بورتريه

عبد الستار قاسم.. قاوم الرصاص والسجون والاحتلال (بورتريه)

حاز قاسم جائزة "عبد الحميد شومان للعلماء الشبان العرب" لعام 1984- عربي21
حاز قاسم جائزة "عبد الحميد شومان للعلماء الشبان العرب" لعام 1984- عربي21

كان واحدا من جيل الوطنيين الذين يترجلون وهم يعملون في الحقول وفي "بيارات" البرتقال وتحت ظلال أشجار الزيتون. 


بقي حتى النفس الأخير رافضا للتسوية مع دولة الاحتلال ومنتقدا -لا يهادن- للسلطة الفلسطينية وتنسيقها الأمني مع الاحتلال. 


لم يكن يتسامح حتى مع نفسه في ما يتعلق بفلسطين، فكتب يوما أن الفلسطينيين "لم يعودوا أمناء على القضية" و "لا أتوقع أننا سنعود أمناء في القريب".  


كان يعتقد أننا "قزمنا أنفسنا كثيرا"، وحولنا القضية الفلسطينية إلى "رغيف خبز". 


لم ترهبه سجون الاحتلال، ولا زنازين السلطة الفلسطينية، ولا محاولات قتله وإلحاق الضرر بممتلكاته وبعائلاته. 


عبد الستار توفيق قاسم الخضر، المولود عام 1948، في بلدة دير الغصون بمحافظة طولكرم شمال غرب الضفة الغربية، العربي القومي الصلب، حاصل على البكالوريوس في العلوم السياسية من "الجامعة الأمريكية" بالقاهرة، وعلى الماجستير في العلوم السياسية من جامعة "ولاية كنساس" الأمريكية، ثم الماجستير في الاقتصاد من "جامعة ميزوري" الأمريكية، وأخيرا الدكتوراه في الفلسفة السياسية من جامعة "ميزوري" عام 1977. 


عمل عبد الستار قاسم في "الجامعة الأردنية" برتبة أستاذ مساعد عام 1978 وأنهيت خدماته عام 1979، وعمل أستاذا للعلوم السياسية في "جامعة النجاح الوطنية" بنابلس منذ عام 1980، وعمل أستاذا غير متفرغ في كل من "جامعة بيرزيت" و"جامعة القدس". ثم تقاعد عن التدريس الجامعي عام 2013. 


ترشح عام 2004 لانتخابات الرئاسة الفلسطينية، إلا أنه انسحب ولم يكمل مشواره الانتخابي. 


عرف قاسم بمواقفه المعارضة للسلطة الفلسطينية والداعية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وتعرض على خلفيتها لمضايقات واعتقالات على يد كل من الاحتلال والسلطة الفلسطينية.  


ويعد قاسم من أبرز المناهضين للاحتلال الإسرائيلي، وعمل على فضح جرائمه بشكل متواصل عبر تصريحاته وكتاباته في وسائل الإعلام العربية والأجنبية والمحلية ومواقع التواصل الاجتماعي، وقد تعرض للاعتقال عدة مرات بسبب مواقفه الوطنية والقومية. 


وعلى نحو مبكر منعته سلطات الاحتلال عام 1981 من السفر ووجهت له تهمة التحريض. 


وما لبثت سلطات الاحتلال أن اعتقلته عدة مرات منها أربع فترات إدارية خلال الانتفاضة الأولى ما بين عامي1987 و1993، وخضع فيها للتحقيق في الزنازين الإسرائيلية. ودوهم منزله في نابلس وفي دير الغصون عدة مرات ووضع تحت الإقامة الجبرية أكثر من مرة. 


تعرض عام 1995 لمحاولة اغتيال اتهم فيها المخابرات الفلسطينية بالوقوف وراءها، وأصيب بأربع رصاصات، وفي العام التالي اعتقلته السلطة الفلسطينية لأسباب غير معروفة. 


أعيد اعتقاله مع مثقفين وناشطين فلسطينيين آخرين عام 1999 على خلفية ما عرف ببيان العشرين، الذي طالبوا فيه الراحل ياسر عرفات (أبا عمار) بإصلاحات سياسية ومكافحة الفساد في السلطة الفلسطينية. 


واعتقل من جديد عام 2000 من قبل السلطة لأسباب غير معروفة.


أطلقت عناصر من أجهزة الأمن الفلسطينية الرصاص على سيارته ودمرتها بالرصاص عام 2007. 


واعتقل للمرة الرابعة من قبل السلطة عام 2008 دون إبداء أسباب. وفي العام التالي أحرقت سيارته من جديد أمام منزله في نابلس. 


ولم يتوقف مسلسل الاعتقال من قبل السلطة التي قامت بدهم منزله عام 2009 على خلفية تصريحات أدلى بها عبر محطات تلفزة فضائية منها "قناة الأقصى"، ووجهت له تهمة بهذا الشأن.


اعتقلته السلطة الفلسطينية بحجة جنائية لمدة ثلاثة أيام بتهمة ذم شخصين من مدينة نابلس تقدما بدعوى قضائية ضده، واستمرت جلسات المحكمة على مدة عام ونصف تقريبا. وأخيرا قررت المحكمة عام 2010 تبرئته من التهم الموجهة ضده. 


أوقف عام 2011 عن العمل في "جامعة النجاح" وأصدرت النيابة العامة في مدينة نابلس قرارا بفصله بناء على شكوى تقدم بها رئيس الجامعة رامي الحمد الله وذلك على خلفية كتابته مقالا حمل عنوان "بين إدارة النجاح والقضاء الفلسطيني" وما لبث أن حكم ببراءته من التهم التي نسبت إليه وعاد إلى الجامعة. 


توقفت أجهزة السلطة الفلسطينية عن اعتقاله فترة من الزمن، فجاء دور قوات الاحتلال الإسرائيلي التي اعتقلته أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014. 


وفي نفس الوقت لم يتوقف مسلسل إطلاق النار على منزله.. ففي عام 2014 هاجمه بالقرب من منزله ثلاثة شبان ملثمين كانوا يستقلون سيارة تحمل لوحة تسجيل إسرائيلية بينما تهيأ للوقوف إلى جوار زوجته أمام السيارة.  


وللمرة الرابعة أحرق مجهولون سيارته أمام منزله في منطقة الجبل الجنوبي بمدينة نابلس. 


اعتقلته الأجهزة الأمنية الفلسطينية عام 2016، بعد مقابلة مع "فضائية القدس" بتهمة الدعوة لتنفيذ حكم الإعدام بحق رئيس السلطة ورؤساء الأجهزة الأمنية، وقد نفى قاسم التهمة في بيان صحفي مؤكدا أنه "لم يدع إلى قتل أحد، وأن من ردد هذه العبارات هو التلفزيون الفلسطيني الرسمي". 


وقبل رحيله بقليل أكد الكاتب السياسي عبد الستار قاسم، أنه لا يزال على موقفه من الترشح للانتخابات الفلسطينية المقبلة، على منصب الرئيس، رافضا في الوقت ذاته، فكرة إلغاء خيار الانتخابات، بسبب استمرار الانقسام. 


وأوضح قاسم، أنه قام بتشكيل قائمة للدخول في انتخابات المجلس التشريعي، بالاشتراك مع حسن خريشة، النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي السابق، حيث تضم قائمته "كفاءات وقامات وطنية" وفق تعبيره. 


صدر له نحو 25 كتابا وحوالي 130 بحثا علميا إضافة إلى آلاف المقالات بصحف عربية وأجنبية وفلسطينية.

 

ومن أبرز كتبه: "الفلسفة السياسية التقليدية"، "سقوط ملك الملوك"، "الشهيد عز الدين القسام"، "المرأة في الفكر الإسلامي"، "الموجز في القضية الفلسطينية"، "مرتفعات الجولان"، "التجربة الاعتقالية"، "أيام في معتقل النقب"، "حرية الفرد والجماعة في الإسلام"، "المرأة في الفكر الإسلامي"، "سيدنا إبراهيم والميثاق مع بني إسرائيل"، "الطريق إلى الهزيمة"، "قبور المثقفين العرب". 


حاز قاسم جائزة "عبد الحميد شومان للعلماء الشبان العرب" لعام 1984. 


لم يهادن أبدا ولا للحظة واحدة في ما يتعلق بعلاقة السلطة الفلسطينية بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية وهو يكشف حقيقة ما يجري بقوله: "لقد استطاعوا حتى الآن اعتقال العديد من المقاومين، والوصول إلى كثير من الأسلحة ومصادرتها، والآن يبثون عيونا كثيرة لجمع معلومات عن كل من يفكر بمواجهة إسرائيل، لقد وصل بنا الحد إلى أن أجهزة الأمن الفلسطينية بقيادة ضابط إسرائيلي اعتقلت المسؤول الجهادي لحركة حماس في الخليل. هذه خيانة عظمى وجريمة بحق الشعب الفلسطيني والتاريخ العربي كله".. هكذا أمضى حياته التي كانت تحت تهديد القتل والسجن. 


كان يؤلمه مشهد الانقسام الفلسطيني، ويقول بألم ومرارة: "أفق الوفاق الفلسطيني ضيق جدا ويكاد يكون مستحيلا تحت الظروف الحالية. ولسنا أمام أحزاب فلسطينية حديثة وإنما مع عقليات متحجرة لها ارتباطاتها المختلفة التي لا تتناسب مع المصالح الفلسطينية".  


يوغل أكثر بصراحته قائلا: "الساحة الفلسطينية لا تتجه نحو اللقاء أو المصالحة وإنما نحو إلغاء الآخر، وهذا لن يتم، على الأقل، تحت الظروف القائمة، الساحة الفلسطينية مليئة بالزعران والقبضايات الذين هم صنيعة السلطة الفلسطينية. هؤلاء يشترون السلاح من تجار يتعاملون مع المخابرات الإسرائيلية، ويستعملونه لابتزاز الناس وتخريب الممتلكات، والقتل أحيانا".  


رحل عبد الستار قاسم متأثرا بإصابته بمرض"كوفيد-19"، دون أن يمنح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس صفة رجل دولة: "ليس رجل دولة، ولم يكن كذلك في أي وقت من أوقات سيطرته" بحسب قوله. 


ونتيجة لمواقفه الوطنية الصلبة فإنه لم يذكر في إعلام السلطة بأي كلمة رثاء، ولم تقم السلطة بتقديم التعازي لذويه أو المشاركة في جنازته المهيبة التي خرج فيها آلاف المشيعين. 


كان رحيله صادما ومؤثرا؛ فقد تزامن مع موجهة التطبيع العربي مع دولة الاحتلال ومع قرب إجراء الانتخابات الفلسطينية التي يتوقع أن تعمق الانقسام بدلا من أن تشرع أبواب المصالحة الوطنية من جديد.

التعليقات (1)
ناقد لا حاقد
الأحد، 07-02-2021 01:36 م
رحمة الله عليك يا استاذ انت من الناس القلائل التي لم تخفها على سجون الاحتلال او اقبية السلطة او ترهيب و رصاص العملاء و هجوم الخونة............