسقط تل أبيب". وليس من باب الصدفة أن بن غوريون اتخذ من النقب مقراً له حيث أقام بمنزل هناك منذ عام 1953 حتى وفاته في عام 1973. كما تعتبر جامعة بن غوريون في النقب هي جامعة الأبحاث الأكثر تطوراً في "إسرائيل". 


لقد تمثلت نتائج الجهد الذي قامت به الحركة الإسلامية في الداخل متناغماً مع نشاط الشيخ أحمد ياسين التعبوي في مقاومة فلسطينيي النقب للمشروع الصهيوني سواء بتصديهم للجرافات وحملات القمع الصهيونية أو بتضامنهم مع غزة أثناء العدوان المتكرر عليها، وخاصة أثناء العدوان الأخير في أيار مايو 2021. لذا فالانتفاضة الحالية ليست طفرة بل نتاج تسلسل طبيعي في علاقة فلسطينيي النقب بالمؤسسة الصهيونية وأذرعها المختلفة وهي تضرب مشروع الأسرلةوالتجنيد لفلسطينيين النقب في الصميم كما يلاحظ الكاتب ياسين عز الدين الذي يقول: " الانتفاضة الحالية ليست حدثاً طارئاً بل تطور طبيعي لمسار بدأ منذ الانتفاضة الأولى عندما عملت الحركة الإسلامية على توعية الشباب البدوي مما أدى لتراجع كبير في نسبة التجنيد".


وفضلاً عن السياق التاريخي للمواجهة تتمثل مشكلة إسرائيل مع هبة النقب الحالية في أن هذه المنطقة تضم عدداً من أهم القواعد العسكرية والمرافق الأمنية الحساسة كما تضم مفاعل ديمونة النووي وتشرف القرى الفلسطينية فيها على شبكة الطرق التي يسلكها جيشالاحتلال. ويلاحظ خبير الشئون الصهيونية صالح النعامي أنه منذ فترة ليست قريبة يحذر أبواق الدعاية الصهيونية من أكاديميين وإعلاميين من "مخاض الفلسطنة والأسلمة" التي يمر بها الفلسطينيون من بدو النقب. إن المطلوب فلسطينياً هو إسناد المقاومة التي تتفجر في النقب باعتبارها تمثل مرحلة جديدة في الصراع ضد المحتل الصهيوني لا تبشر فقط بتعميم التوجهات النضالية في كل فلسطين الداخل بل تدفع على توحيد ساحات النضال الفلسطيني في المستقبل بشكل يفوق ما حدث في هبة سيف القدس قبل ستة أشهر. 

نقلا عن وكالة "سما" الفلسطينية

0
التعليقات (0)