أخبار ثقافية

نتفلكس والسينما الفلسطينية.. صورة رديئة للفلسطيني (3/3)

نتفلكس - جيتي
نتفلكس - جيتي

قاربت السينما الفلسطينية قضيتها الوطنية مقاربات متباينة، وسعت في مجموعها إلى نقل المأساة الفلسطينية من جوانبها المختلفة إلى العالم، واستمدّ مخرجوها هويتهم السينمائية من عمق قضيتهم، وبمقدار ما كانوا مخلصين لها، وأمينين في حمل رسالتها، كانت أفلامهم تتميّز في مخاطبتها للضمير الإنساني، وتتفرّد في تعبيرها الفني عن قضية لا نظير لها في تعقيداتها التاريخية والسياسية والجغرافية.

إلا أن بعض نماذج السينما الفلسطينية اختطت طريقاً مغايرة في سبيل الوصول إلى العالمية، وراحت تطرح رؤية للقضية الفلسطينية تجردها من جوهرها، وتقدمها بوصفها دوّامة عبثية من العنف وضده، يتساوى في خضمّها المحتلّ بالمحتلّ، ولا مخرج منها إلا بتعايش الطرفين فوراً، وفي حدود الأمر الواقع، ومن غير تغيير الحالة الراهنة، وتصحيح الخطأ التاريخي، واعتراف المعتدي بعدوانه، ومحو آثاره.

 

اقرأ أيضا: نتفلكس والسينما الفلسطينية.. معايير الاختيار (1-3)

اقرأ أيضا: نتفلكس والسينما الفلسطينية.. الرواية على عهدة الراوي (2من3)


سينما متقنة بمضمون خطير


يطرح فيلم "الجنة الآن" للمخرج هاني أبو أسعد، 2005، صورة الإسرائيلي كما تبدو في ذهن الفلسطيني بوصفه محتلاً وعدواً مسؤولاً عن معاناة الفلسطيني، ومن خلال هذه الزاوية الموضوعية الخارجية يعالج الفليم جدلية العنف والسلمية تجاه المحتل بوصفها سؤالاً وأزمة داخلية فلسطينية، ويعفي مخرج الفيلم نفسه من التورط في الانحياز إلى جانب الحق الفلسطيني.

العدو الإسرائيلي غائب من حيث الممارسات العُنفية، ولا يظهر الجندي الإسرائيلي إلا في ثلاث لقطات سريعة، يبدو فيها بعيداً وساكناً ومتمترساً خلف حواجز التفتيش أو جالساً مرتاحاً في حافلة النقل. وفي المقابل تظهر شخصية الفلسطيني مجبولة على العنف؛ فهو عصبي شديد الانفعال، وغير عقلاني، ومتوتر، ولا يحترم نظام العمل، ويميل إلى العنف في ألفاظه وسلوكه اليومي.


يحمّل الفلسطيني عدوه الإسرائيلي المسؤولية عن ضيق أفق حياته ويأسه من إمكانية العيش بكرامة تحت الاحتلال، ولكنّ الفيلم ينقل وجهة النظر الفلسطينية من دون أن يتبناها رؤية ورسالة، بل إنه يجرد الفلسطيني من حقه في تبرير العنف الذي يتخذه  خياراً لمقاومة الاحتلال.

يقلب الفيلم خيار العنف تجاه المحتل إلى الفلسطيني نفسه، كمن ترتد سهامه إلى نحره. أما المحتل فيظهر في صورة المسالم الضعيف برغم حواجز التفتيش التي يقطع بها الشوارع الرئيسية، والأسلاك الشائكة التي ينشرها على طول الحدود، ويضعه تحت رحمة الفلسطيني وصراعه النفسي والأخلاقي بين رغبة الانتقام بأن يفجّر حزامه الناسف في الباص الذي يحمل إسرائيلين غافلين، بعضهم جنود، وبعضهم الآخر مدنيين، وبين أن يغلّب عقلانيته بأن يتبنّى الطرق السلمية في مقاومة الاحتلال. وفي كلتا الحالتين تظل دولة الاحتلال طرفاً سلبياً، وليس فاعلاً في الصراع.

في فيلمه الآخر "عمر" 2013 يعلن هاني أبو أسعد بوضوح أكبر عن رؤيته المضادة لخيار المقاومة العنيفة، وينشئ من خلال سيناريو هوليودي بوليسي صراعاً عنيفاً بين إرادة فعل المقاوم الفلسطيني وردّة فعل المحتل الإسرائيلي. ويمرر رسالة مفادها أنّ خاتمة المقاوم تنحصر بين أن يمسي قتيلاً أو عميلاً.

ويقدم الفيلم دولة الاحتلال بصورة الضعيفة أمنياً الرهيبة بوليسياً، ويبرئها من وزر المبادرة إلى العنف مقابل إعطائها سيطرة مطلقة في ردة الفعل البوليسية نحو الفلسطيني الذي يبادئها بالعنف.
ويتساهل السيناريو على الطريقة الهوليودية في توفير الظروف لإنجاح العملية العسكرية التي تهدف إلى قتل جندي إسرائيلي، ليبرر ردة الفعل الرهيبة التي تصدر عن جهاز الأمن الإسرائيلي نحو الشبان الثلاثة الذين خططوا للعملية ونفذوها.

ولا تقف قدرة جهاز الأمن الإسرائيلي عند التنكيل الجسدي بالمقاومين، بل تتجاوزها إلى التنكيل النفسي بهم، وكسر إرداتهم، وتحويل المقاومين منهم إلى عملاء، والقدرة على اختراق بنية التنظيمات المقاومة، ونقل الصراع إلى داخلها، وتوظيف أعضائها ضد بعضهم، واصطياد رؤوسهم.

ولا ينجح المشهد الأخير في الفيلم في إعادة التوازن المنطقي للسيناريو، بل يزيده انحيازاً إلى الرؤية المضادة للمقاومة حين يقتل الشاب الفلسطيني الضابط الإسرائيلي بمسدسه في مشهد يصورعبثية المقاومة، ويفرغها من مضمونها الوطني، ويحول فعلها إلى انتقام شخصي بين رجلين على طريقة أفلام عصابات المافيا.

تقرّ سينما هاني أبو أسعد بفكرة العنف والعنف المضاد، عملاً بالمبدأ الفيزيائي، لكنها تقلب الأدوار بين الفعل وردة الفعل، فالمحتل يلجأ إلى العنف الوحشي رداً على العنف الموجّه إليه من الفلسطيني.

ويبدو عنف الفلسطيني ميسّر الطريق في الفيلم الأول لأنه ذو طابع عشوائي إرهابي، نابع من غريزة الانتقام، والقتل لأجل القتل. ويوحي عنوان الفيلم بخواء دافع الفلسطيني إلى العنف من المضمون الوطني، واقتصاره على المضمون الغيبي المؤسس على قناعات دينية متطرفة.

لا يربط الفيلمان ربطاً سببياً واضحاً بين خيارات العنف الفلسطيني وسياسات المحتل وممارساته، فيبدو العنف الفلسطيني نابعاً من كراهية الفلسطيني للآخر؛ فعنفه لا يتميّز عن العنف الداعشي الذي يقسم العالم إلى فسطاطين، ولا يميز بين الآخر المعتدي والآخر المسالم.

يربط الفيلم الأول عنف الفلسطيني برغبته في الانتقام لأبيه الذي لم يقتله المحتل، وإنما قتله الفلسطينيون بتهمة العمالة للمحتل. ومثل هذا الربط غير المباشر بين عنف الفلسطيني والمحتل من شأنه أن ينزع جزءاً كبيراً من مشروعية المقاومة. أما الفلسطيني الآخر في الفيلم فتظهر أسبابه للعنف غير مبررة إلا بالتضليل الواقع عليه من قيادات الفصائل المسلحة، وبرغم الثقته الكبيرة التي يبديها عند التحضير للعملية الاستشهادية، إلا أن الخوف والتردد يغلبانه عند التنفيذ فينسحب، ويحاول ثني رفيقه عن المضي قدماً في العملية.

بنية أفلام هاني أبو أسعد هي بنية أفلام الحركة والتشويق الأمريكية، وهو يمسك إيقاع التصوير بإحكام، ويحرك الكاميرا بسرعة ومهارة، ويختار مواقع التصوير بذكاء، ويسيطر على الفضاء المكاني سيطرة يحسد عليها. إلا أنه يضع القضية الفلسطينية في سياق بعيد عنها، ويحولها إلى مادة خام لاستلال مآزق وصراعات فردية، ويحول العنف المرتبط بقضية وطنية إلى عنف مجرد قابل للتأويل والتضليل.

التعليقات (1)
نسيت إسمي
الخميس، 09-12-2021 09:27 م
1 ـ (صورة و قصتها) بعيون فلسطنية إطلاق كتاب " صورة و قصتها " للمصور الصحفي المقدسي محفوظ أبو ترك . " ركز على الهدف و ليس العقبات " 2 ـ (قضايا السينما العربية) كتاب يسرد واقع السينما الجديدة ثمة مخرجون عرب قدموا أعمالاً تدغدغ الذوق الغربي، وتضرب على وتره الحساس على حساب الذات . يعالج مجموعة من المؤلفين والنقاد في كتاب “قضايا السينما العربية” الصادر عن “مجلة العربي” في 256 صفحة من القطع المتوسط، أهم إنتاجات السينما العربية خلال أكثر من ربع قرن، وذلك بالتركيز على أعلامها وأبرز مبدعيها في البلدان العربية. ويتناول نديم جرجورة أزمة السينما العربية بقراءة نقدية، يؤكد فيها أنه لا يمكن الكتابة عن أزمة السينما العربية في تسعينات القرن العشرين دون التوقف عند ما تعانيه السينما المصرية من جهة المآزق الإبداعية والفنية، ويرى أن الأعمال السينمائية العربية التي اخترقت الحاجز الغربي لم تتنازل كلها عن التزام أصحابها بقضايا الفرد والجماعة قوميا وإنسانيا، عربيا أو عالميا. في المقابل ثمة مخرجون عرب أدركوا “سر” اللعبة الدولية وتهافتوا على “الأمجاد” الأوروبية، فقدموا أعمالا تدغدغ الذوق الغربي، وتضرب على وتره الحساس على حساب الذات. ويتناول أحمد رأفت بهجت الفانتازيا في السينما العربية، ويعتبرها ظاهرة جديدة في السينما العربية وهي تتسع يوما بعد آخر، ومن أبرز أفلام الفانتازيا “قاهر الزمن” لكمال الشيخ الذي جعل من هذا الفيلم فيلما علميا خياليا، يؤكد حميمية العلاقة بين الدين الإسلامي والعلوم. ويأتي صلاح أبوسيف ليحوّل الواقع إلى فانتازيا فكرية في فيلمه “البداية”، كما يأتي يوسف شاهين ليجعل من سيرته الذاتية فانتازيا تسبح في التاريخ القديم والمعاصر في فيلمه “إسكندرية كمان وكمان”، ويأتي مخرجون آخرون بأفلام أخرى في هذا النوع ومنهم: رأفت الميهي، ومدحت السباعي، ومحمد شبل، ومحمد حسيب، وعلاء محجوب وسعيد حامد. ويكتب نديم جرجورة حول البدايات السينمائية لـ”الربيع العربي.. أسئلة الراهن والعودة” بالقول “سينمائيون عديدون شاركوا في التظاهرات، صوروا اللحظات، كتبوا وحثوا على المشاركة في الحراك، قالوا ودافعوا وناضلوا، بعضهم قرر انتظار لحظة مقبلة لتحقيق فيلم روائي طويل، بعضهم الآخر حقق فيلما أو أكثر، في تونس ومصر كما في الجزائر وغيرها من دول المنطقة العربية”. وتابع “أفلام روائية قصيرة بدت أكثر حضورا وأقدر على مواكبة اللحظة، عشرة مخرجين التقوا بعفوية كعفوية الحراك الشعبي نفسه لإنجاز عشرة أفلام روائية قصيرة، بعنوان واحد (18 يوم) نسبة إلى عدد الأيام الفاصلة بين بداية ثورة الخامس والعشرين من يناير وتنحي الرئيس حسني مبارك”. أما فؤاد التهامي فكتب عن تطور الفيلم التسجيلي العربي وتناوله للقضايا الاجتماعية، ففي العام 1971 قدمت المخرجة عطيات الأبنودي فيلم “حصان الطين”، وفي العام 1973 أبدع عمر أميرلاي الفيلم التسجيلي الاجتماعي “الحياة اليومية في قرية سورية”، وفي عام 1978 قدم المخرج سمير ذكري “المرأة في سوريا”، وأخرجت أمل حنا فيلم “المرأة”. وفي عام 1975 أخرج خيري بشارة فيلم “طبيب في الأرياف” وهو من الأفلام الاجتماعية الرائدة، كما أخرج داود عبدالسيد الفيلم الاجتماعي “وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم”. ويتناول صبحي حليمة السينما التسجيلية اللبنانية، مشيرا إلى أن الحرب الأهلية اللبنانية وما حصل إثرها من دمار وتشريد وموت وفجائع إنسانية مؤلمة، تعتبر مناخا ملائما لنشاط السينما التسجيلية التي تعبر عن الواقع بالواقعذاته، من حيث توفر المادة الواقعية المفعمة بالإثارة والمطلوبة من جمهور المشاهدين. وأول إنتاجات الحرب كان فيلم “لبنان في الدوامة” عام 1975 للصحفية المجتهدة جوسلين صعب بالاشتراك مع المخرج السويدي يورغ ستوكلن، والذي اعتمد فيه الثنائي أسلوب الصحافة: الريبورتاج، التعليق، المقابلة، الصور الثقافية، لرصد لبنان قبل الحرب من صالونات وبذخ، ثم لبنان الدمار من خلال البيوت المهدمة والموت الذي اجتاح كل الأرجاء. وكتب أحمد بليه عن مرور السينما الجزائرية بعد الاستقلال بمرحلتين مهمتين من حيث التطور الأيديولوجي لأصحابها، فقد كانت المرحلة الأولى تأسيسية لهذا النوع من الفنون، وكان السينمائيون يتخبطون في إشكالية تحديد هويتهم بالنسبة للآخر الذي يمثله الغرب. وفي المرحلة الثانية وبالتحديد خلال ثمانينات القرن العشرين، تحدث القطيعة بين السينمائي وهويته نتيجة للانتكاسات التي ما فتئت تنخر أمجاد الأمة في عصرها الحديث، وتحدث الردة ويتحول السينمائي من حامل لآلام وآمال المجتمع إلى سينمائي فقط، وتغدو بذلك الصناعة الفيلمية الهدف الأسمى لكل عامل في هذا الحقل من الفنون، إلى درجة الاستسلام للطموحات الفردية بمعزل عن سيرورة الواقع والتاريخ. وبالإضافة إلى ما تمّ ذكره تناول المؤلفون موضوعات أخرى كالسينما المصرية والأردنية والسورية والتونسية والمغربية، والمرأة والهامشيين في السينما العربية، إضافة إلى الفيلم الوثائقي العربي. 3 ـ (غيت آوت أفضل سينايوا فيلم2021) واشنطن : اختار كتاب السيناريو الأميركيون فيلم “غيت آوت” أفضل سيناريو لفيلم سينمائي في القرن الحادي والعشرين، على الأقل حتى الآن. وانتخب أعضاء نقابة كتاب السيناريو الأميركيين فيلم الإثارة هذا من العام 2017 الذي أخرجه جوردان بيل كأفضل سيناريو على مدار الأعوام الـ21 الأخيرة، وتصدّر مجموعة مختارة تضم أكثر من مئة عمل. واحتل فيلم “إيترنل سانشاين أند ذي سبوتلس مايند” من بطولة جيم كاري وكايت وينسلت المركز الثاني، متقدما على “ذي سوشل نيتوورك” الذي يتناول تأسيس “فيسبوك” وعلى الفيلم الكوري الجنوبي “باراسايت” الحائز جائزة الأوسكار عام 2020. ولاحظت نقابة كتّاب السيناريو عبر موقعها على الإنترنت أن “مفهوم الكتابة للشاشة الكبيرة يمر بأزمة وجودية” .