كتب

مفهوم السلم والحرب في التاريخ والأديان وعلاقات الدول (3من3)

توفيق المديني: احتمال تصادم الحضارات قد يكون بسبب مركب (مادي وقيمي) أو بسبب مادي (فيسبوك)
توفيق المديني: احتمال تصادم الحضارات قد يكون بسبب مركب (مادي وقيمي) أو بسبب مادي (فيسبوك)

الكتاب: ميزان السّلم و الحرب.. دراسة مقارنة لمفهوم السلم والحرب في التاريخ والأديان ووثائق الأمم المتحدة
الكاتب: الدكتور الأرقم الزعبي
الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، الطبعة الأولى  2020.
(327 صفحة من القطع الكبير).


يواصل الكاتب والباحث التونسي توفيق المديني استعراض مفهومي الحرب والسلام في التاريخ والأديان، من خلال الجزء الأخير لقراءته كتاب "ميزان السّلم و الحرب.. دراسة مقارنة لمفهوم السلم والحرب في التاريخ والأديان ووثائق الأمم المتحدة" للكاتب السوري الدكتور الأرقم الزعبي، والصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب مطلع العام الجاري.

محددات الحرب والسلم في العلاقات الدولية

ثمة اتجاهات عديدة تفسر العلاقة بين الدول زمن السلم أو الحرب يمكن توزيعها إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية.

الاتجاه الأول: يفسر العلاقة بين الدول على أساس تأثرها بخلافات الماضي، والخصومات التاريخية "القوى التاريخية" والآثار الناتجة عن هذه الخصومات "العواطف ـ الروح الوطنية ـ الحماسة ـ التعصب ـ الهزيمة ـ النصر، غالباً ما تبقى راسخة في ذاكرة الشعوب يلقنها المعلمون للطلاب، ويشجع على حفظها وترسيخها واستثمارها الآباء والأمهات.

الاتجاه الثاني: هو الاتجاه الذي يقول: إنَّ المصلحة والواقع وقلق المستقبل "القوى المادية" هي ضوابط العلاقات بين الدول، فالدول عندما تدرك أين تقع مصالحها تسارع إلى تناسي الخلافات بينها وإعادة النظر بحساباتها على قاعدة ضمان مصالحها، وعلى هذا الأساس يمكن أن يكون أعداء الأمس أصدقاء اليوم، وأصدقاء اليوم أعداء الغد.. ويمكن تفسير حركة التقلبات المتسارعة للعلاقات الدولية والتغير الدائم في سياسة الولاء والعداء بين الدول.. وعندما تنتفي المصلحة في إقامة الوفاق أو السلام بين دولتين أو أكثر سرعان ما تسارع هذه الدول إلى استثمار العداء التاريخي بكل وجوهه الدينية والاقتصادية والجغرافية أو القومية.. والعكس صحيح أيضاً فعندما يكون السلام يحقق المصلحة بين دولتين أو أكثر فإن هذه الدول تسارع إلى إخماد العامل التاريخي ولو إلى حين.

الاتجاه الثالث: وهو الاتجاه الأهم، لكونه يمثل اتجاه العصر الذي نعيش، ويتجسد بتركيب الاتجاهين السابقين "القوى التاريخية والمادية" واستثمارها معاً بعد تعظيم دور عنصر قوة الدولة أو ضعفها في تحديد العلاقة بين دولة وأخرى، وهو ما نسميه "القوى الاستراتيجية المركبة أو الكلية". فقديماً كانت الحرب تخاض بقليل من التحضير والقليل القليل من دراسة نتائجها مسابقاً.. الملك يقرر والجيش يحارب باسم الملك وبركة الرب باندفاع وحماسة من دون النظر للنتائج.. وهو ما يمكن أن نقول عنه أسلوباً لم يعد معمولاً به اليوم.. 

في بحثه القيم، يتناول الباحث الأرقم الزعبي قضية الحرب والسلم، أو العلاقة بين الدول وفق المنظور الثالث "الاتجاه المركب" لاقتناعنا بأهميته واختزانه لجملة أسباب تساعد في دراسة قضية السلم والحرب.

فيقول: "نقصد بعبارة ميزان السلم والحرب في العلاقات الدولية ميزان الحقيقة ميزان الواقع أي ما هو كان وما سيكون فعلاً، وبالتالي يمكن اختباره على أرض الواقع. وسنبتعد في هذا الفصل عن الميزان المثالي الذي درسناه في الفصل الأول، الذي غالباً ما تنشده الأديان والأخلاق والقيم، ويعيش في ذهن الفلسفة، ورجال الدين والشعراء وفعلهم.. ولا يلقى تسويقاً ورواجاً عند صناع القرار الذين يتمسكون بالأرض أكثر من السماء، هؤلاء الذين يعيشون القضايا من الداخل بكل أبعادها وجوهرها العقلي والبحث بمادية كاملة.. والواقع الذي يقرر استقلال الدولة وحرية إرادتها هي القوة.. والقوة التي نقصدها هي محصلة لعوامل عديدة منها:

1 ـ الموقع الجغرافي للدولة (المساحة ـ تنوع المناخ ـ المنفذ البحري...).

2 ـ القدرة الطبيعية لإنتاجها واستغلالها لممتلكاتها وقدرتها على تخزين مواردها الطبيعية زمن الوفرة والاتجار بها زمن الندرة.

3 ـ عدد السكان والمخزون التاريخي والديني والنفسي المدون في سجلاتها التاريخية ومقدرة الدولة على استثمار هذا المخزون.

4 ـ مقدار ما تتركه الدولة من احتياطي للأجيال القادمة، مما يحافظ على استمرارية قوتها.

5 ـ كفالة النمو واستمرارية النمو العلمي والاقتصادي والإنتاجي في المجالات كافة مما يؤمن استمرار القوة ويلبي الحاجة المتزايدة في المجالات كافة (ص 131 من الكتاب).

الحرب وتأريخ قوانينها

"قانون الحرب أو القانون الدولي الإنساني"، "لما كانت الحرب تبتدئ في عقول الرجال ففي عقول الرجال يجب أن تبنى حصون الدفاع عن السلام"، من"ميثاق اليونسكو".

الحرب هي الحالة القانونية التي ينظمها القانون الدولي والناجمة عن صراع مسلح بين الدول بقصد فرض إحداها أو مجموعة منها وجهة نظرها بالقوة على الدولة أو الدول الأخرى. والحرب في الاصطلاح الدولي صراع مسلح بين دولتين، أو فريقين من الدول.. والحرب من حيث الواقع حالة قانونية معترف بإمكان قيامها.. ومن الشائع تقسيم الحرب إلى مشروعة، وغير مشروعة.

وينظم العلاقات بين الدول المتحاربة وغير المتحاربة كما المحايدة ما يعرف بقانون الحرب، وهو مجموعة من القواعد قامت على أساس العرف، وسلسلة من الاتفاقيات الدولية والمبادئ أقرتها (أخيراً) المنظمات الدولية..

تقول الموسوعة البريطانية في المجلد 19، (ص 538): "إن قوانين الحرب هي القوانين التي تنظم العلاقة بين الدول في أثناء الحرب، وعلاقة الدول مع القوى المحايدة، وهذه القوانين تفرض إذا كانت الحرب معلنة أم غير معلنة.. وهناك جزء من قوانين الحرب تصف حقوق وواجبات الأفراد المشمولين بالحرب.. وقد تطورت هذه القوانين من علاقة حرب بين دولة وأخرى إلى تنظيم الحرب الداخلية وتحديد تعريفها وإمكانية تدخل الهيئات الدولية فيها، وتجد ذلك أولاً في المادة الثالثة من مقررات جنيف لعام 1949 الذي يصف شرائع الحروب داخل الأمم"..

الحروب المستقبلية:

يعدِّد الباحث الأرقم الزعبي عناوين كثيرة لحروب المستقبل، ومنها:

ـ حرب القيم وتصادم الحضارات.
ـ حرب تأمين الموارد بأنواعها (البشرية ـ الطبيعية) وأهمها المياه والنفط. 
ـ حرب الاقتصاد، وتأمين الأسواق الاستثمارية، ولاسيما حرب ما يعرف بالاقتصاد الجديد "الصناعات الإلكترونية والبرمجيات".
ـ حرب بسبب اتساع دائرة الجياع والفقراء المترافقة مع فقدان الحب وندرة ألعاب الأطفال وانتشار ظاهرة عسكرة الطفولة والأمومة.. وأثر أدوات الثقافة "التلفاز والمجلات".. في نشر العنف والجريمة والتحريض عليها.. بالمقابل ضيق دائرة المتخمين وانغلاقها.. وتعاظم الهوة والتباين بين فقراء العالم وأغنيائه وذوبان الطبقة المتوسطة.. 
ـ الحرب من أجل فوائد الحرب، والسلام من أجل فوائد السلام لا حباً بالسلام، السلام يؤمن ازدهار تجارة السلام ويؤسس لتجارة زمن الحرب، والحرب تؤمن ازدهار تجارة الحرب وتؤسس لتجارة زمن السلام، المحرك لكليهما المصلحة.
ـ الحرب واحتمالات التكرار التاريخي أو بسبب الحتمية التاريخية المتجسدة بانهيار أمة مقابل نشوء أمة.. واستمرار مبدأ الحلول.. على رأي "شبنغلر Spengler" في كتابه انحطاط الغرب إن كل مدينة تأتي لا تلبث أن تذهب.. "ومن قبله" قال بهذا ابن خلدون في مقدمته..
ـ الحرب بسبب انتشار المافيا الدولية المنظمة والمتعاونة فيما بينها، والقرصنة على أسرار صناعة الأسلحة وإمكانية التحكم باستخدامها ولاسيما النووية منها عن طريق الدخول على المنظومة البرمجية لاستخدام الأسلحة النووية 
ـ حروب يصنعها صناع الحروب "المؤسسات الإعلامية الكبيرة ـ رجال المال ـ تجار الأسلحة ـ مراكز البحوث الاستراتيجية.. المرتبط عملها أصلاً بالتمويل وحركة التحالفات الدولية، وعندما تنتفي المصلحة الاقتصادية للتحالفات تشن الحروب على الأصدقاء قبل الأعداء المفترضين ويجد صناع الحرب عناوين ودراسات ومبررات لفك التحالفات ولو كانت دموية.
ـ حروب بسبب الكوارث الطبيعية "التصحر ـ التبخر ـ الزلازل والبراكين.." وهي أسباب غير متوقعة تؤدي إلى تغيير محتمل في موازين الاستقرار والحاجة إلى البحث عن بدائل.. 


في حرب القيم وتصادم الحضارات، يقول الباحث الأرقم الزعبي "..إنَّ الحضارة مصطلح يشمل مجمل المنظومة الفكرية والقيمية والقانونية والدينية والثقافية لمجتمع ما والملامح الملامح المادية لهذه المنظومة خلال زمن محدد ومكان محدد.... وبالتالي فإن احتمال تصادم الحضارات قد يكون بسبب مركب (مادي وقيمي) أو بسبب مادي.. البحث عن عناصر تغني الشكل المادي لحضارة مجتمع ما موجودة في مجتمع آخر والمطلوب الحصول عليها إما بالاتفاق أو بالقهر. أو تصطدم الحضارات لأسباب قيمية وفكرية ولغاية مادية تحت ستار تصدير المنظومة القيمية لمجتمع ما بتكليف إلهي، كما هو الحال في الحروب الدينية- أو بتكليف عقائدي حزبي كما جرى عند محاولة نشر الشيوعية الأممية زمن الاتحاد السوفييتي السابق، ونشر مفاهيم الرأسمالية بالقوة تارة وبإقناع تارة أخرى(ص 171 من الكتاب)..

وغالباً ما يترافق الصدام الفكري والقيمي مع ترسيخ المنتج المادي والقيمي للرابح في هذا التصادم تماماً مثلما حلت اللغة العربية أو الكتابة بالحرف العربي مكان لغة بعض الشعوب وحروفها التي اعتنقت الإسلام وانتشرت ملامح العمارة الإسلامية ونمط حياة المجتمع الإسلامي فيها.أو مثلما تحولت الدول التي دارت بفلك السوفييتية إلى دول مستهلكة للمنتج الشيوعي القيمي والمادي "العدد الأدوات ـ ملامح العمران ـ تسييس الثقافة والإعلام- نظام الحزب الشمولي أو الواحد وطرق الحكم والانتخابات المحسومة نتائجها دوماً.. والأمر ذاته يمكن تحسبه على الدول التي انهزمت أمام المد الرأسمالي قيماً ومادياً.. أو كما يجري اليوم محاولة "أمركة العالم"..

وإذا كانت ظاهرة صدام الحضارات ظاهرة قديمة قدم وجود الإنسان على الأرض فإنها اليوم تأخذ منحىً آخر أكثر خطورة عشية القضاء شبه النهائي على الشيوعية والانفراد بقيادة العالم من قبل الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية انفراداً يعززه تفوق عناصر القوة للمعسكر الرأسمالي الاقتصاد القوي ولاسيما وجود مدخرات تساعد على الاستثمار ـ الإعلام ـ قوة التعليم ـ حجم المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الدولة ـ الإعلام ـ التقنيات ـ الفارق الشاسع بين الذين يملكون التكنولوجيا والذين لا يملكون وسائل الاتصالات ودقة المراقبة وتوفير المعلومات ـ الصناعات البرمجية "وتأكيد مفاهيم فعالة لما يعرف "بالعولمة الرأسمالية المتوحشة". 

 

إقرأ أيضا: مفهوم السلم والحرب في التاريخ والأديان وعلاقات الدول (1من3)

 

إقرأ أيضا: مفهوم السلم والحرب في التاريخ والأديان وعلاقات الدول (2من3) 

التعليقات (1)
فاطمة الزهراء
الأحد، 23-05-2021 09:31 م
أعجبني