كتب

قراءة في تاريخ الطائفة اليهودية بمصر.. التركيبة والتوجهات

قدم اليهود إلى مصر مبكرا واندمجوا في المجتمع ومؤسسات الدولة ومنهم من هاجر ومنهم من استقر
قدم اليهود إلى مصر مبكرا واندمجوا في المجتمع ومؤسسات الدولة ومنهم من هاجر ومنهم من استقر

الكتاب: "يهود مصر (1922- 1956)"
المؤلف: د. رشاد رمضان عبد السلام 
الناشر: القاهرة، دار الكتب والوثائق القومية، مركز تاريخ مصر والعالم، سلسلة "مصر النهضة" (95)، 2014

احتلت الطائفة اليهودية موقعًا مؤثرًا في الاقتصاد المصري، وكان للشاي ثاني أكبر فرع في مصر، بعد الاتحاد السوفييتي، "والشاي" هو جهاز المخابرات الصهيونية، قبل قيام إسرائيل.

يقول رئيس تحرير السلسلة، د. أحمد زكريا الشلِّق، محقًا، إن تاريخهم "هو تاريخ جماعة، دينها اليهودية". وقد ارتفع عددهم في مصر، بعد الاحتلال البريطاني لها، العام 1882، وتضاعف، بعد نحو نصف قرن (75 ألفا)، وتراجع إلى نحو 65 ألفًا، العام 1947، نتيجة عمليات الهجرة، إلى 21 ألفًا، العام 1957، قبل أن يتقلص إلى نحو سبعة آلاف، عند اندلاع حرب 1967، وقد حمل الجنسية المصرية، فيما بين الحربين العالميتين، ما بين 25 و30% من أعداد اليهود في مصر، مقابل نحو 25% كانوا أجانب، وما بين 45 و50% بلا جنسية. وكان زعماء الصهيونية يتخذون مصر ممرًا لدخول الأراضي الفلسطينية، بينما أن عدد من الشخصيات اليهودية الوازنة الصهيونية. وقد تصدت لهم "الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية" في مصر (ص 8- 9).

أما المبرِّر العلمي لتاريخ بدء الدراسة، فلأن مصر نالت استقلالاً جزئيًا، ألغيت بموجبه، الحماية البريطانية على مصر. وفي السنة نفسها، اعتمدت "عصبة الأمم" قرار مؤتمر سان ريمو" (1920) بإنتداب بريطانيا على فلسطين. أما انتهاء  الدراسة عند العام 1956، فبسبب تعرُّض مصر لـ "العدوان الثلاثي"، بما ترتب عليه خروج اليهود، بأعداد كبيرة، من مصر، حسب المؤلف (ص 11).

في خلفية تاريخية عن "أوضاع اليهود في مصر، منذ بداية القرن العشرين حتى عام 1922" وجاء الفصل التمهيدي، وفيه أشار المؤلف إلى أن يهود مصر انقسموا "إلى مجموعات فرعية، وطوائف، من أصول إقليمية، وطقوس، ولغات، واتجاهات ثقافية، وأوضاع إجتماعية مختلفة"، وإن انحصرت أوجه التمييز الأساسية بينهم، في اليهود السيفارديم، والإشكنازيم. 

وطبقيًا، انقسمت الطائفة إلى ثلاث مجموعات؛ أصغرها راقية، ثرية ،من أصحاب المصارف، والشركات، وتجار الجملة، وملًاك الأراضي، والمقاولين، والمديرين، ومن بينهم ظهرت مجموعة أرستقراطية، صغيرة، ومنغلقة، ذوي نفوذ قوي جدًا، سياسي مواز لنفوذهم الاقصادي: فالمجموعة الوسطى، من الموظفين، والمديرين، والتجار، وأصحاب المهن، بقية المجموعة الثالثة، التي شكلت نحو ربع مجموع أبناء الطائفة، ومعظمهم ذوي أصول شرقية، غير متعلمين، وبلا عمل دائم، يعيشون على تبرعات الأثرياء، وإعانات الجمعيات الخيرية، والتسوُّل. 

وقد أقام نحو 95% من الطائفة في القاهرة، والاسكندرية؛ حيث كانوا يشعرون بحماية أفضل من قِبل الاحتلال البريطاني. وقد بدأ النشاط الصهيوني في مصر، مبكرًا، منذ العام 1896، حين أسس يوسف ماركو باروخ أول جمعية صهيونية في القاهرة (جمعية باركوخبا). وقد فشل مشروع اتخاذ مدينة العريش المصرية لوحة قفز إلى فلسطين، لشح المياه العذبة في العريش؛ فاستعيض عنها بكوم أمبو، التي أجهضت، أيضّا. وخلال سني الحرب العالمية الأولى (1914- 1918)، تأسست العديد من الجمعيات الصهيونية في مصر؛ وتم جمع التبرعات من أثرياء الصهاينة في مصر، لدعم الصهيونية في فلسطين (ص 15- 18).

تحدر أغنياء اليهود من الصرافة، والربا، فالاستثمار في الأراضي، والعقارات، والبنية التحتية، والإعمار، والصناعة؛ ما مكن بعض أولئك الأثرياء، من عائلتي قطاوي، وساويرس من الوصول إلى البرلمان. كما نجح  عدد كبير من اليهود في شغل وظائف قيادية في الإدارة الحكومية، وقطاع الأعمال الخاصة. إلى عدد آخر في المهن القانونية؛ والحِرفية (صناعة الذهب)، والفضة، والمنسوجات، والسجائر، ومتاجر الأقمشة، والملابس، والأحذية، وقد الحق دورهم الربوي ضررًا كبيرًا بمصر (ص 19- 22).

 

 

يهود مصر انقسموا "إلى مجموعات فرعية، وطوائف، من أصول إقليمية، وطقوس، ولغات، واتجاهات ثقافية، وأوضاع إجتماعية مختلفة"، وإن انحصرت أوجه التمييز الأساسية بينهم، في اليهود السيفارديم، والإشكنازيم.

 

 



على أن ثمة اختلافات بين طائفتي الربًّانيين، والقرَّائين، في الزواج، ولأن نسبة غير قليلة تلقت تعليمها في المدارس الأجنبية، فقد ألموا باللغات الأجنبية، ونبغ بعضهم في مجال التأليف، والكتابة. وحرصوا على تأسيس المكتبات، والجمعيات الثقافية ؛لإحياء اللغة العبرية، ودراسة تاريخ اليهود في الشرق. كما أصدروا عديد الصحف، وأسهموا في فنون شتى؛ كالموسيقى، والمسرح، والسينما (ص 22- 24).

شجع الملك فؤاد (1917- 1936) اليهود، وكانت زوجة يوسف قطاوي باشا وصيفة للملكة نازلي، زوجة فؤاد. بينما حرصت قيادة الطائفة اليهودية على توثيق علاقتها. ومجاملة الأسرة المالكة، في مختلف المناسبات. وفي عهد الملك فاروق (1936- 1952) فترت العلاقة، إلى أن جاءت "حركة الجيش" (23/7/1952)، فقام رئيس مجلس قيادة الثورة، اللواء محمد نجيب بزيارة معبد العباسية للقرائين.

وكتب في سجل الزيارات: " إن هذا اليوم، ليوم سعيد... وباركني سيادة الحاخام الأكبر، كما بارك حركة الجيش، وهي التي تشبه ـ إلى حد كبير ـ حركة الطائفة نفسها". بينما سار خَلَفه، جمال عبد الناصر على سياسة، هدفت إلى مقاومة الدعاية القوية الفعالة لإسرائيل، وترويجها لفكرة اضطهاد اليهود في مصر؛ ولهذا سار على سياسة وديَّة تجاه اليهود المصريين. وحين أممَّ عبد الناصر قناة السويس (26/7/1956)، سارع الحاخام ناحوم إلى التهنئة بهذا التأميم (ص 27- 34).

انخرط بعض اليهود في الأحزاب السياسية المصرية، (وخاصة "الوفد"، والأحرار الدستوريين)، وقد شاركت الطوائف اليهودية في جنازة سعد زغلول (24/8/1927). وفي هذا الصدد، أشارت صحيفة "الشمس" الصهيونية في مصر، إلى أن اليهود المصريين اكتفوا بالمشاركة في الالتزامات الوطنية العامة، دون أن يتجاوزوها إلى مباشرة الحقوق السياسية. وعبثًا حاولت "جبهة الشباب الإسرائيلي الديموقراطي" تصحيح صورة اليهود في مصر.

عن علاقة اليهود بالأهالي المصريين، فحسب المؤرخ اليهودي، حاييم كوهين، لم يتعلم بعض اليهود العربية، وامتلكوا شعورا بالتفوُّق على الأهالي. ومع ذلك، فقد ظل المصريون يعاملونهم معاملة كريمة. وبذل الصهاينة قصارى جهودهم لإبعاد اليهود عن الانخراط، والاندماج. بينما اتسمت علاقة رجال الدين اليهود برجال الدين الإسلامي بالود. لكن مع وقوع المواجهات بين العرب والصهاينة، في فلسطين، وقعت اعتداءات على مصالح ،و ممتلكات يهودية في مصر. 

هذا بينما اهتم اليهود بالاقتصاد المصري، خاصة في مجال التجارة، والصناعة، والاستثمار، وسوق الأوراق المالية، والقطن، والنقل والمواصلات، والسلع الغذائية، والصحة، والسياحة. وقد استنكر عضو مجلس النواب المصري، أصلان قطاوي، قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين (29/11/1947). بينما كان اليهود قد تشاءموا من قيام "جامعة الدول العربية" (1945)، و من فكرة الوحدة العربية عموماً. (ص 47- 65).

 

 

جاء في دستور مصر، العام1923، إن المصريين لدى القانون سواء، وحرية الرأي والاعتقاد مطلقة. بينما استمرأت الصحف الصهيونية في مصر إلهاء الشعب المصري بمشاكله، وقضاياه مع الاحتلال، لإبعاده عن المحاولات الصهيونية الدأوبة لاغتصاب الأراضي الفلسطينية أما المستهجن فكان دعوة صحيفة "الشمس" الصهيونية الشعوب التي قهرتها بريطانيا، وحلفاؤها في العالم، أن تقف إلى جانب بريطانيا!

 

 



عن "النشاط الصهيوني لليهود في مصر" كان الفصل الثاني، بدءا من أطماع الصهيونية في سيناء، واتخاذ مصر معبراً إلى فلسطين، وموقف يهود مصر من مشروع "الوطن القومي اليهودي" في فلسطين، ومن الهجرة إليها؛ فحاولت الصحف الصهيونية. في مصر بلورة صيغة للتعاون، والتفاهم بين العرب، واليهود.

في لمحة سريعة عن دوافع و ملابسات إقدام عصابة شتيرن الصهيونية على قتل لورد موين، في مصر (1944)، جاءت إدانة الطائفة لها، ثم كان الإرهاب الصهيوني ضد، القنصلية المصرية لفلسطين، وشرق الأردن، وتفجير فندق الملك داود بالقدس (1946). وقد انقسم الرأي العام في مصر حول الصهيونية بين معارض ومؤيد! (ص 82- 112).

بعد الصدامات الدامية بين اليهود اليساريين، واليهود الصهاينة، وعمد الأوائل إلى تأسيس "الرابطة الاسرائيلية لمكافحة الصهيونية"، ولا أدري من أين أتى المؤلف بـ "اليهودية"، فأحلها محل "الاسرائيلية"؟ّ! (ص 112- 114).


تمتّع اليهود، بداية، بمزايا الاقتصادية،والقانونية للامتيازات الأجنبية. وعاملهم الاحتلال البريطاني بمزيد من الاهتمام. أما بعد حرب1948 العربية ـ الإإسرائيلية، فقد اسقطت الجنسية المصرية عن 38 يهوديًا (ص 132- 136).

لقد جاء في دستور مصر، العام 1923، إن المصريين لدى القانون سواء، وحرية الرأي والاعتقاد مطلقة. بينما استمرأت الصحف الصهيونية في مصر إلهاء الشعب المصري بمشاكله، وقضاياه مع الاحتلال، لإبعاده عن المحاولات الصهيونية الدأوبة لاغتصاب الأراضي الفلسطينية أما المستهجن فكان دعوة صحيفة "الشمس" الصهيونية الشعوب التي قهرتها بريطانيا، وحلفاؤها في العالم، أن تقف إلى جانب بريطانيا! (ص 127- 130).

حين صدر قرار تقسيم فلسطين عن الأمم المتحدة (29/11/1947)، التزم صهاينة مصر بالصمت، وتفوَّهوا بعبارات مطاطة، قبل أن يطالبوا الحكومة المصرية بحمايتهم. وقبلها، حين اجتاح وباء الكوليرا مصر 1947، فإن د. أحمد محمد كمال، عميد المعهد العالي للصحة العامة بمصر، اتهم الصهاينة بتلويف ترعة الإسماعيلية، على غرار جريمة أخرى، كانوا ارتكبوها في سوريا، فضلًا عن جرائم للنصب على مواطنين مصريين.

كان لليهود في مصر، عند وقوع "العدوان الثلاثي" على مصر (خريف 1956)، 15 جمعية خيرية و 10 مدارس إبتدائية، وثانوية، بها 1,700 طالب إلى مدرسة صناعية تابعة لشيكوريل، ومستشفى، و 3 مطاعم شعبية، ودار لرعاية الأطفال، وجمعية مساعدة للطلبة، و3 مؤسسات اجتماعية نسائية؛ ما يؤكد المعاملة الحسنة لليهود في مصر (ص 137- 154).

لقد أصدر الصهاينة في مصر 15 صحيفة، ومجلة ، القى الكتاب الضوء عليها (ص 161- 174)

حين انتقل المؤلف للحديث عن النشاط الشيوعي تأسى لما ادعاه من "نقص خطير في الوثائق، التي تتصل بالجمعيات الشيوعية المصرية" (ص 174). بينما تغص المكتبة المصرية بعشرات الكتبة المضمنة وثائق، وأسرار. والمتسهجن أن المؤلف لم يرجع إلى أي منها! وما كتبه في هذا الصدد أقل بكثير مما هو منشور في تلك المراجع! (ص 174- 181).


في حديثه عن النشاط الماثوني في مصر، كغطاء للنشاط الصهينوني، كشف عبد السلام أسماء وزراء ونواب وممثلين سينمائيين بارزين، بينما كان أحمد ماهر رئيسًا للمحفل الماثوني، إلى أن قُتل، وهو رئيسًا للوزراء (1945)! (ص 184- 192).

لعل "فضيحة لافون" أهم عمل تجسسي ضد مصر، فقد كٌشف أمرها، العام 1954، وقضت بنسف بعض المؤسسات الأمريكية، والبريطانية، في مصر؛ بهدف توتير العلاقة بين القاهرة، وكل من واشنطن، ولندن، والعمل على تأخير جلاء القوات البريطانية عن قنوات السويس (ص 193- 201).

عالج الفصل الخامس "اليهود والاقتصاد المصري"، وفيه كشف عن أن العضوية اليهودية " في بنك الاباسينيا"لم تخرج عن الطبع العائلي وتميَّزت بالاستمرارية. وكان إسماعيل صدقي باشا الطاغية ذائع الصيت، عضوًا في مجلس ادارة 15 شركة صهيونية (ص 210- 211).

وقد تغلغل الصهاينة ببنوكهم، وشركات تأمينهم، والنقل، فضلًا عن شركاتهم التجارية، والصناعية، والزراعية، والتعدينية، والهندسية، والعقارية، والفندقية، في الجسد المصري (ص 211- 250).

تعهَّد الفصل السادس بتغطية "النشاط الإجتماعي لليهود بمصر"، بدأ من التركيب الجنسي، والعمري لأبناء الطائفة، وأوضاع الأسرة اليهودية في مصر ؛ من زواج، ووضع عائلي والزواج بين الربانيين، القرائين، وتعدُّد الزوجات، وزواج الراقصة تحية كاريوكا من يهودي، إلى زواج ليلى مراد من مسلم (أنور وجدي)، والإنجاب، وختان الأطفال، والاحتفالات بافتداء الابن البكر، وبلوغ سن الرشد، والخلافات الزوجية، والطلاق.وإن ترجم المؤلف "الكنَّ"، فاعتبرها الجدة بينما هي زوجة الابن.

ألقى المؤلف حزمة من الأضواء على "الجمعيات الخيرية اليهودية في مصر"، بعد أن وزِّعها بين الربانيين، والقرائين. قبل أن يستعرض "الأمراض الاجتماعية داخل الطائفة"؛ من الاعتماد على السحر، والتقليد الزائف للحضارة الأوروبية، والقومار، والنوادي الخصوصية، ودور الملاهي.

حمل الفصل السابع عنوان "النشاط التعليمي والثقافي والرياضي لليهود في مصر"، ومصادر تمويلها، وصولًا إلى مشكلات التعليم لدى الطائفة؛ المتمثلة في زيادة المقررات الدراسية، واهمال تدريس العربية، والتحاق ابناء الطائفة بالمدارس الأجنبية التنصيرية، ومجانية التعليم، وسيارات نقل الطلاب الفقراء.

انتقل الفصل للحديث عن مدارس الطائفة في القاهرة، فالإسكندرية، فضلًا عن الوثائق، والمكتبات، ونشاط اليهود في الكتابة، والصحافة. ناهيك عن "جمعية الشبان اليهود المصريين"، و"جمعية الشبان القرَّاءيين"، فالنشاط الرياضي، والاختلاط بين الجنسين.

تضمن الفصل الثامن تفاصيل "النشاط الديني اليهودي في مصر".

وبعد، فنحن أمام سِفر غني عن أوضاع الطائفة اليهودية في مصر ، على مدى 34 عامًا، من أول استقلال شكلي لمصر (1922)، إلى ما بعد "العدوان الثلاثي" عليها (1956)؛ لكن دون أن يحكم المؤلف فيما إذا كان تسهيل رحيل افراد تلك الطائفة إلى إسرائيل كان عملًا صائبًا، أم انفعاليًا، على هزيمتين عسكريتين حاقة بنا الهزيمة، ومن ثمة، صبَّ في صالح الأعباء؟!   


التعليقات (0)