أخبار ثقافية

ذكرى معين بسيسو.. تفاصيل لـ"عربي21" يرويها نجله لأول مرة

ساءت علاقة بسيسو مع محمود عباس لدعم الأخير محمود درويش في تسلم جائزة في موسكو كانت مستحقة لبسيسو- عربي21
ساءت علاقة بسيسو مع محمود عباس لدعم الأخير محمود درويش في تسلم جائزة في موسكو كانت مستحقة لبسيسو- عربي21

ما لم يُقل عن "جائزة لينين".. وهل مات معين بسيسو غاضبا من درويش؟


لماذا رفض بسيسو أن يغني له مارسيل خليفة؟ 


ما قصّة المسدّس الذي أهداه ياسر عرفات لمعين بسيسو؟


ما فحوى الرسالة التي تلقتها صهباء البربري من ابن علي؟ ولماذا كان معين بسيسو يلقب زوجته بـ"آخر الديناصورات"؟


تفاصيل من يوميات معين بسيسو وكيف عاد حافيا إلى منزله؟


لماذا كان يرفض أن يقال إنه شيوعيّ؟


ما حقيقة العشاء الذي جمعه بعادل إمام؟

 

تفاصيل عديدة وجديدة تنشر لأول مرة، يرويها نجل معين بسيسو في تصريحات حصرية لـ"عربي 21"..


26 كانون الثاني 1952 القاهرة تحترق. حالة من الغليان والصخب. نيران تتأجج فتأتي على الأخضر واليابس. وداخل مطبعة "أورفيد" كان العمّال يخوضون "المعركة" الأخرى.

 

ركضٌ ولهاث. هسيس النار يقبض على الأنفاس همّا وشجنا. قلقٌ وخوفٌ. ولم يستسلم العمّال حتىّ أنقذوا "المعركة". لتستفيق القاهرة صبيحة اليوم الموالي على خبر صدور ديوان "المعركة" أوّل ديوان للشاعر الفلسطيني معين بسيسو.

 

وكأنّي بها كانت ثورة وليس حريقا وكَأنّ الطبيعة كانت تُمارس طقوسها احتفاء بما قد يخلّصها من دنس بشري. ومعركة معين بسيسو مشروع مقاومة أزليّة، يحمل الكثير من الدّلالات الرمزية. 


ليس اعتباطا أن يكون شهر كانون الثاني الذي صدر فيه ديوان "المعركة" ذات الشهر الذي تنتهي فيه معركة بسيسو مع الحياة بتاريخ 23 كانون الثاني 1984 لتتمخض عنها معركةٌ جديدة بنفس جديد وقد بلغت الآن السبعة والثلاثين أو ربّما تجاوزتها بقليلٍ.

 

الآن تمر السبع والثلاثون سنة ومعين بسيسو يدير معركته الأزليّة من تحت الأرض، ألا يقال معذبون من هم فوق الأرض.

 

دعونا لا نهتم بالأمكنة ولا الأزمنة، لا بدايات ولا نهايات.. فكيف أسمح لنفسي بقيد مكاني لشاعر لا خريطة له.

 

الوطن فكرةٌ يدافع عنها من تونس، القاهرة، لبنان، بريطانيا، ألمانيا حتى سيبيريا.. يحمل أكثر من جنسية عربية ولكنه لا يتجمل إلاّ بالزي الفلسطيني ولا يعشق إلاّ اللوحات التي ترسمه فلسطينيا. يحمل جواز السفر العراقي والجزائري والتونسي واليمني والسوري والأردني (والأردني جنسيته الأصليّة).

قرأت الكثير من المقالات التي كتبت عنه احتفاء بذكرى ميلاده أو وفاته، قرأت نصوصا مكررة، قرأت عن الشيوعي وهو الأممي، قرأت عن عدد دواوينه وعناوينها، عن مسرحياته عن نثره ومقالاته، وكلها لا تعدو إلاّ بعض إنتاجات مقارنة بأعمال لم تصدر بعد بإنتاج غزير، قرأت تحاليل عن كتابات بسيسو فماذا لو نكتب معا جزءًا من سيرة معين بسيسو؟ وماذا لو نرافق ابنه الوحيد توفيق معين بسيسو إلى ذاكرته؟

هو الشاعر الذي عاش في عصر "التاكلس" و"الدكتلو" وتوفي قبل حتى حلول عصر "الفاكس" والقنوات الفضائية ومع ذلك سافر به الشعر كونيا.

 

وهو المقاوم الذي أوقف مخططات قياديين عرب متأمركين ودون المخطوطات الشعرية والنثرية والمسرحية سلاحا في وجه العدو. ولكن للسيرة وجه آخر نخوضه لأوّل مرة مع ابنه توفيق معين بسيسو...

 


"عربي 21" تلتقي توفيق معين بسيسو في حوار حصري بمناسبة ذكرى وفاة معين بسيسو..
 
هل من طقوس معينة للعائلة في الاحتفاء بذكرى وفاة الشاعر معين بسيسو؟

 
نحن، أصلاً، نعيش مع معين بسيسو بكل تفاصيله... نحتفظ بكل شيء: غرفة سفرته التي اشتراها من تونس وهي من الصناعات التقليدية، ومصنوعة من خشب الزيتون.

 

نحتفظ بطاولة مكتبه وهي أيضا من تونس، سجاده كذلك.. نحتفظ بكل مقتنياته.. عندنا أيقونات لسيدنا عيسى عليه السلام.. عندنا كل شيء.. كتبه.. مسوداته.. أقلامه.. ربطات العنق.. الوالدة بارك الله فيها احتفظت بكل شيء.

 

كل هذه الأشياء شحناها من بيروت إلى تونس، وبعد ذلك من تونس شحنتها الوالدة إلى غزة فلسطين.. لم يذهب معين إلى أيّ مكان. هو بيننا بكل تفاصيله.

 

احتفاؤنا لا تمييز فيه عن بقية الأيام لأننا يوميا نحتفي به.. يمكن أن أذكر لك أيضا أنه سنة 2014 وقعت إعادة طباعة كل أعماله مع دار الفارابي، من شعر ومسرح ونثر على نفقتنا الخاصة. فقط نحن لا نقوم بزيارة قبر الوالد لأنه دفن في مصر وطبعا لا نستطيع ولا نملك حرية زيارة قبره بسبب الحصار، ولكن كعائلة هو دائما في وجداننا قولا وفعلا.


تستعد لإطلاق موقع إلكتروني توثيقي لأعمال معين بسيسو، لو تحدثنا عن التجربة بتفصيل أكثر؟

 
هذا المشروع ببالي منذ التسعينيات، أبدأ ثم أتراجع والمهمّ الآن سيكون جاهزا قريبا... ولكن ليس محملا إلكترونيا للكتب ولو أننا قد نفكر في ذلك مستقبلا ولكن بصراحة نحن على يقين أنه لا قيمة تضاهي قيمة الكتب الورقية.

ماذا تستحضر من آخر لقاء لك مع والدك؟  

 

كنت قريبا جدا من والدي وكان يعول عليّ في الكثير من الأشياء وقبل وفاته كافأني برحلة إلى النمسا.. سعدت بالمكافأة ولم أكن أعلم أنها قد تكون المرة الأخيرة التي أرى فيها والدي، فبعد انطلاقي في الرّحلة بأيّام تلقيت اتصالا قيل لي فيه: "والدك تعبان تعال بسرعة..". وفي القاهرة أعلموني بأن والدي قد توفي.. فرجعت من القاهرة إلى تونس لأن أبا عمار أرسل وفدا إلى بريطانيا لمعرفة أسباب الوفاة وليواكب الجثمان، وبما أنه في تونس فلا توجد مدفن لدفن الفلسطينيين فتم دفنه في مصر..

 

نقل الجثمان إلى تونس وقضى ليلة بالمستشفى التونسي وبعد ذلك تم نقله إلى مصر، حيث قام رجل الأعمال الفلسطيني علي جوهر بشراء قطعة أرض دفن فيها معين بسيسو، وصارت بعد ذلك هذه الأرض مدفن الفلسطينيين في مصر.  


ماذا علق في ذهنك من وفاته؟

 
توفي معين بسيسو وحيدا بالغرفة في نزل، في بريطانيا. وكان يومها قد وضع على باب غرفته: "الرجاء عدم الإزعاج". وليلا أصيب بالسكتة القلبية. تصوّري مات وحيدا.. ووفاته جد مأساوية: ظلّ لأيّام ميتا في الغرفة دون أن يتنبه له أحد..

 

علما بأنه كان في لندن بنية التوجه إلى موسكو من أجل ندوة شعرية وأيضا لاستكمال طباعة بعض الكتب ككتابه حول الاتحاد السوفياتي الذي اشتغل عليه جيدا ولكن لم يتسن له رؤيته يخرج إلى النور.

 

هذا الكتاب الذي من أجله زار 14 جمهورية في الاتحاد السوفياتي حتى إنه زار سيبيريا.. الكتاب -كما تعلمين- صدر سنة 1985.
 
هل كان يخاف من الموت؟

 
لا أبدا.. أولا كانت حياته مهدّدة.. كان في أي لحظة مهددا بالاغتيال خاصة من قبل النظام السوري.. فقد كتب قصيدة مباشرة مهاجمة لحافظ الأسد إلى درجة أنّ هذا الأخير قد اشتكاه لياسر عرفات.. صدّقي معين بسيسو لو عاش إلى اليوم، فلا أتصور أنه سيُسرّ بحياته وهو في عمر الـ97 مثلا... رؤيته للحياة مختلفة جدا.. ثانيا معين كان يكره زيارة الأطباء.. وكان لا يبالي بالمرض.


من لاحظ تدهور حالته الصحية؟

 
في أواخر سنة 1983 زارنا محمود درويش، شاركنا طاولة العشاء وليلا أوصلناه أنا ومعين بسيسو إلى النزل، وفي الطريق قال لي درويش: "دير بالك على والدك، وعلى صحته". والدتي أيضا صهباء البربري كانت قلقة على صحته وقد لاحظت ذلك.

معين بسيسو والعائلة:


لو تتاح لك فرصة لقاء والدك مرة أخرى: ما هو أوّل خبر مفرح تزفه إليه؟

الخبر المفرح أنّا تزوجنا وأصبح عندنا أولاد... هو صار "جدو".. سأخبره بأنه صار عندي بنت وولد.. الكبيرة جيفارا (14 عاما) ومعين الصغير (11 عاما).. أختي داليا عندها آية وزين ونور وصهيب، وأختي مليكة عندها مليكة وأحلام وحماد.. لا يمكن لأحد أن يتصور سعادة معين بسيسو بأحفاده ولكن للأسف.. الله يرحمه.




ما هي الأولويّة بالنسبة لمعين بسيسو في تنشئتكم؟

 

كان كثير الاهتمام بالتعليم.. مثلا لما كنا في تونس اختار أن يكون المنزل قريبا من مكان دراسة مليكة.. كان يهتم كثيرا باللغات أيضا: حرص على أن أدرس اللغة الألمانية لأنّه كان يخطط أن أكمل دراستي في ألمانيا.

 

وداليا درست في أكسفورد ومليكة درست في فرنسا.. العلم مهم جدا في حياته. وبعد وفاته، ظلت الوالدة تسير على نفس خطواته.

أي من الآباء هو: هل يستعمل أحيانا "عصا" الديكتاتور؟

 
أبي كان حنونا جدا معنا.. لا أذكر أنه عاقبني أو تعامل معي بقسوة، لا معي ولا مع شقيقاتي ولا حتى عائلته الكبيرة.. سأروي لك قصة لما بلغت الثامنة عشرة من عمري، أهداني معين بسيسو علبة سجائر و"ولاعة" وقال لي: "أريدك أن تدخن أمامي وليس من وراء ظهري".. معين كان يحترم صهباء أمي، وأمي كانت تحترمه كثيرا وتحترم عمله.. كان يناديها بآخر الديناصورات؛ أولا لأنها كانت تحتفظ بكل أشيائه وبكل تفاصيله من الورقة الصغيرة إلى مقتنياته الكبيرة.. علما بأنّ أمي كانت هي من تكتب نصوصه على آلة "الدكتلو" آنذاك..

ما هي اللحظة التي كان يتمنّى أن يتقاسمها معكم كعائلة.. ولكن لحظة الموت كانت سبّاقة؟

 
كان يحلم برحلة ترفيهية كعائلة.. ولكن لم يقدر لنا ذلك.. سأخبرك شيئا.. تعرفين أنّه من الصعب حتى أن تجدي لنا صورة كعائلة..؟ سفراته الكثيرة وسفراتنا للدراسة كانت تمنعنا من اللقاء..


هل كان معين بسيسو من محبي الصور؟

 
دعيني أحدثك عن الرسومات.. تلقى الكثير من الهدايا من رسامات، من بينهن والدة الممثلين المعروفين يوسف الخال وورد الخال، ولكن ظلت اللوحة الأقرب إلى قلبه من رسامة روسية.

 

قامت برسمه وهو بالزي الفلسطيني. كان يحب كثيرا هذه اللوحة. وفي المقابل نحتفظ بصور كثيرة له مع أصدقائه، مثلا.. لسهرة عشاء في منزلنا مع الفنان الكبير عادل إمام الذي كانت له مرجعية شيوعية اشتراكية.

 


 

وكان عادل إمام قد تعرّض للإهانة في لبنان. فاتصل أبو عمار بمعين وقال له بصريح العبارة: "شوف كيف تحسن صورتنا قدام الشعب المصري". فدعا والدي عادل إمام وعالج المسألة بحكمة وفُضّ الإشكال..
 
ما هي طقوسه في الكتابة؟ 

لما يكون معين بسيسو في مكتبه أو في الشرفة فنحن نعرف أنه وقت الهدوء، نكون حينها في غرفنا ندرس أيضا.. لم تكن عنده طقوس معينة ولكنّ توفير الهدوء كان واجبنا.. معين بسيسو لم يكن يجيد السواقة، لهذا فقد كان عنده سائقه الخاص، فلو لاحظنا وهو في السيارة أنّه بصدد تحريك يديه أو أصابعه نعرف أنّ فكرة ما يشتغل عليها ذهنيّا.. كان يكتب على الأوراق الموجودة في غرف النزل.. في نزل تونسي تأجر شقة على البحر حيث أكمل كتابة قصيدته "القصيدة" ولهذا كانت جل الصور الشعرية فيها موج وبحر..


هل يستمع إلى موسيقى معينة؟

كان بودي أن أجيبك بأنه كان يستمع إلى أم كلثوم وعبد الحليم... لا لا.. لم أره قطّ يضع شريط كاسيت أو يستمع إلى موسيقى.. أذكر أنه في إحدى المرّات زارني في لندن وأنا كنت حينها أدرس في بريطانيا وعمري 16 سنة آنذاك، عدت من المدرسة فوجدته يطبخ ويستمع إلى "لابينغ فلويد"، تخيلي يستمع إلى "بوب مارلي".. لم يكن همه كتابة القصيدة التي تصلح لأن تكون أغنية مثل بقية الشعراء. ولعلمك كان يرفض أن يغني له مارسيل خليفة أو أي حد آخر.. مارسيل أصلا لم يكن يروق له معين بسيسو لأنه يرى أن الشيوعيين الفلسطينيين كانوا دائما على خلاف مع الشيوعيين اللبنانيين.. ولا أفهم بصراحة سر التقارب بين محمود درويش ومارسيل خليفة.. لا أفهم هذه المعادلة الغريبة العجيبة وبشهادة مارسيل، قال في تصريح ما إنه في الحرب الأهلية حوصر في بيته لأنه كان على خطوط التماس، فلم يجد أمامه إلاّ ديوان شعر محمود درويش فأخذ يلحّنه، يعني كانت صدفة.. كان مصيره هو وهذا الديوان، وأعتقد أنه لو وجد مارسيل خليفة ديوانا لكمال ناصر مثلا لكان غنّى له.. أو حتى أيّ ديوان لأي شاعر آخر.. بالنسبة لمعين بسيسو كانت سعادته حين يردد المعتقلون أناشيده.


ما هي أمكنته المفضّلة؟

 
كان يعشق البحر.. كان يردد لدرويش: "نعمل أنا وياك كوخ ع البحر في غزة ونقعد نشوي سمك ونعمل لحمة بالفخار".. يحب معين كثيرا السمك وكان لما يحتفي بأصدقائه يدعوهم على السمك.

علاقة معين بسيسو مع محمود درويش: 


هل تواصلت زيارات محمود درويش لمنزل العائلة بعد وفاة معين بسيسو؟ 

انقطعت زيارته لنا بعد وفاة الوالد.. حتى إني لا أذكر له سوى مقالين كتبهما بعد الوفاة بسنتين.. ما عدا ذلك لا أذكر أنه زارنا.

متى كان آخر لقاء بين درويش وبسيسو؟

 
آخر مرة رأيت فيها درويش في منزلنا كانت سنة 1983 تلك الزيارة التي حدثتك عنها في تونس.

ما هي أكثر المواضيع التي يتناولها الثنائي حين يلتقيان؟

 
على عكس المتوقع جلسات درويش وبسيسو كانت جلسات مرح وضحك. كانا مثلا يطبخان مع بعض يتسليان بهذه الطريقة.. كنت لما أرجع من المدرسة إلى البيت غالبا ما أجد صحن درويش على السّفرة. درويش كان أعزب وكان لا يغادر منزلنا. كان وكأنه فرد من العائلة.

 




تحصل محمود درويش على جائزة لينين التي كان معين بسيسو يتطلع إليها: هل أثّر ذلك على علاقة الصداقة القوية؟


لنعود إلى التفاصيل حتى تفهمي كيف سارت الأمور: كان معين بسيسو هو المرشح من الاتحاد السوفياتي للحصول على جائزة لينين، ولكن حصلت تدخلات غيرت مسار الأمور، وخصوصا من قبل "أبو مازن" الذي كان يعد الدكتوراه في روسيا وكان على علاقة بمحمود درويش.

 

وكان معين ينتقد دائما الثوريين المتأمركين الذي يدافعون عن فكرة التقسيم ومن بينهم أبو مازن. فلذا قام أبو مازن بكل مساعيه لتحويل وجهة الجائزة لدرويش..

 

علما بأننا نبرئ أبا عمار وأبا جهاد من هذه المؤامرة، فأنا أبصم شخصيا على التدخلات التي قام بها أبو مازن حتى يحرم والدي من الجائزة.

 

لقد تأثر معين بسيسو تأثرا كبيرا. حزّ في قلبه كثيرا وتألّم بشدة. نعم نعم "زعل" الوالد كثيرا. ولا أستغرب أنها كانت من الأشياء التي سرعت في وفاته.

 

الجائزة كانت سنة 1983 وهو توفي سنة 1984. بالنسبة لعلاقته بدرويش تأثرت أم لا؟ أقول لك إن والدي مرهف الحس ولا يتكلم بسوء عن صداقة العمر، ولكني شخصيا لاحظت فتورا في آخر لقاء بينهما.

 

قرات سؤالا استنكاريا في عيني والدي وهو ينظر لدرويش: كيف خنت صداقة العمر؟.. أنا كابن معين، كلما أتذكر الموضوع ألوم درويش كيف قبل بهذه الجائزة وهو يعلم بخفايا الموضوع؟.. ولكن إلى آخر يوم، أبي لم يتخل عن صداقته لدرويش.

لماذا كانت لقاءاته مع محمود درويش أكثر مقارنة بسميح القاسم؟

 
هذا يرتبط أساسا بظروف سميح القاسم الذي كان يعيش في الأرض المحتلة ويصعب عليه السفر، ولكن سواء كان معين أو نحن عائلته نحبّ كثيرا سميح القاسم وهو يبادلنا ذات الشعور.

بكم تقدر الثروة التي تركها معين بسيسو؟

 
لم يترك معين بسيسو شركات ولا أحوالا ولا حساب بنك، بل إن ثروته كانت في مقتنياته التي نحتفظ بها وفي إصداراته وفي كتبه.

 

لعلمك معين بسيسو كان يكسب قوته من إصداراته. كان يترجم الكتب إلى لغات عدة، وكانت تراجمه الروسية مثلا يطبع منها مائتان وخمسون ألف نسخة، وتتجاوز غالبا ذلك إلى الـ400 ألف نسخة، وكان يحصل على مردوده المالي من هذه التراجم.. كان مردوده بالروبل الذهبي في ذلك الوقت.

 

كان يسمح له يأخذ مبيعات كتبه بالعملة الصعبة وهي طبعا كانت من الأشياء القليلة المسموح بها. وكان إنتاجه غزيرا ويصر على أن يكون قوته ومصاريفه من إنتاجه، مع أننا نحن عائلة غنية وعندنا أملاك ولكن لا أتذكر أننا بعنا منها مثلا لكي نصرف من ثمنها، ولم تكن عندنا شركة.. لا شيء.

 

ولا أخفي عنك، أنه كان الوالد يقتني أحلى الملابس والأقلام والسجاد واللوحات.. كان عايش حياة "يتمتع فيها بالطول وبالعرض، الله يرحمه".

 




ما لم يُقل عن علاقته بياسر عرفات وجمال عبد الناصر:


كيف للشاعر معين بسيسو أن يكون مستشارا ثقافيا لياسر عرفات الذي اعتقله؟

 
سبق وأعلمتك أن معين بسيسو كان دائماينتقد الثوريين المستشرقين وكان له موقف حاد منهم آنذاك أي في منتصف السبعينات ، فانتقدهم بمقاله الأسبوعي -نحن من عالم واحد- بمجلة فلسطين الثورة: وكتب مقالا بعنوان - ليس كل من ينطق بالضاد هو بالضرورة ضد مشروع كيبوتس جلعاد، فاعتقله الأخ أبو عمار يومين أو ثلاثة في أحد منازل القادة.

 

وهو ما جعل ياسر عرفات محلّ انتقادات من الطبقة المثقفة، من الشهيد ماجد أبو شرار وأبو إياد والعديد من الكتاب والمثقفين مع معين بسيسو وهو ما دفع بالأخ ياسر عرفات في نهاية الأمر إلى أن يطلق سراح والدي ويعتذر منه حتى إنّه أهداه مسدّسا. وفي مرحلة متقدمة عينه مستشارا ثقافيا لمنظمة التّحرير الفلسطينية.

 

وفي مرحلة متقدمة أصبح أول مستشار ثقافي لمنظمة التحرير الفلسطينية.

 



ما حقيقة علاقته بجمال عبد الناصر؟


اعتقل جمال عبد الناصر معين بسيسو وعذبه تسع سنوات، ومع هذا فوالدي يحب جمال عبد الناصر..


ما سر الخلافات مع أبي مازن؟

 
عاقب أبو مازن معين بسيسو، بل اعتبره موظفا مثل باقي الموظفين. فقام بتخفيض راتبه خمسين بالمائة.

 

لقد عاقبه مثلما عاقب الموظفين في غزة وحرمه من خمسين بالمائة من راتبه أو سبعين في المائة رغم أنه لا علاقة له لا بالسلطة ولا بأوسلو. لا نطمح للزيادة في الراتب، ولا أي شيء، وهذا هو راتب معين بسيسو 570 دولارا اليوم أي بعد 37 سنة من وفاته.


لماذا أعدت نجمة القدس لـ أبي مازن؟

 
أعدت الوسام الذي أعطاه أبو مازن لوالدتي، وهو نجمة القدس- الدرجة الأولى، لأنّ أبا مازن لم يحترم إبداع والدي في حياته وعامله كأي موظف وعاقبه دون احترام لشعره.

 

فبأي منطق يكرمه في مماته؟! وعموما، أنا كابن معين بسيسو لا أعترف بأي جائزة مُنحت له في مماته، نحن نفتخر فقط بدرع الثورة الفلسطينية في بيروت وجائزة اللوتس.

ما قصة الرسالة التي تلقتها والدتك من ابن علي بعد وفاة معين بسيسو؟

 
فعلا تفاجأنا في إحدى الصباحات بسيارة رئاسية أمام بيتنا في تونس، وأوصلت رسالة من ابن علي تضمنت تهنئة بالأعمال الشعرية الكاملة للشاعر وتوديعا لنا، وقد تفاجأنا بدقة ابن علي في اختيار البيت الشعري الذي صدّر به رسالته وهو: "الآن تعرف أن شباكا صغيرا مفتوحاً لوجهك وحده ستطل منه على الوطن". حتى الوالدة استغربت.. وكانت حركة تقدر من رئيس دولة آنذاك في احترام عائلة الشاعر..

أكثر بيت شعري كان دائما والدك يردّده؟

 
يكرر دائما بيت ناظم حكمت: "وضعوا الشاعر في الجنة فصاح آه يا وطني". ويردّد مقطعا آخر: "على سحابة كتبت تسقط الرقابة فصادروا السماء".

ما هي الصفة التي كان معين بسيسو يرفض اختزال صورته فيها؟ 

 
ستتفاجئين؛ كثيرون يتكلمون عن معين بسيسو الشيوعي ويتم حصره في هذه الزاوية، وصحيح أنّ بسيسو أسّس الحزب الشيوعي الفلسطيني وكان من قادة الحزب وأمينه العام بالتحديد، ولكن معين بسيسو كان يكره أن يتم حصره في صفة الشيوعي، ويقول: "أنا منظمة التحرير فلسطينية.. أنا لكل الأطياف الفلسطينية.. أنا أممي".

 

وأذكر شخصيا أنّه لما أُطلق سراح الشيخ أحمد ياسين أدارت معه الـ بي بي سي مقابلة في التسعينيات، قال فيها: "استمددنا المقاومة من شعر معين بسيسو"، وألقى قصيدة من قصائد معين بسيسو. 

 




كان الوالد يشتري ثيابه من لندن من الماركات الكبيرة.. "كرفتاتو" و"كنادرو" من إيطاليا، يخصص ميزانية كبيرة لملابسه و"البيرفيوم".. كان يعيش بمنطق "صرف ما في الجيب يأتي ما في الغيب" بدليل أنه ما سبلناش ثروة" كان يشتري جاكيت بثلاثة آلاف باوند، ألبسها أنا لليوم.. كان أمميا ولا يريد نفسه في قالب واحد..

 

كان يشتري أجمل السيارات.. كان يعشق الحياة ويتمتع بالحياة عكس الكثير من اليساريين.. كان شاعرا وكان يقود مظاهرات.

 

وأذكر أنه مرة عاد للبيت حافيا بسبب شخص في الشارع قال له "كندرتك حلوة"، فخلعها وأهداه إياها.. كل هذا معين بسيسو.. لا يريد حصره في قالب الشيوعي فهو أممي. هو فلسطيني زار كوبا، فلسطين، فيتنام، أمريكا، الفلبين، سيبيريا وإيطاليا..

 

ما هو المشروع الذي كان دوما يطمح له معين بسيسو؟

سأله مذيع في أبو ظبي: "ما الذي تتمنى كتابته ولم تكتبه الآن؟"، فأجاب: "القصيدة التي أريد كتابتها كتبتها بالفعل.. لقد كتبتها دلال المغربي بقدميها على شواطئ فلسطين حين وطئت شواطئ فلسطين هي والمجموعة المقاتلة". يعني ذلك أنّ مقاتلة فلسطينية هي التي كتبت قصيدة كان يطمح إليها بسيسو.

 



 


 

 

التعليقات (3)
وليد عون...
الأحد، 24-01-2021 10:19 ص
ما لا يعرفه توفيق عن والده الصديق قبل أن يكون الشاعر و الأديب و المناضل...الكرم الذي كان يتحلى به... كنا نلاقيه مساء كل سبت في قاعة فندق الكومودور في بيروت ... هشام خرطبيل... سامي مقصد... و انا و نسهر حتى الفجر عشاء و مشروب و كان يرفض أن ندفع قرشا واحدا و كنا دائما على خلاف معه... حول هذه المسألة... فكان يصرخ بوجهنا ... لا تضعوا لي السكرة انا فرح بطاقتي معكم... و خصوصا اننا كنا الثلاثة من أديان مختلفة ... لقد كان وطنيا بامتياز و علمانيا راقيا و إنسانا بكل ما في هذه الكلمة من معنى... الف رحمة على روحه ... القضية الفلسطينية خسرت كثيرا برحيله الباكر...
فلسطيني في بلاد الله الواسعة
السبت، 23-01-2021 01:57 م
رحمه الله ..... كان كبيرا .. كبيرا .. كبيرا .
sandokan
السبت، 23-01-2021 12:52 م
يقول محمود درويش : إن أجمل ما في الصدف أنها خالية من الانتظار .. إليكم الشخصية و المسرحية !! ـ تائر حر تار لأجل العدالة رغم أنه طبيب له مستقبل زاهر لكن قلبه الثائر ضد الظلم لم يجلس يتفرج همه نفسه فقط بل قام بالثورة بقوة لا تنازل لا عملاء لا خونة معه أرعب أعداء الظلم .. يقول تشي : أيها الأمير لقد أتيت للقاهرة خصيصاً لكي أتعلم منك .. ملهم و معلم جيفارا الذي لا يعرفه أحد الذي أرعب إحدى أقوى الدول في عصره ( قصة من التاريخ عبد الكريم الخطابي البطل المغربي الذي هزم فرنسا و إسبانيا ) .. كان تشي متأثراً بالتجربة الشيوعية السوفيتية لكنه لم يكن شيوعياً إنما ثورياً يريد تحرير الشعوب من الدكتاتوريين .. يقول تشي : إنّ أبشع إستغلال للإنسان هو إستغلاله باسم الدين .. لذلك يجب محاربة المشعوذين و الدجالين حتى يعلم الجميع أن كرامة الإنسان هي الخط الأحمر الذي دونه الموت .. لا شيئ أسوء من خيانة الإعلام .. فالرصاص الغادر يقتل أفراداً .. بينما الإعلام الخائن يقتل أمماً ( الشخصية هو : أرنستو تشي غيفارا ) مع ( مسرحية شعرية ) عندما خرجت الصرخة من الأعماق مع دوى المدفع.. عندما سقط البطل الثائر بين الأحراش.. عندها إلتحم الشعر بالإسطورة فجاءت إلى النور هذه المسرحية الشعرية.. جاءت كلمات وأشعارا صاغها الشاعر المناضل المهموم بقضايا شعبه العربي " معين بسيسو" ، وعاشها بذرات جسده وقطرات دمه "جيفارا". ففى هذه الصفحات صيغت القضية والفكرة والحكاية في جسد واحد.. فرأينا "جيفارا" مثقوب الصدر برصاص الغدر الأمريكي .. و رغم ذلك يبذر نيران الثورة في أعماق الفلاحين الذين لعنوا باسم الرب .. و ماتوا بأمر الرب ليعيش الملاك و الكهان الجنرالات .. ريالو ، الإسكافي فرناندو ، أمادو و الفلاح العجوز ذو الولدين الساكن أحدهما فردوس الشرطة و الآخر في منجم بين العمال هؤلاء و غيرهم وجدناهم على هذه الصفحات أبطالاً لجرح الإنسانية النازف .. لقصة الظلم و الإستبداد و فيها يتعانق الشرطي و القسيس متخذين من الجهل جداراً يحميهم ، ليدفع الفلاحون أقواتهم و كرامتهم و خبزهم و لبنهم و حياتهم ثمناً لصكوك الغفران .. في هذه المسرحية التي كانت الأولى في الأدب العربي عن الأب الروحي للثوارت جيفارا .. سنشاهد وجه الثورة حين تتصدى للظلم المدجج بالقوة .. حين تفتح ذراعيها للسجون و الإعتقال فلا تهاب الموت حين يكون السبيل الأوحد للحياة .