مقالات مختارة

عن اللاءات السلطوية

عمرو حمزاوي
1300x600
1300x600

توصف الحكومات بالسلطوية حين لا تقر للشعوب الحق في اختيارها بحرية وتغييرها بحرية من خلال انتخابات دورية ونزيهة، وحين تمنع التداول الحر للمعلومات وتمتنع هي عن التزام الشفافية في إدارتها للشأن العام، وحين تتنصل من احترام حقوق وحريات المواطن الشخصية والمدنية والسياسية مثل حرية الاعتقاد وحرية التعبير عن الرأي وحرية التنظيم وتساومه على حقوقه الاقتصادية والاجتماعية وحقه في الأمن.


تتعامل الحكومات السلطوية مع القانون كأداة لفرض سيطرتها على المجتمع، وللإمساك بالمؤسسات العامة والهيمنة على المؤسسات الخاصة، ولإخضاع المواطن وحمله على الابتعاد عن المطالبة السلمية بحقوقه وحرياته، ولإنزال العقاب بمن يمتنعون عن تقديم فروض الولاء والطاعة.


لا للفضاء العام الحر، لا للإعلام الحر، لا للأحزاب السياسية التي تسعى للتداول الحر والسلمي للسلطة، لا للمجتمع المدني الذي يراقب ويسأل ويحاسب الحكام، لا للحريات الدينية والفكرية والثقافية والأكاديمية، لا للحرية الشخصية؛ تلك هي لاءات الحكومات السلطوية التي تتكرر عبر المكان والزمان لتضع في خانة واحدة إسبانيا بين ثلاثينيات وسبعينيات القرن العشرين، والبرازيل في ستينياته وسبعينياته، وروسيا منذ تمكن فلاديمير بوتين من مؤسسات وأجهزة الدولة بها، والمجر التي تدفعها اليوم حكومة منتخبة ديمقراطيا بعيدا عن الديمقراطية والليبرالية، والمملكة العربية السعودية منذ نشأتها في الربع الأول من القرن العشرين، ومصر منذ إعلان الجمهورية في 1952.


تتشابه الحكومات السلطوية في إهدارها لقيمتي حكم القانون الأساسيتين. القيمة الأولى هي قيمة العدل المستندة إلى موضوعية القواعد القانونية وشفافية إجراءات التقاضي وضمانات حقوق الإنسان والحريات، والقيمة الثانية هي قيمة المساواة المستندة إلى الامتناع عن التمييز بين المواطنين والإقدام على محاسبة المؤسسات العامة والخاصة حين تتورط في ممارسات تمييزية. وعلى الرغم من القواسم المشتركة بينهم.


إلا أن السلطويين ليسوا دائما على حال واحد فيما يتعلق بتفاصيل وطرق تعاطيهم مع السلطات العامة من المؤسسات القضائية إلى توظيف أداة التشريع التي تقوم عليها البرلمانات (أي إصدار القوانين الجديدة وتمرير التعديلات على القوانين القائمة) لإدارة شئون الدولة والمجتمع والمواطن. السلطويون ليسوا أيضا على حال واحد فيما يخص حدود الالتزام بتنسيب قراراتهم وسياساتهم إلى «القوانين واللوائح المعمول بها» وحرصهم على اصطناع صورة الحكم المحترم لسيادة القانون.

 

فنجد أن قليلا من الحكومات السلطوية المعاصرة لا ينكر عداءه الصريح لوجود مؤسسات قضائية مستقلة، ولا يتوقف عن التغول على المحاكم والتدخل في أعمالها بطرق شتى. قليل منها يضرب عرض الحائط بالقوانين واللوائح، ويمعن في ممارسة القمع باتجاه المواطن والضبط باتجاه المجتمع والإخضاع باتجاه المؤسسات القضائية والمؤسسات التشريعية، معتمدا فقط على المتاح له من أدوات القوة الجبرية والعنف الرسمي. فقط القليل من الحكومات السلطوية هو الذي لا يسعى للتجمل بإبعاد شكلي للمكون الأمني عن واجهة الحكم، فالأغلبية تريد للمكون الأمني أن يدير شؤون الدول والمجتمعات من وراء ستار. فقط القليل من الحكومات السلطوية هو الذي لا يعنيه تزييف وعي الناس بالترويج لكون حكم الفرد ليس حكما للفرد والحزب الحاكم ليس حزبا حاكما واحدا والانتخابات الرئاسية والبرلمانية معلومة النتائج سلفا ليست سوى انتخابات جادة تترجم الإرادة الشعبية بحرية ونزاهة. فقط القليل من الحكومات السلطوية هو الذي لا يخجل من أن يعلن على الناس أن الحكم هو حكم الفرد أو حكم الحزب الواحد وأن صناديق الاقتراع لا أهمية لها وأن دون ذلك ستسقط الدول وتدمر المجتمعات وينهار الأمن ويذهب إلى غير رجعة الاستقرار.


وإن كان هذا هو حال القليل من الحكومات السلطوية في التعاطي مع المؤسسات القضائية والتشريعية ومع الرأي العام، فأين يقف، إذا،العدد الأكبر من سلطويي القرن الحادي والعشرين؟
تصر أغلبية السلطويين المعاصرين على أن حكوماتهم تحترم سيادة القانون، وتعلن على رءوس الأشهاد امتناعها عن التدخل في أعمال المؤسسات القضائية والمحاكم بمختلف أنواعها ودرجاتها وابتعادها عن السيطرة على المؤسسات التشريعية. تشدد أيضا على أن القضاء المستقل يمثل فرض ضرورة لتحقيق استقرار الدولة والمجتمع شأنه شأن البرلمان المستقل، ولا تمانع أن يتم النص دستوريا على استقلال المؤسسات القضائية وحياد القضاة واستقلالية البرلمانات وإرساء مبادئ الفصل والتوازن بين السلطات الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية. غير أن تواتر إعلانات النوايا الحكومية الحميدة وحضور الضمانات الدستورية القاطعة لا يحولان دون السعي المستمر للسلطويين المعاصرين إلى استتباع القضاء وإخضاعه إلى أهوائهم، تماما مثلما يضغطون على المؤسسات التشريعية لتقزيمها إلى برلمانات دورها الوحيد هو تمرير مشروعات القوانين التي تطرحها الحكومات والموافقة على قرارات وسياسات الحكام دون إعمال جاد ومستقل للأدوات الرقابية.


لا يريد العدد الأكبر من أولئك السلطويين في القرن الحادي والعشرين أن يبدو كمن ينتهك القوانين وهو يقمع ويتعقب ويضبط ويخضع أو أن يظهر العداء الصريح للمؤسسات القضائية المستقلة وهو يستتبع القضاء والقضاة أو أن يمتهن البرلمانات وهي تمرر القوانين المقيدة للحريات. باستثناءات قليلة، يهدر سلطويو القرن الحادي والعشرين القيم الأساسية لحكم القانون وهم يدعون أنهم يحترمون سيادته، ويقضون على معاني العدل والمساواة في إدارة شئون الدولة والمجتمع بإجبار البرلمانات على تمرير قوانين وتعديلات قانونية ظالمة وتمييزية.


يقمع الإعلام الحر في روسيا ويراقب المجتمع المدني أمنيا بالقوانين واللوائح. وفى المجر، تنزع شرعية الوجود عن منظمات حقوق الإنسان ويتعقب من يعمل بالقوانين واللوائح، وفي روسيا البيضاء، يعزل الرئيس لوكاشينكو أساتذة الجامعات وموظفي العموم وفقا للأهواء السياسية لأن القوانين واللوائح تمكنه من ذلك. وفي بلاد العرب، بحور متلاطمة من الأفعال السلطوية لحكام وحكومات لا يعنيهم غير إخضاع المواطن وضبط المجتمع والسيطرة على الفضاء العام.

 

(عن صحيفة القدس العربي)

2
التعليقات (2)
احمد
الخميس، 02-12-2021 06:14 ص
خذ حبوب الشجاعة و قل لاء واحدة للسيس و لا داعي لفلسفة جوفاء لا تصيب هدفا
الجمجومي
الأربعاء، 01-12-2021 11:29 م
لا يسعني الا ان اعيد تعليق الاخ الكاتب المقدام, الدي سيظل ساري المفعول في حق هذا الليبرالي المنافق: عمرو حمزاوي الذي يحذرنا في مقالته من الاستقطاب المذموم، هو نفسه الذي انضم ودعم حركة تمرد، التي أنشأتها المخابرات ومولها المتصهين بن زايد، وجندت عملاء مأجورين لدعم الانقلاب على أول حكومة مدنية منتخبة ديمقراطياُ في تاريخ مصر، والذي أدى إلى أكبر استقطاب سياسي في تاريخها الحديث، حيث قام الانقلابين وداعموهم بتقسيم مصر إلى شعبين كقول منشدهم "انتم شعب واحنا شعب، لنا رب ولكم رب"، ولكن العلمانيون المتطرفون العرب من جوقة كاتب المقال يفترضون في القراء السذاجة، فلا يكلون ولا يملون من تكرار ذات الأكاذيب والافتراءات، بأن عروبتنا وإسلامنا هي سبب تخلفنا وأصل كل فرقتنا ومصائبنا، وتحويلنا وفقاُ لقوله إلى "منطقة مجزأة ومبعثرة"، فالكاتب يتهم العرب زوراً وبهتاناُ بأنهم السبب الرئيسي للاستقطاب في العالم، فهو يقول بأن: "الاستقطاب ظاهرة عالمية، ويمكن القول إنه ليس في العالم منذ العام 2011 منطقة كالعالم العربي"، فالكاتب يضلل قراءه بإخفائه عمداُ، للاستقطاب الحالي الذي يرقى إلى مرتبة جرائم الإبادة العليا ضد الإنسانية في الصين الشيوعية ضد الإيجور المسلمين، وفي الهند الهندوسية المتطرفة ضد مسلمي كشمير، وجرائم البوذيون في بورما ميانمار ضد الروهينجا المسلمين، ولكن يبدوا أن الجرائم الجماعية ضد المسلمين يراها الكاتب مباحة ولا تستحق الذكر، لأن الاستقطاب والإرهاب في عقيدة أمثاله يقتصر على المسلمين المقاومين لغزو بلادهم وتدمير مدنهم وانتهاك حرماتهم، والكاتب لا يرى بأن قتل القوات الأميركية لمئات الآلاف من المدنيين في افغانستان والعراق، وتسليحهم لجماعات ضد أخرى، استقطاباً مذموماً يستحق الإدانة، كم أنه يتجاهل عمداً ذكر الاستقطاب في أوروبا كما في قمع مدريد للثورة في كتالونية، وفوران المناداة بالاستقلال عن المملكة المتحدة في اسكتلندا وايرلندا التي يغديها الصراع المسيحي الكاثوليكي البروتستانتي، فضلاً عن تجاهل جرائم الأرثوذوكس والكاثوليك في البوسنة والهرسك، كما أنه يزور في وقائع الثورة السورية في كونها ثورة شعبية ضد نظام حكم استبدادي مجرم استخدم الإبادة الجماعية ضد السوريون بدعم عسكري مباشر من روسيا وإيران، ويتهم الثوار زوراُ بكونهم طائفيون، كما أن وفداُ من زملاء الكاتب من السياسيين والفنانين المصريين قد زار سوريا بدعم من نظام السيسي الانقلابي لإبداء إعجابهم وتأييدهم للمجرم الطائفي بشار المتسربل كذباً بثوب العلمانية الإجرامي، فكفاكم استخفافاُ بالقراء، وستذهب ادعاءاتكم وتلفيقاتكم إلى مزبلة التاريخ.