كتب

تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال

كيف واجه الفلسطينيون الاحتلال؟ كتاب يؤرخ للحركة الوطنية الفلسطينية- (عربي21)
كيف واجه الفلسطينيون الاحتلال؟ كتاب يؤرخ للحركة الوطنية الفلسطينية- (عربي21)

الحركة الوطنية الفلسطينية: "المحطات الرئيسية- الدروس المستفادة"
المؤلف: عبد القادر ياسين
الناشر: إصدار خاص 2018، القاهرة


زلات عميقة هوت ولا تزال تهوي إليها أقدام القيادات السياسية، والمعنيين بالشأن العربي الفلسطيني؛ وتساؤلات عديدة، حول القضية الفلسطينية؛ دون أن يجيب عنها أحد؛ من قبيل: هل باع الفلسطينيون حق وطنهم؟ هل القضية الفلسطينية تخص الفلسطينيين وحدهم؟ هل كان الاعتراف، والتفاوض مساراً صحيحاً؟ لماذا لم تحقق القيادات الوطنية، والأنظمة العربية أي خطوات نحو حل القضية الفلسطينية؟ ولماذا لم تنجح حركة الكفاح الوطني الفلسطيني حتى الآن في تحرير فلسطين؟

في هذا الكتاب أجاب عبد القادر ياسين عن كثير من تلك التساؤلات، من خلال التأريخ  لمسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية، على مدى القرن العشرين، وإن في خطوطها العريضة، مستخدماً المنهج الذي يرى في الاقتصاد محركاً للتاريخ، قبل أن يؤثر في المجال الاجتماعي، ويرتد الإثنان على ميدان السياسة. 

بدأ المؤلف كتابة بالإهداء لأحفاده، ليخبرنا ضمناً بالفئة المستهدفة من هذا الكتاب؛ "الأجيال القادمة، زاد المستقبل"، فيقدم لهم من خلاله خبرة تعينهم على مواصلة المسيرة.

ألحق الكاتب الإهداء بمقدمة (الطبعة الثانية)، مشيراً فيها إلى أهمية دراسة التاريخ لأي إنسان عامة، وللمناضل على وجه الخصوص؛ لما يمثله التاريخ من هوية، وانتماء، ومخزناً للذاكرة الوطنية، وكنزاً من الدروس المستفادة؛ بهدف قيادة الكفاح الوطني. فمقدمة الطبعة الأولى للكتاب، التي صدرت عام 2000 عن دار الكلمة، مُلَخِصا الغاية من كتابه؛ ألا وهي تحصين الأجيال القادمة بخبرات السلف؛ حتى لا تكرر تلك الأجيال التورط في هذه الأخطاء، والخطايا، عن طريق رصد المؤلف الإخفاقات، في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية، قبل الإيجابيات.

دلف المؤلف بعدها، إلى ثلاثة مداخل، خصص المدخل الأول منها لجغرافية فلسطين، وكيف كان موقعها الجيوستراتيجي نقمة عليها، والمدخل الثاني، عن عمق فلسطين التاريخي، وارتباطها الحميم بتاريخ الوطن العربي، وحقيقة وطأة أقدام الصهيونية لأرض فلسطين، فالمدخل الثالث، الذي تناول فيه الحديث عن تضفير الأطماع الاستعمارية، في فلسطين، بعد وصول الرأسمالية الأوروبية الغربية إلى مرحلة الإمبريالية. 

"بعد صدور (تصريح بلفور)، في 2/11/1917، واحتلال القوات البريطانية فلسطين (1918)، واجتزائها من الجسم السوري، انحصر الكفاح الوطني في الإطار الفلسطيني ". عبارة استهل بها المؤلف أول فصول كتابة؛ مشيراً من خلالها، إلى تاريخ اندلاع أول شرارة لحركة الكفاح الوطني الفلسطيني، وأول مراحل ولادتها؛ موضحاً سمات هذه المرحلة، كاحتكار كبار الملاك لقيادتها، وأساليب الكفاح فيها، وتطورها، وظهور التنظيمات، والجمعيات، والوقوف على ما اقترفته قيادة هذه المرحلة من أخطاء، أدت لضعف حركة الكفاح مجيباً في ختامه على بعض الادعاءات، والأكاذيب الصهيونية، موضحاً حقيقتها. 

سرد المؤلف في الفصل الثاني، كيفية تصحيح مسار حركة الكفاح الوطني الفلسطيني، في الفترة من 1930 ـ 1939، بعد أن دخلت البرجوازية شريكاً صغيراً في قيادة هذه الحركة، مستقوية بحركتي العمال، والفلاحين، فضلاً عن برنامجها هي، الذي اعتبر الاستعمار البريطاني "أُس البلاء"، والصهيونية مجرد ذيل له، وهو أبعد ما يكون عن الحَكَم بين الحركة الوطنية والصهاينة.

وما استحدثته البورجوازية من أشكال كفاح تصادمية، واندلاع الشرارة الثورية الأولى، بظهور حركة القسام، عام 1935، وكيف اُغْتيٍلَتْ في مهدها، بعد أن زرعت بذرة الثورة المسلحة، 1936 التي امتدت لنحو ثلاث سنوات متواصلة، ركبت خلالها القيادة التقليدية الموجة، مخلفة وراءها "اللجنة العربية العليا"، التي أعطت لنفسها حق قيادة الثورة الشعبية! وبإخفاق ثورة 1936 انتهت هذه المرحلة.     

تناول الفصل الثالث الفترة من 1940 ـ 1947، مرحلة نمو الصناعة المحلية الفلسطينية؛ كنتيجة من نتائج اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939)، ما أدى لاتساع دائرة البورجوازية، وتضاعف حجم الطبقة العاملة، ومعدلات الإضرابات المطلبية العمالية، والحضور السياسي لهذه الطبقة. فظهور "الهيئة العربية العليا" التي حلت محل "اللجنة العربية العليا" تحت رعاية جامعة الدول العربية، بعد استثناء اليسار الفلسطيني من هذا الائتلاف. والأخطاء التي هوت إليها أقدام القيادة الفلسطينية، خلال أشهر مناقشة قضية فلسطين، في الأمم المتحدة والدروس المستفادة، فالوجع الأكبر نكبة 1948 حيث ألقى المؤلف أضواء كاشفة على أسباب الهزيمة العربية فيها.

انتقل الكاتب في الفصل الرابع للحديث عن أشد تعبيرات النكبة، وهي تمزق الشعب الفلسطيني، وتبعثره على أربعة أركان الأرض، ونتائج ذلك على الوضع الاجتماعي، والاقتصادي للشعب الفلسطيني، ومدى صموده، وإصراره على مواصلة النضال، ودور الأحزاب، في قيادة حركة الكفاح الوطني، التي أخذت على عاتقها مهمة حفر قبر" مشاريع التوطين "، ومدى نجاحها في ذلك، وإسهامات الشعب الفلسطيني في النضال الديمقراطي، وكذا إسهامات العمال الفلسطينيين في النضال المطلبي؛ ضد العسف الرسمي العربي، ما أدى إلى تراكم شتى النضالات الشعبية الفلسطينية، في الفترة من1949 ـ 1958 وتبلور الكيان الفلسطيني، ما منح للاقتصاد الفلسطيني الأرضية التي يقف عليها عند استعادته لعافيته.
 
حَملَ الفصل الخامس عنوان مراكمة فصحوة (1959 ـ 1964)، تناول فيه المؤلف، الحديث عن كيفية استعادة الاقتصاد الفلسطيني عافيته، وانتعاش الفئات الوسطى الفلسطينية، واكتسابها نفوذاً اقتصادياً، وتحركها لاستعادة زمام القضية الفلسطينية، تزامناً مع تحقق النهوض القومي العربي، وتشكيل ، ما أدى لظهور الفصائل، والمنظمات، والوحدات الفدائية الفلسطينية، بعد انفراط عقد الوحدة المصرية- السورية (1961)، وضعف النظام العربي، وأسباب تأسيس "منظمة التحرير الفلسطينية"، بمؤسساتها السياسية عام 1964، ومواقف الملوك والرؤساء العرب منها.

غطى الفصل السادس حال "المنسيون"، عرب 48، وهي الأقلية التي اختارت البقاء في مسقط رؤوسها،  تحدث فيه المؤلف، عن المجالات التي تجلى فيها اضطهاد إسرائيل لعرب 48، وكيف قوبل ذلك  بإصرارهم على الصمود، ما ترتب عنه ائتلاف التيارين اليساري والقومي، ضد الحكم العسكري الإسرائيلي، والأسباب التي أدت لتحول هذا الإتلاف إلى عداء، انعكس سلباً على الحركة السياسية لفلسطيني 48، والدور الذي أداه ظهور "منظمة التحرير الفلسطينية"، ومعها فصائل المقاومة من إنعاش الأمل  بتحرير فلسطين.
 
عن وضع حجر أساس عصر ظلم، لف الوطن العربي، والذي لا يزال فيه حتى يومنا هذا، وما مر به الوطن العربي من أحداث دراماتيكية، خلال الربع الأول من الستينيات، وفشل الوحدة بين الدول العربية، وهزيمة 1967، وما ترتب عنها من نتائج، جاء الفصل السابع.

ألقى المؤلف في الفصل الثامن حزمة من الأضواء على أداء "منظمة التحرير الفلسطينية" في عهد كل من الشقيري وعرفات وما كان لكل منهما من نجاحات، وإخفاقات. 

خصص الكاتب الفصل التاسع، لـ "كامب ديفيد"، وتداعياتها، في إشارة مختصرة بفصل الكتاب العاشر، إلى أهم التداعيات المبكرة لهذه المبادرة، وخروج (1982)، الذي خَطَتْ به المقاومة الفلسطينية، وقوات الحركة الوطنية اللبنانية؛ بدعم من الجيش السوري، آيات من البطولة. 

 

نحن أمام عمل موسوعي مكثف، جاء على مدى مائة وسبع وعشرين صفحة من القطع المتوسط، واعتماداً على ستة وستين مصدراً، ومرجعاً ذات ثقل، تكسو كتابنا بلحم التفاصيل، لكاتب قضى أكثر من نصف قرن، من عمره يكتب عن القضية الفلسطينية، ويؤرخ لها؛ حتى لا ننسى، أوينسى أحد حقيقة الصراع العربي ـ الإسرائيلي.

 



في الفصل الحادي عشر، عرض المؤلف بعضاً من الأسباب التي أدت لاندلاع " انتفاضة فتح 1983 "، التي نظمها قطاع من "يسار فتح "، ضد ما اعتبروه مهاودة قيادة "فتح " للمشاريع الأمريكية .

كما تحدث المؤلف في الفصل نفسه عن أسباب اندلاع انتفاضة الداخل الفلسطيني 9 ديسمبر/ كانون الأول 1987، "داخلياً كان حطب السخط الشعبي الفلسطيني يتراكم شيئاً فشيئاً "، صفحة (92 ) وقد اندلعت شرارة هذه الأنتفاضة بمقتل ثمانية من عمال قطاع غزة، بعد تسخير اقتصاد المناطق المحتلة لخدمة الإقتصاد الإسرائيلي، واستباحته سوق تلك المناطق؛ ما زاد من تشويه اقتصادها؛ مهمشين الحضور الوطني الفلسطيني.
  
اختتم ياسين فصول كتابة الإثني عشر بالحديث عن "اتفاق أوسلو"، وذرائع عقده، والتمهيد له منذ (1988)، ودوافع عرفات، والعدو للقبول به، والآثار المترتبة عليه عربياً، ودولياً، هنا دلل المؤلف على مدى بطلان هذا الاتفاق، بطلاناً مطلقاً.

خيراً فعل المؤلف حين أنهى كتابه بطرح البديل، (يفجعونك بالسؤال: "ما البديل؟" على أن الإجابة واضحة، ومتاحة؛ فأولاً، إن مجرد النطق بهذا السؤال، يعني بأن القيادة عجزت عن إيجاد بديل، وأعلنت إفلاسها. ومن عجز يُفلس، وليس عليه إلا الإسراع بالتنحي، لعل غيره يجد البديل)، صفحة (112)، موضحا رأيه قبل سردها قائلاً: "ومع ذلك، فالأمر ليس عصياً على الحل، ومن أراد التحرك في الاتجاه الصحيح كان عليه أن يبدأ من الانحياز للشعب، والتعامل مع السلطة، بمنطق (فالج لا تعالج)!"، (ص115).
  
نجح ياسين من خلال كتابه، في إنجاز مهمته، في شحذ الهمم، وتفجير الطاقات لمواصلة مسيرة النضال، والمقاومة؛ ليشكل خيطاً ناظماً، لكل الكتب التي سبق أن ألفها في هذا الشأن.
 
تنوعت فصول الكتاب، ما بين التقسيم الطولى، والموضوعي، لتلائم محتوى كل فصل، كما أن في المنهج الذي انتهجه المؤلف ما يفيد الباحثين، والمختصين في المجال السياسي.

أخيراً، فنحن أمام عمل موسوعي مكثف، جاء على مدى مائة وسبع وعشرين صفحة من القطع المتوسط، واعتماداً على ستة وستين مصدراً، ومرجعاً ذات ثقل، تكسو كتابنا بلحم التفاصيل، لكاتب قضى أكثر من نصف قرن، من عمره يكتب عن القضية الفلسطينية، ويؤرخ لها؛ حتى لا ننسى، أوينسى أحد حقيقة الصراع العربي ـ الإسرائيلي.


التعليقات (0)