قضايا وآراء

الاقتصاد والعسكرة.. النموذج المصري

أشرف دوابة
1300x600
1300x600

تفقدت وزيرة الصحة المصرية، هالة زايد، ورئيس مجلس إدارة شركة "سايلو فودز" للصناعات الغذائية، اللواء أركان حرب تيمور موسى، نهاية الأسبوع الماضي، منظومة تصنيع الوجبات المدرسية بمقر الشركة في مدينة السادات بمحافظة المنوفية، والتي سيتم توفيرها للطلاب مع بدء العام الدراسي الجديد. وهذه الشركة مملوكة بالكامل للقوات المسلحة المصرية، وافتتحها رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، منذ أيام معدودات، من أجل إمداد وزارة التربية والتعليم بالوجبات الغذائية لنحو 13 مليون طالب بمراحل التعليم المختلفة، بداية من رياض الأطفال، والوجبة عبارة عن بسكويت سادة، وآخر محشو عجوة، وفطيرة مدرسية.

وتأتي هذه الأخبار في جملة الأخبار المتجددة والمستمرة للتوجه الاقتصادي المدني الملحوظ للجيش المصري وشبه سيطرته على الاقتصاد في كافة قطاعاته، وهو الأمر الذي يعكس شكلا للدولة لم تعهده بهذه الصورة من قبل، لا سيما وأن مهمة الجيوش هي حماية الحدود والدفاع عن أوطانها، وإنتاج ما يلزم لذلك من سلاح وعتاد، إضافة إلى توفير الغذاء للمنتسبين إليها.

ولا شك أن توجه الجيوش نحو الإنتاج المدني ليس له خطره على القطاع الخاص والاقتصاد ككل فحسب، بل إنه أشد خطورة داخل الجيش نفسه، بانحراف بوصلته الدفاعية، وانغماسه في الحياة المدنية، والركون إليها، ونسيان مصطلحات الدفاع والحرب من قاموسه إلا كلاما لا أثر له، وهو ما يعني القتال ليس من أجل الدفاع عن البلاد، بل من أجل الحفاظ على ما يتم تكوينه من أرباح وثروات، فترتفع التخمة والترف والملذات على الخشونة وفنون القتال والرباط. 

 

إن العسكرة لا يمكن أن تبني اقتصادا ولا تحقق تنمية في عصر قوامه التخصص وتقسيم العمل، وقد لفت القرآن الكريم لذلك لفتة حية إلى يوم الدين، فقال تعالى ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّه وآخرون يقاتلون في سبيل الله﴾

 



والعجيب أن النظام في مصر يدعي أنه يتبنى نظام السوق الحر، وهذا مخالف للواقع، فالعرض والطلب بيد العسكر، كما أن نظام السوق إذا كان يتم تطبيقه فإنه تطبيق انتقائي وبصورة تعكس تحريف أهداف هذا النظام، حيث يتم اختيار ما يضر المواطن من خلال الإفراط في فرض الضرائب والرسوم وإلغاء الدعم وإعلان الحرب على الحماية الاجتماعية وترك الأفراد لقوى السوق الموجهة من خلال العسكرة، فلا يجدوا إلا فقرا متناميا، وبؤسا مستمرا، ولسانا مكتوما، وإلا البديل لذلك زيارة السجون والاستقرار فيها.
 
كما أن القطاع الخاص لا يتلمس طريقه في ظل المنافسة غير العادلة من خلال إعفاء شركات الجيش من الضرائب والرسوم والإيجارات ونحوها، فضلا عن توافر عناصر الإنتاج لهم من موارد طبيعية وقوى عاملة بصورة تكاد تكون مجانية، وهو الأمر الذي ينتج عنه طرد القطاع الخاص وفقا لمبدأ المزاحمة، إلا ما استظل منهم بظل العسكر وعاش تحت رضاهم.
  
إن العسكرة لا يمكن أن تبني اقتصادا ولا تحقق تنمية في عصر قوامه التخصص وتقسيم العمل، وقد لفت القرآن الكريم لذلك لفتة حية إلى يوم الدين، فقال تعالى ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّه وآخرون يقاتلون في سبيل الله﴾ (المزمل/ 123).. فالمقاتلون يزودون في ميدان القتال ورجال الأعمال يزودون في ميدان الاقتصاد، وكل منهما ـ وفق تخصصه ـ في نفس المنزلة، وفي هذا روى الترمذي أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء"، وإذا تولي أحدهما مهمة الآخر فسدت الدولة وأهلك ذلك البلاد والعباد. 

لذا كان من مقاصد عدم توزيع أراضي السواد في العراق وغيرها على جيش المسلمين في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، لئلا يركن الجنود للزراعة ويتركوا ميدان الجهاد ويتحقق فيهم قوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ البقرة/195، فضلا عن الحفاظ على الفلاحين وعدم حرمانهم من مصدر رزقهم والاستفادة من خبراتهم، إضافة إلى تضمين مصدر دائم لموارد الدولة يمتد نفعه للجيل الحالي والأجيال اللاحقة.

إن التنمية الاقتصادية في الإسلام تبدأ من الفرد أو القطاع الخاص، ودور الدولة يظهر واضحا جليا في توفير البيئة المناسبة لتحقيق تلك التنمية، من خلال تنظيم الحياة الاقتصاديَّة، وتوجيه المشروعات الخاصة إلى ما يكفل تحقيق المصلحة العامة، واتخاذ الإجراءات التي تتحقِّق بها مصالح المجتمع، ولا تتدخل الدولة إلا لإكمال ما يعجز القطاع الخاص عن إنجازه، باعتبار ذلك من فروض الكفاية التي تأثم الأمة إذا لم تتحقق. 

وبذلك لا تدخل الدولة منافسا للقطاع الخاص لمزاحمته وطرده بل لدعمه وتحفيزه باعتبارها راعية ومسؤولة عن رعيتها. وقد فطن إلى ذلك ابن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي، حيث يرى أن "التجارة من السلطان مضرة بالرعايا مفسدة للجباية منقصة للعمارة"، كما تناول ذلك أبو الفضل الدمشقي قبل ابن خلدون ـ وذلك في القرن الثاني عشر الميلادي ـ حيث قال: "الأمور المركبة من المغالبة والاحتيال هي كتجارة السلطان التي تكون فيها الطروح والابتياع والبيع الذي لا يقدر أحد أن يزيد عليه في حال الشراء ولا يمنع من تحكمه في البيع. وقد قال بعض الحكماء: "إذا شارك السلطان الرعية في متاجرهم هلكوا، وإن شاركوه في حمل السلاح هلك".. نسأل الله تعالى أن يقي مصر الكنانة من طريق الهالكين.


التعليقات (2)
أبو العبد الحلبي
الجمعة، 27-08-2021 02:33 م
كثيرا ، ما يَطْرُقُ أسماع الناس قول "جرت عملية إشهاره " و هو :( إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جُنْدًا كَثِيفًا، فذلك الجند خَيْرُ أَجْنَادِ الأرْضِ. فقال له أبو بكر: ولم ذلك يا رسول الله ؟ قال : لأنهم في رباط إلى يوم القيامة ) . لا أزعم أنني عالم في الحديث النبوي الشريف لكوني لم أدرس سوى مساق واحد في علم الحديث أيام شبابي و أنا في الجامعة منذ حوالي نصف قرن و لم ألتقي سوى لقاء واحد مع الشيخ الألباني رحمه الله . تعلمت أن أهم مراجع الأحاديث النبوية هي على الترتيب : الصحيحان (البخاري ومسلم) والسنن الأربعة ( سنن الترمذي والنسائي وأبي داوود وابن ماجه) ومسند أحمد وموطأ مالك و يضاف إليها كتب (البيهقي، الدارمي، الحاكم، ابن حبان ، و بعض ما أورده الطبراني في معاجمه الثلاثة) . لم يرد القول المذكور أعلاه في هذه المراجع الثلاثة عشر المعتبرة و إنما ورد في بعض كتب التاريخ بأسانيد عن رجال فيهم الضعيف و المجهول و بالتالي بحسب الجرح و التعديل الحكم على القول أنه إما حديث شديد الضعف أو أنه حديث موضوع و كلاهما لا يؤخذ بطبيعة الحال و لا يصلح للاحتجاج. إذا كان الأمر كذلك ، فيا ويل من كذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم و يا ويل من كذب على أبي بكر الصديق رضي الله عنه . وردت أحاديث نبوية شريفة في فضائل مصر و أهلها في المراجع المعتمدة لكنها لم تمتد إلى عسكر مصر الذين جرى فرزهم كجيش نظامي في عهد محمد علي الألباني "أو الكافالي ، في رواية أخرى" . هذا الجيش لم يرى منه الناس أنه خير أجناد الأرض سواء أيام الأسرة العلوية الممتدة حتى الملك فاروق و لا بعد انقلاب 23 تموز/يوليو 1952بل بالعكس كان عبئاً ثقيلاً على شعب مصر و سام أهلها سوء العذاب . كانت عبارة "الإقطاعيين الباشوات أبناء العائلات" أيام الملكية تثير السخط لدى شعب مصر و دارت الأيام ليكون ضباط الجيش هم هذه الفئة التي تحركت لتستحوذ على الاقتصاد ، الزراعة ، التجارة الصناعة المدنية ، الأراضي ، البناء ...الخ . صارت أحلام اللواءات هي جمع المليارات و ليس حماية البلاد و العباد ... هذه خيانة صريحة للشعب و للبلد و تفريط في أداء الواجب . قاتل الله كل من سعى و يسعى إلى تخريب مصر الحبيبة أم الدنيا و أم العرب .
ان العبيد لانجاس مناكيد
الخميس، 26-08-2021 02:30 م
المال الحرام اشبه بالماء المالح للظمآن كلما شرب منه ازداد نار ظمأه. هذا مايحدث في مصر على يد مجموعة من الرعاع انحدروا من اسر عانت الفقر والشح فجأة وجدوا انفسهم يسيطرون على بلد بكل ثرواته ويستعبدون شعب خانع تعدى تعداده مئة مليون لو صاحوا صيحة واحدة لارتجت الارض من صيحتهم ولاختفت تلك العصابة التي تحكمهم بالارهاب والتخويف من الوجود. يكفي الفا من رجال صادقين مجاهدين ان ينهوا اسطورة جيش الخصيان الذي يستعبدهم ويعلقوا قادته من ارجلهم لكن يبدوا ان هذا الشعب الف العبودية واستكان لحياة الذل والمهانه وترك الرعاع والاوباش يعتلون ظهره ويتخذونه دواب وصدق عليهم قول المتنبي: لا تشـتَـرِ الـعَـبـد إلا والـعَـصَـا مـعــه *** إِن الـعَـبِـيــدَ لأنـــجـــاسٌ مَـنـاكــيــد.