قضايا وآراء

ما تكلفة الذبح على الهوية؟!

عدنان حميدان
1300x600
1300x600
من حقي أن أتساءل عن قيمة الفاتورة المعنوية والمادية والتاريخية التي تدفعها الأمة مع استمرار الذبح على الهوية! وقد رأينا ما جرى ويجري في العراق على سبيل المثال، ونحن نتحدث عن تقسيم طائفي غير مسبوق تعيشه أمتنا في هذه الأيام.

إن من أبرز ما عمّت به البلوى الطائفية مسألة تداول مقاطع فيديو تظهر متحدثين باسم طوائف أو مذاهب معينة يتكلمون بشكل عنصري غبي في كثير من الأحيان، وتنتشر بين الناس انتشار النار في الهشيم سخرية وتسلية.

وما يغيب عن أذهان مروجي تلك المقاطع أن بعضها مكذوب ومختلق، وكثيرا منها يمثل حالات فردية أو محدودة وهذا - بالمناسبة - أمر موجود في كل التيارات والطوائف والمذاهب؛ حيث تجد من يرتدي ملابس توحي بمكانة دينية ثم يتكلم بهرطقات فردية لا سند لها، ويتلقفها أعداؤه على الفور بشوق وكأنهم وجدوا غنيمة، فيسارعون لنشرها وترويجها، فتنتشر أكثر مما كان يأمل صاحبها.
ما يغيب عن أذهان مروجي تلك المقاطع أن بعضها مكذوب ومختلق، وكثيرا منها يمثل حالات فردية أو محدودة وهذا - بالمناسبة - أمر موجود في كل التيارات والطوائف والمذاه

جرّب أن تكتب عبر محركات البحث "فضائح" أو "أسرار" أو ما شابه من عبارات، ثم تكتب اسم من تتبنى أيديولوجيته من فكر أو مذهب أو حتى تيار سياسي؛ وستجد العجب من إساءات وتشويه لعقيدتك!

السؤال الأخطر: كيف ستكون ردة فعلك؟.. أغلب الظن أن يتبادر لذهنك على الفور: أي هراء هذا؟ هؤلاء حاقدون؟ وستزداد قناعة بما تحمل وإيماناً بحجم المؤامرة على فكرك. بمعنى أن مثل تلك المقاطع مهما كانت قوية ضد تيار أو مذهب، فلن تثني أتباعه عنه بل ستزيدهم تمسكا به.

ولو كان هذا المنهج أجدى لما كان التوجيه القرآني بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة؛ بل لكان بالفضيحة وبيان السوء وتشويه المعتقد.

أكتب هذا وقد شاركت قبل أيام في اجتماع تحضيري لإطلاق جبهة فكرية ضد التعصب الطائفي؛ حيث تداعى عدد من المثقفين إلى إنشاء تجمع "متحدون ضد التعصب الطائفي"، وهو تجمع ثقافي مستقل، يهدف للتوعية بخطورة المفاهيم والأفكار والاتجاهات الداعمة للتعصب الطائفي والعنصري، ولتكوين إطار للتعاون في ترسيخ التفاهم بين أبناء الوطن الواحد والمنطقة الواحدة وفي السياق الإنساني العام، وإرساء قواعد العيش المشترك، ومناهضة كل أشكال التعصب الطائفي والعنصري البغيض والمدان، بهدف إقامة تحالف ثقافي عريض وفاعل حتى ينعم الجميع بالأمن والسلام والاحترام المتبادل والعدالة القانونية.
نحتاج وقفة جادة حقيقية ضد عوامل التفرقة فيما بيننا وعلى رأسها الطائفية والعنصرية، خصوصا وقد تكالبت علينا الأمم ودهمتنا الأخطار من كل حدب وصوب

وأعتقد أن هذه الفكرة باتت ضرورة وقتية وفريضة شرعية في ظل حاجة الأمة للبحث عن نقاط اتفاق بعد أن فتكت بها عوامل الافتراق. ومن نافلة القول أن نؤكد عدم قدرة ولا صوابية فكرة إبادة طرف للآخر أو تطهير البلاد عرقيا من فئة معينة من الناس، ويسعنا في التعامل مع بعضنا ما وسع آباءنا وأجدادنا على مر قرون من الزمن، ومن تورط بدم أو مخالفة قانون فدورنا جميعا المساهمة بتوفير وتمكين القضاء العادل ليأخذ مجراه بحقه عبر مؤسسات الدولة، التي يعتبر إصلاحها أساسا جوهريا لتحقيق هذا الهدف. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأن نضيء شمعة خير من أن نلعن الظلام.

نحتاج وقفة جادة حقيقية ضد عوامل التفرقة فيما بيننا وعلى رأسها الطائفية والعنصرية، خصوصا وقد تكالبت علينا الأمم ودهمتنا الأخطار من كل حدب وصوب.. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
التعليقات (1)
كاظم صابر
الأربعاء، 24-11-2021 03:42 م
مقال رائع ، بلا شك ، لتناوله موضوعاً في غاية الأهمية . سؤال عنوان المقال " ما تكلفة الذبح على الهوية ؟ " له أجوبة قد تأتي من عاقل أو قد تأتي من جاهل أو قد تأتي من متفلسف . أما العاقل فسيكون جوابه أن قتل البشر لبعضهم البعض لا يجوز لأنه عملية تردي بفاعليها إلى ما دون درك حيوانات الغابة ، فالحيوانات قد يوجد لها تبرير أنها تريد سدَ حاجة أساسية " الغذاء من أجل البقاء" أما البشر فلا تنتشر بينهم ظاهرة " أكل الجثث البشرية" . إن كان العاقل لديه معرفة دينية ، فسيكون جوابه استدلالاً بنصوص دينية على فظاعة جريمة القتل منها الآية الكريمة (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا( التي تعطي للقاتل 5 عقوبات أخروية " جهنم ، الخلود في جهنم ، غضب الله ، لعنة الله ، العذاب العظيم " أو قد يكون بحديث نبوي صحيح قال فيه صلى الله عليه و سلَم ) لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ، ما لم يصب دما حراما (و معناه أن الأمل بعفو الله و مغفرته موجود للمؤمن إلا إذا تورط في قتل إنسان بغير حق أي أن تكلفة القتل أو الذبح للقاتل أو الذابح ستكون باهظة جداً في الآخرة أي منذ مفارقة الحياة و هي عملياً خسران أبدي لحياة أخروية أبدية لا يمكن لعاقل أن يتقبلها لنفسه. الجاهل عدو لنفسه قبل أن يكون عدواً لغيره ، و الجهلة عرضة للامتطاء من أشرار الخلق بسهولة بالغة . أشرار الخلق يعتبرون هذه الدنيا أكبر همهم و هي مبلغ علمهم و قد وصفهم الله تعالى بالانحطاط المعرفي و الشك و العمى فيما يتعلق بالحياة الأخرى ( بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون). أشرار الخلق حريصون على نشر الجهل بين فئات من البشر لكي يستغلوهم كمرتزقة أو كمليشيات للقتل أو كعصابات ، و في حالة أمتنا ستكون الأداة لتجنيد الجهلة شخص دجال يرتدي عدة النصب "المتمثلة بعمامة و لحية و عباءة" و سيسوقهم بخزعبلات و خرافات و بتحريض و ببضع دولارات ليمتهنوا القتل و الذبح لمدنيين أبرياء بينما يجلس الدجال في سردابه . معلوم من التاريخ أن من قتل سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان مجوسياً فارسياً . منذ لحظة مقتله و حتى يومنا هذا "أي بعد ما يزيد عن 14 قرن" لم يرفع أحد من عقلاء أمتنا شعار "يا لثارات عمر" و لو رفعه أحد اليوم فلسوف نكون محقين إن قلنا عنه أنه مشبوه أو جاسوس أو عميل سواء كان يدري أو لا يدري . كل من يرفع سلاحاً على أمتنا من أبناء جلدتنا هو خائن حتى لو طالت لحيته إلى سرَته و حتى لو كان حافظاً للقرآن الكريم و لصحيحي البخاري و مسلم رحمهما الله .