كتب

إدارة الإعلام كما ترويها السيرة النبوية.. قراءة في كتاب (2من2)

كتاب يعرض لملامح السياسيات الإعلامية في العهد النبوي- (أكيول)
كتاب يعرض لملامح السياسيات الإعلامية في العهد النبوي- (أكيول)

الكتاب: "الإدارة النبوية للحملات الإعلامية"
الكاتب: الدكتور أسامة الأشقر
الناشر: دار أكيول للنشر والتوزيع، تركيا 2020

يواصل الكاتب والباحث الفلسطيني الدكتور أسامة الأشقر، في الجزء الثاني والأخير من تقديمه لكتابه الجديد "الإدارة النبوية للحملات الإعلامية"، عرض أهم ملامح السياسات الإعلامية التي اتبعها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، من خلال تقديم نماذج واقعية كما نقلتها كتب السيرة والتراجم.

 

 النتائج الختامية والتوصيات

1 ـ يقترب مفهوم الحملة الإعلامية من مفهوم الدعاية الحربية والحرب النفسية أكثر من اقترابه من الإعلام في الظروف الاعتيادية لاختلاف الوظائف، واختلاف تركيب أدوات الحملة، واختلاف مستواها وسقوفها.

2 ـ استخدمت ألفاظ كثيرة للدلالة على مفهوم الحملة الإعلامية في العصر النبوي.

3 ـ طورت الحملات الشعرية لغة الأدب والشعر من الاتجاه اللغوي إلى الاتجاه الإعلامي، فأضحت لغة الشعر بفضل الحملات لغة إعلامية.

4 ـ الشعر كان أحد أهم أدوات الحملة الإعلامية وأكثرها فعالية في خضم الصراع بين المسلمين ومخالفيهم في العصر النبوي.

5 ـ كان الصراع السياسي والعسكري والديني أحد أهم موارد الحملات لكثرة أحداثه.

 

6 ـ احتل شعر الحملات في العصر النبوي مكانة كبيرة في المشروع الإسلامي، وفي مقاومة هذا المشروع أيضاً لدى الطرف المقابل، كما أنه احتلّ حيزاً مهماً في الصراع السياسي والعسكري والفكري والثقافي بين الأطراف المتصارعة، ولم يكن الشعر هامشياً، بل كان في شريكاً أساسياً في هذا الصراع.

7 ـ البداية الحقيقة للحملات كانت نتيجة الثائرة العصبية القبلية أو الجهوية، وكان ذلك لمدة قصيرة قبل أن يجري تنظيمها بقرارات نبوية لتنتظم في سياق حماية الدعوة والانتصار لها.

8 ـ بدأ إعلان الحرب الإعلامية رسمياً وبصورة كثيفة ومركزة وممنهجة بهجرة رسول الله إلى المدينة.

9 ـ ارتبطت الحملات بمواسم الصراع كما رافقت الأحداث المهمة التي لا تندرج تحت وصف الصراع المستحكم.

10 ـ كان فتح مكة ثم الطائف إعلاناً لهيمنة رسول الله السياسية والعسكرية على كامل الحجاز حاضرة العرب في جزيرة العرب، وإعلانا عن انتهاء الحرب الإعلامية المنظمة حيث دخل أهل مكة قاطبة في الدين الجديد.

11 ـ شهدت بعض المواسم فتوراً في الحملات الإعلامية الهجومية كعام الوفودالذي كان في السنة التاسعة للهجرة، إذ هو عام للدبلوماسية والظهور السياسي وانطفاء الثائرة الحربية وكانت المفاخرات هي موضوع الحملة لا الأهاجي.
 
12 ـ الهزيمة السياسية والعسكرية لا تعني الهزيمة الإعلامية، فلم تؤدّ هزيمة قريش في بدر إلى ضعف الحملة الإعلامية، بل ارتفعت إلى سقوف عالية من الطرفين مسّت الأنساب والأعراض بصورة لم يسبق لها مثيل، ولم تهدأ الحملة حتى هزيمة قريش في معركة الأحزاب، ثم بدأت بالانطفاء التدريجي حتى فتح مكة.

 

احتل شعر الحملات في العصر النبوي مكانة كبيرة في المشروع الإسلامي، وفي مقاومة هذا المشروع أيضاً لدى الطرف المقابل، كما أنه احتلّ حيزاً مهماً في الصراع السياسي والعسكري والفكري والثقافي بين الأطراف المتصارعة، ولم يكن الشعر هامشياً، بل كان في شريكاً أساسياً في هذا الصراع.

 



13 ـ العناية بالأنساب ظاهرة عربية قديمة نظراً لأهميتها في تكوين العصبيات القبلية، وتشكيل مقومات الوحدة في مواجهة الأعداء، وتنظيم بقاء الملكيات في القبيلة الواحدة وعدم تفتتها، وتكثيراً للعدد من خلال منظومة الولاء للأنساب الصريحة.

14 ـ طبيعة الحملة الإعلامية الإسلامية في البدء كانت دفاعية، لكنها اتخذت وتيرة هجومية عالية انطلاقاً من مربع الدفاع.

15 ـ لم يشرع النبي في استخدام الحملة الشعرية المعتمدة على الهجاء الجارح لأشخاصهم وأنسابهم ابتداءً، وإنما قام بتوجيه شعرائه بالرد عليهم بالمثل أولاً، ثم طوّر معركته الإعلامية بتنويع حملته، ودراسة الأشد تأثيراً في مضامينها، فوجد أن مثالب أنسابهم، ورميهم بما تكرههم العرب لأنسابهم ومنابتهم الجمعية أكثر ما يؤثر فيهم، وغضّ الطرفَ عن ارتفاع سقف الهجاء إذا ارتفع سقف هجاء العدو.

16 ـ تجلت الرسالة التي حكمت الرؤية العامة للحملات الشعرية في عصر النبوة في عنوانين عريضين هما : الانتصار للدعوة، وحماية أعراض المسلمين، وخرجت منها أهداف متعددة مثل: استعراض القدرات والإنجازات، و ضرب مكانة القيادات المعادية، و التأثير في التحالفات المضادة، ونشر التعاليم، وإبراز التضحيات وتمجيدها، و تصدير قيادات المسلمين وحلفائهم.

17 ـ ركزت الحملة القرشية على تشويه الصورة الإيجابية لرسول الله وأصحابه، بدافع الانتصار لموروث القبيلة المشترك وتقاليدها الراسخة، مستغلة موقع مكة التجاري وموسم الحج.

18 ـ أظهرت قريش قدرة كبيرة على مواجهة الحملة الإعلامية النبوية من خلال توسيع حربها الإعلامية، ومنع صدور أي موقف اجتماعي يظهر ضعفهم، أو تأثرهم بحملة المسلمين.

19 ـ كانت أعداد الشعراء المنتظمين في سلك الحملة القرشية المعادية لرسول الله  صلى الله عليه وسلم كبيراً، وهم شعراء محترفون كبار، بينما كان شعراء الحملة الإعلامية الإسلامية قليلاً لكنه مواكِبٌ وشديد الفعالية.

20 ـ وجود تنسيق رفيع بين صانع القرار السياسي والإداري، ومصادر المعلومات، والوسيلة الإعلامية، والقائم بالاتصال، يؤكد المركزية في أداء الحملة الشعرية في الحقبة النبوية من خلال اختصاصات محددة، مع مرونة عالية تكفل للشاعر حرية المبادرة، والسبق الإعلامي، والاجتهاد السياسي وتقديم الرأي الشخصي، وفق فهم عام للمنظومة العاملة وقِيَمها.

21 ـ ترتبط بهذه المنظومة شبكة من المتلقّين الذين يعملون تلقائياً في استقبال مادة الاتصال، ثم بثها، ونشرها في أوسع نطاق ممكن، من خلال منابر عامة كالمسجد الذي تحتشد فيه جماهير غفيرة من الناس.

22 ـ كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم يضع سياسات الحملة بنفسه، ويراقب تنفيذها؛ ويختار شعراء حملته بنفسه، ويختار المستهدفين بالحملة بنفسه، أو يوافق على مقترح الاستهداف؛ وهو الذي يختار موضوع الاستهداف العام، وارتفاع سقف هذا الاستهداف، وكان يتفاعل مع شعراء حملته بالتشجيع الدائم، ويعطي الحصانة لهم .

23 ـ غياب التشجيع الحسي الماديّ للشعراء القائمين بأمر الحملات فلم يكونوا يتقاضون أجوراً أو مكافآت مادية نظير انتظامهم في سلك الحملات، أما التشجيع المعنويّ فهو الأكثر حضوراً وظهوراً في التعامل النبوي، وكأن هذه الوظيفة هي التزام شعوريّ نفسيّ إيمانيّ من الشعراء القائمين بأمر الحملات.

24 ـ حملة حسان تركز على الهجاء بالأنساب الذي يتوجه إلى القبائل والشخصيات العربية باستهداف الآباء والأمهات معاً، إما بارتكاب الفاحشة، أو هجنة النسب بنكاح الإماء أو إدخال الأنساب في بعضها؛ بينما لا نجد لدى شعراء المسلمين أي هجاء بالأنساب جرى توجيهه ليهودي لعدم عناية اليهود بأنسابهم كالعرب، واعتبار العرب أن اليهودي لا تقدَّر قيمتُه الاجتماعية بنسبه، وكان الهجاء ينصب على التهديد والوعيد والتعريض والتصريح بالكفر بنبوة محمدوكفرهم بمفهوم كتابهم وحقيقة دعوته.

 

الهزيمة السياسية والعسكرية لا تعني الهزيمة الإعلامية، فلم تؤدّ هزيمة قريش في بدر إلى ضعف الحملة الإعلامية، بل ارتفعت إلى سقوف عالية من الطرفين مسّت الأنساب والأعراض بصورة لم يسبق لها مثيل، ولم تهدأ الحملة حتى هزيمة قريش في معركة الأحزاب، ثم بدأت بالانطفاء التدريجي حتى فتح مكة.

 



25 ـ الحملة الشعرية كانت تُعَدُّ من جملة الجهاد في سبيل الله لدى المسلمين.

26 ـ المسجد هو مقر الحملة الإعلامية الذي اختاره النبي صلى الله عليه وسلم.

27 ـ توافَرَ لحسان بن ثابت فريق معلومات محترف يزوده بمضامين الهجاء والفخر.

28 ـ منعُ رسول الله لرواية أشعار المخالفين واستهدافهم، كان لارتفاع سقفها المؤذي الذي استهدف عِرضَه كما أعراض المسلمين والمسلمات، وانضمام جرائم أخرى إلى قائليها، ودخولهم المباشر في الحملة العسكرية، وليس لمجرد الإعلان بالشعر المخالف.

29 ـ كان للحملات تأثير كبير في أطراف الصراع على المستوى السياسي والفكريّ والعسكري والجماهيري.

30 ـ شاركت المرأة في الحملات الإعلامية الشعرية على كل المستويات في إنشاء الحملة، وفي التعرض لها، وفي نقلها وإذاعتها، وفي التأثر بها.

31 ـ لم يفرّق حسان بين هجاء الرجال وهجاء النساء في تصويب الهدف لهن، بل إن هجاءه للمرأة كان أقسى وأعنف، ولم يكن الهجاء موجّهاً لها فحسب، بل إنه كان يتوجّه عبرها إلى أسرتها كأبيها أو زوجها أو أخيها أو ابنها.

32 ـ شارك اليهود والمنافقون بقوة في الحملة الإعلامية الشعرية المعادية للمسلمين بتنسيق مع حملة قريش، بالتركيز على إظهار شدة العداوة، والتعصب لدينهم ومعتقدهم.

33 ـ كانت مدة مقاومة اليهود السياسية والعسكرية والإعلامية للمسلمين في المدينة وما حولها لم تزد عن خمس سنوات اعتباراً من يوم بدر وحتى انتهاء معركة خيبر في المحرم من السنة السابعة للهجرة، وهي الغزوة التي أنهت الوجود السياسي لليهود في المدينة، وكانت المشاركة الأبرز لليهود في الحملة الشعرية المضادة للإسلام هي في صدر هذه السنوات الخمسة من خلال أبرز شعرائهم كعب بن الأشرف.

 

منعُ رسول الله لرواية أشعار المخالفين واستهدافهم، كان لارتفاع سقفها المؤذي الذي استهدف عِرضَه كما أعراض المسلمين والمسلمات، وانضمام جرائم أخرى إلى قائليها، ودخولهم المباشر في الحملة العسكرية، وليس لمجرد الإعلان بالشعر المخالف.


34 ـ ليس هناك معطيات حول بداية حملات المنافقين الإعلامية نظراً لحرصهم على إخفاء نفاقهم، لكن النفاق بدأ مع هجرة النبي، وانتهى عملياً بإعلان الظهور السياسي بفتح مكة، وإن كان هذا النفاق قد تضرر ضرراً بالغاً نتيجة سياسات المحاصرة الإعلامية والسياسية التي أدارها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة.

35 ـ يمتاز كبار شعراء الحملات ذوي الحضور الإعلامي الطاغي ولاسيما حسان بن ثابت بعنايتهم بالأجواء السابقة للحظة الإبداع الأدبي وميلاد النص، وما يرافق ذلك من سلوكيات تعبّر عن أهداف النص وشخصية الشاعر، وتعدّ هذه الطقوس جزءاً من النص نفسه والشخصية نفسها، وهي تسبق إنتاج النص وترافقه حتى ولادته؛ وعُرف عنهم عنايتهم بأداء تمثيليّ وتصويري يعطي صورة إعلامية نمطية صاخبة، وله طقوسه وممارساته الخاصة المأثورة عنه، وكل ذلك يعطي لشعره دعاية قوية تسبق الشعر نفسه، فيستغرق المتلقّي في النظر إلى المدى الذي سيصل إليه الشعر بالنظر إلى الدعاية السابقة له.

36 ـ بقي الافتخار القبلي قوي الحضور في أشعار الحملات لدى المسلمين وخصومهم على السواء.

37 ـ كانت مادة الهجاء في حملات الطرفين عنيفة جداً، استخدمت الفحش اللفظي والإقذاع والمس بالأعراض.

38 ـ تمتاز الحملة على قريش بوصفها رأس الحربة المعادية، بالقوة والعنف والتركيز والمباشرة، وكثافة الاستهداف، وكثرة قصائد الحملة، مصحوبة بمعاني السخرية اللاذعة والتحريض والتشفّي والتأبين التثويري وتكرار المعاني.

39 ـ تتجه مداخل الحملة على قريش وبطونها إلى من نوع الاستهلال الصداميّ الذي يفتتح الهجاء باتهامها باللؤم والذل والوضاعة والغدر والجبن في المواجهة.

40 ـ تجاهل حسان بن ثابت الهزائم والانكسارات التي تعرض لها المسلمون، وظل محافظاً على سياسة التركيز على جملة الانتصارات وقوة الضربات الإسلامية، مشيراً بسرعة إلى أن الانكسار هو مجرد جولة ستتبعها انتصارات.

 

تمتاز نصوص الحملة على الحلفاء بأنها قصيرة ومباشرة يسهل حفظها وتداولها وتؤدي غرضها الهجومي بسرعة؛ وتستخدم استهلالات تشتمل على روابط توصل لك رسالة تفيد بأنها جزء من حملة متصلة بغيرها مثل أن يستخدم حروف العطف في المطالع أو يستخدم أسلوباً طلبياً كالأمر والنهي؛ ويتداخل العنف المضموني فيها مع مستويات سخرية عالية مصحوبة بتهديد ووعيد شديدين وإعلان الاستعداد للانتقام.

 



41 ـ حملة حسان بن ثابت على شعراء الحملات المضادة لاسيما من قريش، كانت من أعنف الحملات وأقواها شكلاً ومضموناً فتجد هذه الحملة بلا سقوف ولا ضوابط، سوى ضابط واحد وهو ألا يُمسّ نسب رسول الله  صلى الله عليه وسلم؛ ويعود الهجوم على الأنساب عنيفاً حاسماً لا يقبل الجدال في ادعاء هجنة نسبهم جميعاً، يرافق ذلك شتم عريض لكل ما فيهم من خير مدّعَى أو شر مظنون، إضافة إلى استعراض القوة البيانية والعسكرية؛ وتمتاز في حجمها بالقصر الشديد، والفخامة الأسلوبية. 

42 ـ راعت حملة حسان بن ثابت مسألة اشتراك نسب بعض المستهدفين مع رسول الله فحوّل الاستهدافَ من الآباء إلى الأمهات اللواتي لا يشتركن في نسب رسول الله أو نسب آبائه، أو ركز على مثالب القرابات الشخصية التي لا تمت للنسب.

43 ـ راعت حملة حسان أيضاً قرب بعض المستهدفين من بعض كبار الصحابة فلم يشدد الحملة عليهم، فلم يكثر المعاني والتصاوير والنصوص فيها.

44 ـ راعت حملة حسان بن ثابت كذلك بعض المستهدفين الذين كانت لهم أيادي بيضاء في بعض المحطات الصعبة في تاريخ الدعوة الإسلامية، فلم يركز الهجوم، واكتفى بالتعيير والتعريض العام.

45 ـ تركّزت حملة حسان على حلفاء قريش في الأساس على تهديدهم، واحتقارهم، والتهوين من أمرهم، واتهامهم بالغدر واللؤم والجبن.

46 ـ ظهر لي قلة استخدام الأنساب والتعريض بها في مادة الهجوم على حلفاء قريش، نظراً لقلة المعلومات المتوفرة لدى حسان عن هذه القبائل وأنسابها.

47 ـ ظهر لي قلة القصائد الموجهة للحلفاء مقارنة بالقصائد التي وجهها حسان لقريش وبطونها وساداتها؛ وكان استهدافهم بالحملة إثر مواقف كبيرة أسندوا فيها قريشاً بدعم كبير تطلبت إعلان حرب على هذه القبائل وساداتها في المستويين العسكري والإعلامي.

48 ـ تمتاز نصوص الحملة على الحلفاء بأنها قصيرة ومباشرة يسهل حفظها وتداولها وتؤدي غرضها الهجومي بسرعة؛ وتستخدم استهلالات تشتمل على روابط توصل لك رسالة تفيد بأنها جزء من حملة متصلة بغيرها مثل أن يستخدم حروف العطف في المطالع أو يستخدم أسلوباً طلبياً كالأمر والنهي؛ ويتداخل العنف المضموني فيها مع مستويات سخرية عالية مصحوبة بتهديد ووعيد شديدين وإعلان الاستعداد للانتقام. 

49 ـ المقطوعات القصيرة هي من قبيل قصائد الومضة التي تعطي المعنى المدهش للمتلقّي، بحيث يستخدم الشاعر منظومة صغيرة يرسم فيها الشاعر رسالة مكثّفة وموحية تصل إلى المتلقي بأسرع وقت، ويمكن تشبيهها بالتوقيعات التي يلخّص فيها المرسِل رسالته بحيث ترسم العلامة أو الإشارة وتترك البصمة باقتصاد لغويّ غير مغلق المعاني. 

50 ـ تمتاز المعاني في المقطوعات القصيرة بالسرعة، وأنها بلا عمق، وتجنح نحو المباشرة والسطحية اللاذعة، وتنبني على الارتجال ولاسيما في الأحداث الطارئة المفاجئة التي ينبغي تسجيل موقف سريع لها. وهذا الحجم القصير هو بمثابة الأداة والهدف المعبرين عن حالة واحدة أو حدث واحد.

51 ـ التصوير في الخطاب الشعري عند حسان يراعي الواقعية والحسيّة، وذلك لأنه يريد تقريب المشهد وتوضيحه لا إغماضه وتبعيده، وهذا التقريب والتوضيح يؤدي إلى بدء التعاون بين المرسِل والجمهور والشروع في إنشاء عملية التأثير ويمهّد لانقياد المخاطب أو يمهّد لتنفيره ؛ وفي مستويات السخرية تتحول الصورة عند حسان إلى صورة حركية ساخرة، وهي إما صورة سريعة وإما مركبة تعتمد عنصر التمثيل والتشبيه المتعدد.

52 ـ حملة حسان بن ثابت على الخارجين عن الصف الإسلامي والمنافقين كانت قليلة الحضور من حيث العدد والحجم، لكنها كانت عنيفة ومباشرة.
53 ـ حملة حسان بن ثابت الموجهة لليهود تتصف أبياتها بالقصر الشديد، مع تركيز كبير، وتراجع أسلوبيّ، وهي ذات موضوع واحد من المطلع إلى المختتم؛ لكنها مستواها ليس عنيفاً رغم أسلوبها الهجومي.

54 ـ امتازت حملات المفاخرات الكبرى لدى حسان باستهلالاتها الطويلة مبنىً ومعنىً، وأسلوبها الاستعراضيّ العالي الرفيع، وبروز الفخر بالجانب الشخصي والقبلي فيها، بالتوازي مع الجانب الإيماني والدعائي، وانخفاض مستوى الهجاء بأنواعه كثيراً.

55 ـ استخدم حسان التصوير الحركي والساكن ببراعة لخدمة المعاني وتقريرها وتثبيتها في النفوس من خلال التقريب بالصورة.

56 ـ استخدم حسان في حملته البحور المتوسطة والطويلة أكثر من البحور القصيرة لاستيعاب أكبر قدر من المعاني في أبيات قليلة، مما يعني وصول أكبر قدر من الرسائل المضغوطة إلى المتلقين.

57 ـ تحولت مقطوعات حسان القصيرة، وبعض أبياته الفريدة في المطولات إلى أيقونات تحوّلت إلى جمل شعبية تتردد في أوساط الجماهير كانت أشبه ما تكون بالهتافات والترجيعات الجماعية والتهليلات والتلبيات.

58 ـ بالنظر إلى ارتفاع سقف الحملة عند حسان بن ثابت فقد جعل ذلك شعره شعراً ثوريّاً شعبيّاً قريباً من الشارع والجمهور وهذا من أسرار قوة حملته.

59 ـ معظم نصوص حملة حسان تترافق مع الأحداث، لذلك تأتي دفعة واحدة، فتستلزم قدراً عالياً من التلقائية والارتجال واستحضار المعاني.

60 ـ قانون الصدق ليس مطلوباً في شعر الحملات فيكفي فيه مجرد الإشاعة أو الادّعاء لتشكيل البناء الموضوعي.

 

إقرأ أيضا: إدارة الإعلام كما ترويها السيرة النبوية.. قراءة في كتاب (1من2)

التعليقات (0)