قضايا وآراء

لا بد من رد الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية "تحرر وطني"

أميرة أبو الفتوح
1300x600
1300x600
بعد أن نزل رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" من فوق الشجرة، ودفن تحتها إلغاء التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال والتهديد بإلغاء معاهدة "أوسلو" والعودة إلى النضال والمقاومة لتحرير فلسطين، إلى آخر ذلك الهراء الذي قاله وهو متربع فوق الشجرة ثم عاد للتنسيق الأمني مع العدو الصهيوني؛ أراد أن يتسلى، أو لنقل يتسول، وهو جالس القرفصاء تحت الشجرة في ساعة عصرية، يفرك أصابع قدميه، في انتظار وصول الساكن الجديد للبيت الأبيض، ليعطيه "حسنة لله"، متغافلاً عن حقيقة هو يعلمها جيداً قبل غيره، من تجاربه الكثيرة الفاشلة مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة من الحزبين الجمهورى والديمقراطي؛ أن أمريكا لا توزع صدقات لوجه الله، بل لوجه الصهاينة فقط، ولكن "عباس" لا يزال يمد يده إلى أمريكا، لعلها تحنو عليه بنظرة عطف، يحصل بها على الفتات من مائدة اللئام!!
 
فقبل تنصيب الرئيس "جو بايدن"، بيومين، أعلن "عباس" عن إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وللمجلس الوطني الفلسطيني أيضا، وحدد المواعيد التي تجرى فيها على التوالي، معتقداً أن قراره هذا سيُقربه زُلفاً إلى "بايدن"، وتتحسن علاقته مع الأمريكيين التي دمرها ترامب؛ بعد أن قطع المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية، وأغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وحجب المساعدات المالية عن الأنروا.
تصور "عباس" أن المرسوم الذي أصدره عن الانتخابات سيكون بمثابة الورقة السحرية، أو الجوكر الذي سيفتح له الطريق إلى البيت الأبيض، وسيسهل له التعامل مع الإدارة الجديدة؛ على أساس أن الديمقراطيين يحبون الديمقراطية

لقد تصور "عباس" أن المرسوم الذي أصدره عن الانتخابات سيكون بمثابة الورقة السحرية، أو الجوكر الذي سيفتح له الطريق إلى البيت الأبيض، وسيسهل له التعامل مع الإدارة الجديدة؛ على أساس أن الديمقراطيين يحبون الديمقراطية. وها هو يقدم إليهم الهدية التي يحبونها، متحدياً كل المخاطر التي قد تصيب الفلسطينين من جرائها، والتي قد تصيبه شخصياً في مقتل، ولكنه من المؤكد أنه لم يحسبها، في غمرة حماسه لعودة العلاقات مع الأمريكان.. 
 
ومن المفارقة الساخرة، أنه في الوقت ذاته، فقد أدلى وزير الخارجية الأمريكي الجديد "أنتوني بلينكين"، بتصريحات خطيرة في مجلس الشيوخ. فحينما سُئل عما إذا كان يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أجاب على الفور: "نعم". كما أنه أكد على أن السفارة الأمريكية ستظل في "القدس"، ولن ترجع إلى تل أبيب مرة أخرى، وأعاد نفس الأسطوانة المشروخة التي رددتها كل الإدارات الأمريكية السابقة وكسرها "ترامب؛ من أن التسوية الوحيدة القابلة للاستمرار في النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي هي حل الدولتين!

كلام وزير الخارجية الأمريكي يؤكد ما ذكرناه في مقالات سابقة، أن سياسة "بايدن" تجاه القضية الفلسطينية لن تختلف كثيراً عن سياسة "ترامب". إنها سياسة أمريكية ثابتة، إنها سياسة الدولة العميقة التي لا يملك ولا يستطيع أي رئيس كان أن يغيرها قيد أنملة، حماية لدولة الاحتلال، أهم ولاياتها الاستراتيجية على الإطلاق..

ربما كان الاختلاف الوحيد هو في أسلوب التعامل وطريقة تنفيذ الاستراتيجية، فبينما كان "ترامب" فجاً وفاجراً، وأظهر الوجه الحقيقي لأمريكا الاستعمارية العنصرية دون تجميل، نجد "بايدن" يرتدي القناع الزائف الذي اعتاد كل الرؤساء الأمريكيين السابقين ارتداءه، ويتكلم مثلهم بنعومة عن حل للقضية الفلسطينية، وسيظل يتكلم عنها إلى أن ينقطع النفس، ويقطع مدة رئاسته دون أن يحلها، ولكن يتركها إرثاً ثقيلاً، أكثر تعقيداً، بضياع مزيد من الأراضي الفلسطينية، وتهويد ما تبقي من أرض فلسطين التاريخية المغتصبة، وضياع الحق الفلسطيني..
ربما كان الاختلاف الوحيد هو في أسلوب التعامل وطريقة تنفيذ الاستراتيجية، فبينما كان "ترامب" فجاً وفاجراً، وأظهر الوجه الحقيقي لأمريكا الاستعمارية العنصرية دون تجميل، نجد "بايدن" يرتدي القناع الزائف الذي اعتاد كل الرؤساء الأمريكيين السابقين ارتداءه

"ترامب" أراد تصفية القضية الفلسطينية بكل القرارات الصادمة التي اتخذها لصالح الصهاينة، وجاء "بايدن" ليصدق عليها، فهما وجهان لعملة أمريكية واحدة.

فقد اتصل مستشاره للأمن القومي "جيك سوليفان"، هاتفياً بنظيره في الكيان الصهيوني "مائير بن شبات"، ليبلغه بان إدارة بايدن "ستعمل عن كثب مع إسرائيل بشأن قضايا الأمن الإقليمي وللبناء على اتفاقيات التطبيع الإقليمية".
ولم يختلف كلامه في مسألة التطبيع، عما قاله وزير الخارجية الجديد: "ينبغي أن أصفق لما حققته إدارة ترامب بشأن اتفاقيات أبراهام"، والتي جعلت إسرائيل أكثر أمنا".. وها هم يصفقون له ويسيرون على دربه.

"بايدن" لن يغير المسار الذي سلكه "ترامب"، ولن ينقلب على شيء مما فعله، وها هو يعين في المناصب الحساسة في إدارته؛ أبرز الشخصيات الأمريكية الداعمة للكيان الصهيوني، أهمهم هذا الذي بدأ بالتصفيق (أنتوني بلينكن) وزيراً للخارجية، و"أفريل هينز" مديرة للمخابرات الوطنية، و"رونالد كلاين" رئيساً لأركان الجيش، و"ديفيد كوهين" نائباً لمدير المخابرات المركزية، و"أليخاندور مايوركاس" وزيراً للأمن الداخلى، و"ميريك جارلاند" مدعيا عاما، والقائمة تطول.. ولكن هذه بعض الأمثلة التي تثبت وتؤكد صهيونية "جو بايدن"، فهو صهيوني بالسليقة ويفتخر بذلك، ومن الطبيعي أن ينحاز للكيان الصهيوني، بدافع عقيدته التي عبر عنها حينما كان سيناتورا في مجلس الشيوخ عام 1986، ونشرتها في مقال سابق، وأعيدها مرة أخرى للمتفائلين بقدومه من أمثال "محمود عباس" ومن على شاكلته.. لقد قال:

"لقد آن لنا أن نتوقف عن الاعتذار عن دعمنا لإسرائيل، فهي أفضل استثمار بثلاثة مليارات دولار يمكن أن نقوم به، ولو لم تكن هناك إسرائيل لتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تخترع إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة"!!

نعود لهدية رئيس سلطة التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني، عشية تنصيب "بايدن"، فلقد تم بالفعل الاتفاق على إجراء الانتخابات، خلال لقاءات المصالحة التي جرت في تركيا بين حركتي فتح وحماس، منذ أشهر قليلة، ولكن في هذه الأشهر جرت مياه ملوثة وأحداث جسيمة، ومتغيرات كثيرة، ليس أقلها المفاوضات التي جرت وراء الكواليس بين سلطة أوسلو ودولة الاحتلال، لعودة التنسيق الأمني، دون علم حماس وباقي فصائل المقاومة التي تتفاوض معها لإتمام المصالحة الوطنية، فأي مصالحة هذه التي تتم في أجواء الخداع والخيانة؟!

أغلب ظني أن حركة "حماس" قد وافقت على الجلوس على طاولة المفاوضات مع حركة "فتح"، بعد أن أعلنت السلطة إلغاء التنسيق الأمني والتصريحات العنترية إياها، وما كان لحركة مقاومة واعية أن تقع في فخ "عباس" الذي استخدمها كفزاعة، لعودة تعاونه الأمني مع دولة الاحتلال، وها هو الآن يستخدمها أيضا في لعبة الانتخابات، ليقضي عليها ويتخلص منها تماماً، تحت ذريعة "الإرهاب". وقد جاءته الفرصة سانحة مع الادارة الأمريكية الجديدة، ولنرجع لما قاله وزير الخارجية "أنتوني بلينكن"، (بأن إدارة "بايدن"، ستتعامل مع السلطة الفلسطينية حسب موقفها من "المنظمات الإرهابية"). ومعروف بالطبع ما المقصود بهذه المنظمات الإرهابية؟ إنها حركات المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة "حماس"، المُصنفة في الولايات المتحدة في لائحة ما يسمي "المنظمات الإرهابية"..
حركة "حماس" قد وافقت على الجلوس على طاولة المفاوضات مع حركة "فتح"، بعد أن أعلنت السلطة إلغاء التنسيق الأمني والتصريحات العنترية إياها، وما كان لحركة مقاومة واعية أن تقع في فخ "عباس" الذي استخدمها كفزاعة، لعودة تعاونه الأمني مع دولة الاحتلال

لن توافق إدارة "بايدن" على أن تشارك "حماس" في الانتخابات حالياً، ولا بالطبع في السلطة لاحقاً، وهذا ما يريده ويبتغيه "عباس"، ليستطيع نزع سلاح المقاومة، والسيطرة على "غزة"، والثأر لما حدث عام 2006.

ونسي "عباس" أو تناسى في خضم حربه ضد "حماس"، لإقصائها عن المشهد الفلسطيني، أن رجال "دحلان" في الأراضي المحتلة هم الذين سيدعمونه في الانتخابات التي دعا إليها، وقد ينقلب السحر على الساحر، ويزيحونه هو عن المشهد الفلسطيني، قبل أن يزيح "حماس"!!

و"محمد دحلان" المفصول من حركة "فتح" مدعوم مادياً ومعنوياً ولوجستياً من دولة الإمارات، ولديه تيار عريض داخل حركة "فتح"، من شخصيات لديها أموال كثيرة، تمكنها الإطاحة بعباس ورفاقه، وخاصة أن الإدارة الأمريكية تريد هذا التيار "الدحلاني المتصهين" كبديل لحركة "فتح"، بتاريخها النضالي السابق، والتي لم يشفع لها دفنه في مقبرة "أوسلو"، فلا بد أيضا من محو اسمها من المشهد الفلسطيني، ويكون "دحلان" هو الشخصية المطلوبة كبديل لعباس..
 
إن انتخابات السلطة الفلسطينية الموعودة، هي وليدة اتفاق "أوسلو" وتجرى تحت بنوده، وهي بذلك تكون قد منحت الشرعية من جديد لأسلو التي أضاعت الحق الفلسطيني، فكيف وافقت "حماس" على خوضها، وهي التي رفضت اتفاقية "أوسلو" شكلاً ومضموناً؟ لقد أخطأت عام 2006 بدخولها الانتخابات، وذاقت أشد ويلات العذاب من جرائها، ورأت كيف توحدت ضباع الأرض ضدها بعد فوزها، وعانت من الحصار الظالم الذي فرض عليها وعلى أهل غزة الكرام، ولا زالت ترزح تحت براثنه! فكيف تعيد التجربة مرة أخرى، وتكابر وتكرر نفس الخطأ، فهي بذلك تكون كالمستجير من الرمضاء بالنار؟..
 
إلى متى ستظل سلطة "أوسلو" تعيش في عالم الأوهام؟! فهل هناك دولة فلسطينية مستقلة، لها نظام ديمقراطي، لتُجرى في ظله انتخابات؟! وكيف أصلاً تتم انتخابات حرة تحت حراب الاحتلال؟!
 
أنا لا أرى أي ضرورة ولا مبرر للانتخابات، بل أراها مأزقاً خطيراً، يصعب الخروج منه، ويزيد من حالة الانقسام داخل البيت الفلسطيني، بدلاً من العمل على ترميمه، مما يجعله آيلاً للسقوط، والعياذ بالله..

ولكنني أؤيد بشدة انتخابات المجلس الوطني، الذي يمثل الشعب الفلسطيني كله، وعلى أساسها تمكن إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، ويا حبذا لو تم الاتفاق على إلغائها بقرارتها الكارثية السابقة، فقد انتهي دورها وتعداها الزمن، ويجب أن يولد من رحمها كيان فلسطيني جديد، بروح وطنية شابة، وانتخاب قيادة فلسطينية جديدة، ترد الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية "تحرر وطني"، وتأخذ الشرعية الكاملة باتخاذ القرار الجريء إزاء اتفاقية" أوسلو"، وإفرازات "أوسلو"، وتدير المشروع الوطني بكل تجلياته..

وللموضوع تتمة الأسبوع القادم بإذن الله..
 
twitter.com/amiraaboelfetou
التعليقات (0)