تقارير

"سبيل السلطان عبد الحميد" بغزة.. آخر أسبلة العهد العثماني

الاسم الحالي للسبيل (سبيل الرفاعية) هو نسبة إلى (رفعت بيك الجركسي)
الاسم الحالي للسبيل (سبيل الرفاعية) هو نسبة إلى (رفعت بيك الجركسي)

في البلدة القديمة من مدينة غزة التاريخية، يقع واحد من أهم الأسبلة في قطاع غزة وأقدمها، الذي كان يعتبر من أهم المعالم التاريخية والأثرية للدولة العثمانية قبل حوالي 500 سنة تقريبا.

يتوسط "سبيل السلطان عبد الحميد الثاني"، أو ما يعرف باسم "سبيل الرفاعية"، مجموعة من المواقع الأثرية القديمة في مدينة غزة المهمة، فهو ملاصق لقصر الباشا من الجهة الشرقية، وقريب من المسجد العمري الأثري، وحمام السمرا التاريخي.

 



وأكد الدكتور حمودة الدهدار، مدير البلدة القديمة في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، على أن سبيل السلطان عبد الحميد الثاني، يعد أحد المعالم التي عرفت في العصر العثماني وأقدمها، وهو السبيل الوحيد المتبقي.

وقال الدهدار لـ "عربي21": "تم بناء السبيل عام 1570م، ويقع في شارع الوحدة في حي الدرج بالقرب من متحف قصر الباشا، وما زال إلى هذا اليوم محتفظا بالشكل القديم لبنائه".

وأضاف: "تم بناء السبيل من الحجر الرملي الصلب، شكله الهندسي عبارة عن عقد مدبب على جانبيه مكسلتان، وبينهما ثلاث فتحات بارزة للمياه في وسط إطار مربع".

 



وأكد أن السبيل يعتبر من المنشآت الجميلة جدا والمهمة التي خدمت الحياة عبر العصور، مشددا على أن أهمية هذا السبيل الكبيرة بالنسبة للأسبلة الأخرى التي تم إزالتها؛ تكمن في أنه كان يقع في وسط وقلب البلدة القديمة وقلبها في مدينة غزة، بالقرب من قصر الباشا، والمسجد العمري، وحمام السمرة وسوق القيسرية، وبعض المباني الموجودة في المنطقة.

وأشار الدهدار الذي أشرف على ترميم السبيل قبل 7 سنوات، إلى أنه في مطلع العام 2014م، بالتعاون مع مؤسسة التعاون التركية "تيكا" التي لها باع كبير في المشاريع في العهد العثماني؛ تم ترميم السبيل بتكلفة وصلت إلى40 ألف يورو، منوها إلى أن عملية الترميم استمرت لمدة 4 شهور، ونفذت من قبل شركة "سقا خضري" التي كانت مهتمة بالآثار، وقامت بتجميل المربع الذي يقع فيه السبيل والجهة الخلفية له.


وأوضح أن ترميم السبيل مر بثلاث مراحل، أولها كانت عملية الترميم الرئيسية الخاصة بالمبنى ومعالجة التشققات والمشاكل الإنشائية الخاصة بالسبيل نفسه، مشيرا إلى أنه تم في البداية تنظيف الحجر على كحلة الحجار الأثرية، ومعالجة الرطوبة ومشاكل التهوية.

وأشار إلى أن المرحلة الثانية كانت مرحلة التأهيل أو تشغيل السبيل، وهي مرحلة تمديد المياه إلى السبيل تمهيدا لإعادة استخدامه، موضحا أنه تم حفر بئر ماء خاص به للتغذية في الأرض الخلفية للسبيل، وتم توفير ثلاثة خزانات مياه كبيرة مع ثلاجة في الطابق العلوي لمدرسة الزهراء المجاورة له، وتم إصلاح صنابير المياه الأساسية، وتم تمديد المياه إليه وتشغيله.

وأوضح أن المرحلة الثالثة كانت تجميل السبيل وتركيب درج ودرابزين للسبيل لتأهيله لاستخدام المارة والعابرين، بالأخص أنه يقع في منطقة تعليمية في عدة مدارس ومنطقة تجارية ومكتظة بالسكان، مشيرا إلى أن السبيل خدم المنطقة بصورة كبيرة جدا.

ومن جهتها قالت الباحثة في التاريخ الآثار إسلام حبوش؛ "إن الأسبلة تعد من أهم المنشآت الخدماتية التي اهتم المسلمون بإقامتها لتيسير الحصول على ماء الشرب؛ ليشرب منه المارة والمسافرون، وذلك بسبب قلة المياه في الشوارع في ذلك الوقت، وابتغاء التقرب إلى الله في سقاية الناس بمختلف أطيافهم".

وأضافت حبوش لـ "عربي21": "يقع سبيل السلطان عبد الحميد الثاني في حي الدرج بمدينة غزة وتحديدا في حارة بني عامر، وهو على شارع الوحدة الرئيسي، وعلى بعد أمتار إلى الشرق من قصر الباشا".

 

وأشارت إلى أن بئر البرج الذي كان ينسب إليه السبيل كان يقع بجواره، وهو للمراقبة والدفاع؛ هو الذي كان يزود السبيل في الماء.

وقالت حبوش: "أنشا هذا السبيل (بهرام بيك بن مصطفى باشا) في سنة (976هـ/1568م)".

وأضافت؛ "إن الاسم الحالي للسبيل (سبيل الرفاعية) هو نسبة إلى (رفعت بيك الجركسي) قائم مقام غزة، الذي قام بتجديده وترميمه سنة (1278هـ/1861م).

 



وأوضحت أن السبيل قد بُني من الحجر الرملي الصلب، وشكله المعماري عبارة عن عقد مدبب على جانبيه مكسلتان، وبينهما ثلاث فتحات بارزة للمياه في وسط إطار مربع، وكانت تلك الفتحات مزودة بأقصاب لسحب الماء من حوض السبيل لسقاية الناس. كما جدد مرة أخرى في عهد السلطان (عبد الحميد الثاني) سنة (1318هـ/1900م)، ويؤكد ذلك أبيات الشعر المنقوشة على السبيل، التي تعلوها (طغراء عبد الحميد الثاني). بحسب حبوش.

وأشارت الباحثة في التاريخ والآثار إلى أن للسبيل عدة تسميات إضافة إلى سبيل الرفاعية: مثل "سبيل البرج" نسبة إلى برج المراقبة والدفاع الجيش العثماني الذي كان بجوار السبيل إلى الشرق منه، وسبيل عبد الحميد نسبة للسلطان عبد الحميد الثاني الذي رممه عام 1900م.

ومن جهته، اعتبر الكاتب والباحث محمد مصطفى شاهين أن أهمية سبيل الرفاعية تكمن في أنه يتميز موقعه بوجوده في وسط البلدة القديمة وقلبها بمدينة غزة، التي تحتضن بين حاراتها أماكن تاريخية ومعالم أثرية عريقة، أهمها المسجد العمري الكبير وقصر الباشا، وحمام المسرة، وسوق القيصرية وغيرها من المواقع الأثرية.

 

                             محمد مصطفى شاهين.. كاتب وباحث فلسطيني

وقال شاهين لـ "عربي21": "سبيل الرفاعية أو سبيل السلطان عبد الحميد الثاني، شاهد على عراقة هذه الأرض؛ لأنه نتاج للتراث والحضارة الإنسانية التي تعاقبت على أرض فلسطين".

وأضاف: "في هذا السبيل تتجلى عظمة الحضارة العثمانية في الأراضي الفلسطينية، التي ما زالت معالمها شاهدة، على عمق الارتباط التاريخي والعلاقات الوطيدة بين عراقة الحضارة التركية العثمانية، وبين قدسية الأراضي الفلسطينية".

وشدد شاهين على أن بناء هذا السبيل وترميمه فيما بعد، يبرز الاهتمام بالعمارة والبناء وما يتصل بها من تسهيل لشؤون الناس وأمور حياتهم، وتوضح العلاقة القوية والطيبة التي كانت تجمع أهل غزة مع الدولة العثمانية، وهي علاقة انتماء للدولة العثمانية.

وأكد ضرورة الاهتمام بمثل هذه المواقع والمعالم الأثرية في قطاع غزة والحفاظ عليها قدر المستطاع؛ لأنها تحكي تاريخ شعب وأمة.

ودعا شاهين إلى زيادة تنظيم زيارات ورحلات لهذا السبيل وغيره من المواقع الأثرية التي تحكي تاريخ هذا الشعب، لاسيما لطلبة المدارس والجامعات، وذلك لدحض كل الروايات الإسرائيلية التي تحاول تزوير التاريخ.

 


 

 

 


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم