كتب

الأخلاق في العلم العربي المعاصر.. كتب طه عبد الرحمن نموذجا

كتاب يعرض لفكر وفلسفة طه عبد الرحمن في الأخلاق الإسلامية والنظرية الائتمانية (عربي21)
كتاب يعرض لفكر وفلسفة طه عبد الرحمن في الأخلاق الإسلامية والنظرية الائتمانية (عربي21)

الكتاب: الأخلاق الإسلامية ونسق الائتمانية: مقاربات في فلسفة طه عبد الرحمن
تحرير: محمد حصحاص ومعتز الخطيب
المؤلفون: مجموعة من الكتاب
الناشر: بريل ـ 2020
عدد الصفحات: 382

يُعد الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن من أبرز العلماء والفلاسفة المسلمين. والمتمعِّن بكتبه يُدرك أهمية ما أنتج من مشاريع فكرية وفلسفية في قضايا مُتعددة. فمثلا، في مشروعه "فقه الفلسفة" يقدم عبد الرحمن أدوات فلسفية لتمكين المتفلسف العربي من القدرة على الترجمة لنصوص الفلسفة وإنتاج فكر فلسفي إبداعي ضمن سياق التداول الإسلامي. 

وفي كتابه "تجديد المنهج في تقويم التراث" يقدم مشروعه لكيفية قراءة التراث الإسلامي بشكل ابتكاري ومنهجية تكاملية. أما مشروعه عن الحداثة، فينتقد عبد الرحمن الحداثة الغربية وخصوصًا في كتابه "سؤال الأخلاق: مساهمة بالنقد الأخلاقي للحداثة الغربية" كما يُؤسس لحداثة إسلامية وبخاصة في كتابه "روح الحداثة: المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية". 

 

 


الكتاب الذي بين أيدينا يتعرض لفكر وفلسفة طه عبد الرحمن وخصوصًا ما يتَّصل بالأخلاق الإسلامية والنظرية الائتمانية. الكتاب ينقسم إلى قسمين، الجزء الأول: معنون بـ "الائتمانية والأخلاق النظرية: الفكر التشريعي، السلطة السياسية والتصوف" ويضم سبعة فصول. أما الثاني فمعنون بـ "الائتمانية والأخلاق التطبيقية" ويحوي ستة فصول. 
 
يستعرض محمد حصحاص ومعتز الخطيب في تقديم الكتاب والمعنون بـ "الأخلاق في العلم العربي المعاصر: سياق تأملي" عددا من المُساهمات والمفكرين ذوي الصلة بالنظريات الأخلاقية الإسلامية، حيث أنهما يؤكدان بعد ذلك أن طه عبد الرحمن يرى أن جوهر الرسالة الإسلامية هو الأخلاق، وأنه بنى نظريته الائتمانية وفلسفته بشكل أساسي على الأخلاق الإسلامية ذات النزعة الصوفية. 

يتحرى محمد حصحاص بالفصل الأول والمعنون بـ "النموذج الائتماني: تكوين وتلقي الفلسفة" تطور النظرية الائتمانية عند طه عبد الرحمن منذ 1970، حيث يستعرض حصحاص السيرة الفكرية لعبد الرحمن. كما ويبين أن تشكيل الائتمانية يتمحور ويتداخل ضمن خمسة موضوعات وهي المنطق، وفلسفة اللغة، تقييم التراث، وروح الحداثة والفلسفة الأخلاقية، وأخيرًا علم الكلام والفلسفة السياسية. يوضح الكاتب أيضا كيفية تلقي فكر عبد الرحمن وكيف أنه لم يعطَ حقه بعد، فالقليل من الدراسات تتفاعل مع فكره. عربيًا يوجد تفاعل مع كتابات عبد الرحمن لكن قليل من الفلاسفة العرب والمفكرين تعرضوا لفلسفته، حتى الجابري لم يرد على النقد اللاذع الذي وجهه له عبد الرحمن خصوصًا في كتاب "تجديد المنهج في تقييم التراث". 

الفصل الثاني والمعنون بـ "طه عبد الرحمن وأبو إسحاق الشاطبي: مقاربات تأملية في الفكر القانوني والأخلاق" توضح إيفا كابلينغر كيف أن عبد الرحمن والشاطبي يشتركان في تفكيرهما بموضوعي الأخلاق والقانون. فهي توضح مفهوم الائتمانية وكيف أنها نقيض المشروع الغربي العلماني المادي. كما تتعرض لمفهوم مقاصد الشريعة عند الشاطبي. تقارن الكاتبة بين العالمين من الجانب الأخلاقي والتشريعي، فمثلًا "الحدود" عند الشاطبي تتعلق بالجانب الفقهي والقانوني، في حين ينتقد طه هذا التوجه ويؤكد أن الحدود يجب أن تفهم ضمن الأطر الأخلاقية. كما تستعرض أيضا نقد عبد الرحمن لفهم الشاطبي لمقاصد الشريعة. 

يقارب مصطفى أمقدوف بالفصل التالي "سؤال الأخلاق بين الدين والعقل المجرد: علي عزت بيجوفيتس وطه عبد الرحمن نموذجًا" بين المفكرين اللذين يلتقيان في قضايا فلسفية محورية وكثيرة على سبيل المثال: الوحي الإلهي الذي هو لأجل تنوير الإنسان وتوسيع مداركه وآفاق عقله وحريته. الكاتب يقف على القضايا الفكرية التي جمعت بين بيجوفيتس وعبد الرحمن في التصورات النقدية والبنائية، وذلك بقصد الكشف عن الإمكانيات الفلسفية التي يتسم بها العقل الإسلامي المعاصر. ولأجل فتح آفاق لفضاء فلسفلي إسلامي يجمع المفكرين. 

يتناول عصام عيدو بفصله المعنون بـ "الاعتراف في المجال العام: نقد ائتماني لمفهوم فوكو "الاعتراف بالسلطة" مسألة الاعتراف في المجال العام في فكر ميشيل فوكو وطه عبد الرحمن، وصلة هذه النظرية بثلاثة مفاهيم هي: التسيد، والذات والنماذج المعرفية. يبرهن عيدو كيف أن عبد الرحمن بمشروعه الفلسفي ينتقد هذه المفاهيم الثلاثة ويؤسس لمفاهيم فلسفية مُوسعة وذات طابع أخلاقي.

يبيِّن عادل الطاهري بقسمه والمعنون بـ "الممارسة السياسية الديانية: النقد التزكوي والبديل الائتماني" كيف أن النظرية الائتمانية ـ"نظرية إيمانية صلبة تصل العالم المرئي بالعالم الغيبي" ـ تُمثل رؤية وجودية لها تطبيقاتها في حُقول علمية مُختلفة مثل السياسية والإعلام والبيولوجيا. يجتهد الكاتب لتقديم رؤية تحليلية نقدية ذات قسمين: الأول يعرض النظرية الائتمانية في العلاقة بين الدين والسياسة، والثاني: يتعرض فيه للنقد الائتماني لتصورات الإسلام السياسي وممارساته. 

 

الكتاب الذي بين أيدينا مساهمة مُميَّزة وفَرِيدة، لذا فإن الوقوف عليه والاطلاع بتمعن على ما جاء به أمر مُهم للغاية ليس فقط للمهتمين والمتخصصين بالإسلام والحداثة، والدراسات الإسلامية، والفكر والفلسفة الإسلامية، بل والفلسفة الأخلاقية، والفقه الإسلامي والشريعة والأخلاق.

 



أما رامون هارفي فيقارن بقسمه المعنون بـ "القيم القرآنية والحداثة في الأخلاق الإسلامية المعاصرة: طه عبد الرحمن وفضل الرحمن في مُباحثة" بين القيم القرآنية والأخلاقية عند طه عبد الرحمن وفضل الرحمن. فهناك نقاط مُشتركة واختلافات بينهما. فبينما نقد طه الحداثة الغربية وطرح بديل لها مُؤسس على قيم أخلاقية وقرآنية ذات طابع صوفي، إلا أن فضل الرحمن كان أكثر تقدير للحداثة والتنوير الغربي ورأى فيهما أداة يستطيع المسلمون من خلالهما إنشاء نموذج حداثي. 

في الفصل الأخير من القسم الأول والمعنون بـ "تصوف معاصر لطه عبد الرحمن" يبين هارالد فيرسن كيف أن الصوفية هي المنبع والأس لمشروع طه عبد الرحمن الفكري والفلسفي. كما يقارن الكاتب عبد الرحمن مع الفيلسوف المصري عبد الرحمن بدوي وأدونيس. فيرسن يشدد على أن فلسفة عبد الرحمن ليست فقط جزءا من التقاليد الصوفية والتراث الإسلامي بل إنها أيضًا تتجاوب مع السياق الحداثي ومشكلاته ومفكريه.

بالفصل الأول من القسم الثاني والمعنون بـ "أنثروبولوجيا الإسلام في ضوء النموذج الائتماني" ينخرط أمين اليوسفي بالنقاشات التي تتعرض في علم الأنثروبولوجيا لدراسة المجتمعات المسلمة بناءً على فهم "علماني" لمفاهيم مثل "العقل" و"الجسد". اليوسفي ينتقد عددا من هذه التوجهات والمفكرين أمثال طلال أسد. كما ويؤكد الكاتب أن الائتمانية تحوي مخزونا فكريا ومفاهيميا، يساعدنا لفهم منهجي لقضايا مُهمة بهذا الصدد مثل دراسة المجتمعات والأخلاق الإسلامية. 

يُبرهن محمد أمين البراهمي في فصله "النموذج الائتماني في العلوم الاجتماعية: الوكالة الأخلاقية كاتجاه أخلاقي إسلامي" أن مُساهمات طه عبد الرحمن الفلسفية والنظرية الائتمانية تُشكل أدوات واعدة وأكثر تناسبًا لتقديم نقاشات علمية وأجوبة تتمحور حول فضائل الأخلاق في العلوم الاجتماعية. كما يظهر الكاتب كيف أن الائتمانية هي نسق لنقد الحداثة الغربية. كما ويقارن البراهمي بين فكر طه ومُفكرين غربيين أمثال ألسدير ماكنتاير، الذي يتقاطع مع عبد الرحمن بتحديد قصور الفلسفة الغربية الحداثية في معالجة القضايا الأخلاقية. 

في الفصل التالي والمعنون بـ "الائتمانية نظرية لحل المعضلات الأخلاقية العلمية: البيئة والموت الرحيم نموذجًا" يتعرض محمد أوريا للنقد الائتماني ومدى انسجامه وتباينه في النظريات الأخلاقية الرائجة بالمجال العلمي والتقني. كما يركز على عدة قضايا مثل "البيئة" و"الموت الرحيم" وذلك بهدف تقديم رؤية ائتمانية متناسقة ومُحكمة في قضايا تناقضت فيها الآراء والمواقف. 

يقارن عبد المنعم الشقيري بين فكر عبد الرحمن وطلال أسد بفصله "التقويم الأخلاقي للعلمانية بين طه عبد الرحمن وطلال أسد: الأسرة الحديثة نموذجًا". كما ويبين كيف أن المُفكرين لهم نقد للعلمانية مُؤسس على الأخلاق. لكن عبد الرحمن كفيلسوف اقترح حلولا على عكس أسد الذي يقف على التشخيص والتحليل دون التعرض لحلول كونه عالما أنثروبولوجيا. لذا، فإن الشقيري يؤكد أن عبد الرحمن أبدع بالائتمانية كنسق أخلاقي، قادر على تشخيص الحداثة الغربية وتصويبها. 

في فصله المعنون بـ "الائتمانية في مجال الإعلام والاتصال: الإمكانيات والحدود" يتعرض هشام المكي لإمكانيات تطبيق نسق الائتمانية في مجال الإعلام والاتصال. لكنه يقدم نقدا بناء لمساهمات عبد الرحمن، مثل غياب المراجع الأنجلوساكسونية كما ويوضح آثار وانعكاسات هذا الغياب التخصصي بمجال الإعلام عند عبد الرحمن على تحليل الآفات الأخلاقية بهذا المجال. لكنه يُقر في النهاية أن عبد الرحمن أبدع وتميز في التقاط وتحليل ونقد أهم التحديات الأخلاقية في مجال الإعلام والاتصال. 

في الفصل الأخير "الحوار بين الائتمانية والأخلاق العالمية: مقاربة تحليلية مقارنة" تَستعرض آسيا شكيرب رؤية العالم اللاهوتي هانس كينع وطه عبد الرحمن في مسألة الحوار الديني، وكيفية نبذ العنف لأجل التعايش. فهما يَشتركان بالكثير من النقاط مثل نقد الحداثة الغربية ومنتجاتها الفكرية، وأن الرؤية التي أنتجها عصر الأنوار الغربي غير قادرة على حل مشاكل العالم المعاصر. فكلاهما يؤكد دور الدين مصدرا للقيم والأخلاق، وكُل منهما قدم مشروعه الخاص لإعادة علاقة الأخلاق بالدين. 

يأتي ظهور هذا الكتاب بعد كتاب وائل الحلاق "إصلاح الحداثة: الأخلاق والإنسان الجديد في فلسفة طه عبد الرحمن" حيث نشهد كتابات مُميزة وعميقة باللغة الإنجليزية تتعرض نقدًا وتحليلًا للفيلسوف المغربي وأفكاره وتطبيقاتها في علوم مُختلفة.

 

الكتاب الذي بين أيدينا مساهمة مُميَّزة وفَرِيدة، لذا فإن الوقوف عليه والاطلاع بتمعن على ما جاء به أمر مُهم للغاية ليس فقط للمهتمين والمتخصصين بالإسلام والحداثة، والدراسات الإسلامية، والفكر والفلسفة الإسلامية، بل والفلسفة الأخلاقية، والفقه الإسلامي والشريعة والأخلاق. لكن يُؤخذ على هذا الكتاب أن عددًا من الفُصول المُتميزة فيه غير مترجمة للإنجليزية. فمقالَا مصطفى أمقدوف وعصام عيدو، وهما في نظري جزء مُعتبر وأساسي في هذا المُصنف غير مُتاحين لغير قارئي العربية. 

 



*باحث مُشارك في مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية بجامعة إسطنبول "زعيم" ومحاضر في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بنفس الجامعة.

التعليقات (1)
جزايري@gmail.co
الخميس، 14-01-2021 07:42 م
ان إسواء ماتحوم حوله الفلسفة والفكر العربي مثل كلمة الحداثة هذا المصطلح المضلل ،وكلمة العالم الثالث هذا الكلمتان اللتان أخذت حيز من الفكر العربي حيث جعلته يدور في حلقة مفرغة لامعنى له،ثم ضرب كل ما يأتي على الانتماء هو في الحقيقة مسخ للفكر العربي

خبر عاجل