تقارير

حي العجمي.. أقدم وأشهر أحياء مدينة يافا القديمة

يحمل من غادر يافا إلى الشتات الفلسطيني ذكريات وحكايات عن حي العجمي الشهير في فلسطين
يحمل من غادر يافا إلى الشتات الفلسطيني ذكريات وحكايات عن حي العجمي الشهير في فلسطين

اكتسب الحي اسمه من الشيخ إبراهيم العجمي الذي كان مقامه في هذا الحي ويعتقد البعض أنه صحابي. وتعد منطقة العجمي بيافا القديمة نقطة جاذبة للمستثمرين، لإطلالتها على البحر والشاطئ الفلسطيني، ولأنها تضم مباني سكنية تعود بحقبتها الزمنية إلى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.


يحتوي الحي على مبان وبيوت تعود إلى الفترة العثمانية، لكن فيه أيضا بيوت جديدة بنيت باكتظاظ شديد، وتعج الشوارع في الحي بالدكاكين والمطاعم.

وبعد حرب 1948 أصبح حي العجمي حيا فقيرا ومهملا لوجود غالبية عربية لكن الحي عاد ولفت الانتباه إليه من جديد بعد أن ترشح "فيلم عجمي" لجائزة الأوسكار عام 2009، الفيلم الذي يحكي قصص السكان في الحي، ويكشف الحقيقة الأساسية التي تجذب المستثمرين للحي القديم التي تكمن في أن الإسرائيليين الأثرياء يطمحون إلى تشريد العرب الفقراء من تلك المنطقة.

 

 


ويواجه أقدم أحياء مدينة يافا عملية تهجير صامتة ويكاد أن يلفظ أنفاسه العربية الأخيرة أمام البحر الذي يقف عاجزا مع أصوات الأمواج المتلاطمة.

ويقع حي العجمي على تلة مرتفعة قليلا عن وسط مدينة يافا القديمة ويعتبر شارع العجمي من أطول شوارع مدينة يافا، وتتفرع منه شوارع ومحلات ومن مجمع شرطة الانتداب البريطاني (البركس) والمستشفى الفرنسي حتى موقع "تلة العرقتنجي" و"محل دولة".

يمتد شارع العجمي إلى شارع "كرم الزيتون" وشارع "الحلوة" حتى يقترب من بقعة شهداء مرحلة الاحتلال الفرنسي التي تقع أمامها "صخرة آدم" والواقعة اليوم في مستعمرة "بيت يام" اليهودية ومنطقة المقابر وعند تقاطع "محل دولة" ينحرف يمينا حتى "صيدلية صيدح" ويسير الشارع بعد أن يضيق قليلا ويطلق عليه أيضا شارع العجمي أو شارع شجر الكافور (الكينات) ومن تلك المناطق القديمة يستمر حتى المستشفى البلدي و"الكرنتينا" و"حي الجبالية" وينتهي في منطقة المقابر من الناحية الغربية ثم يعود يلتف يسارا ليلتقي "شارع الحلوة" و"كرم الزيتون".
  
وتتوسط الأحياء الأزقة القديمة بالحي منطقة الأهاوي (المقاهي) وتتفرع منها عدة شوارع غربا وشرقا ثم "قهوة أحميد" و"المستشفى البلدي" و"سينما ابولو" ثم "نادي التنس" وعمارة "الشيخ علي الخضراء" التي حولها جيش الاحتلال إلى مركز المخابرات العسكرية و"بيارة المفتي".
 
وكانت تحيط في حي العجمي بيارات البرتقال بمنطقة "الحلوة" و"المفتي" واشتهر برتقالها بحلاوة مذاقه ولهذا سمي الحي هناك بـ"حي الحلوة" أما في "تلة العرقتنجي" وكذلك "تلة الصوابيني" فتضم عددا من المنازل الحديثة والفلل.

امتاز حي العجمي باتساع مساحته وتنوع مبانيه القديمة والحديثة والشوارع الواسعة بجانب الأزقة والشوارع الضيقة، وعلى طول المسافة وعن يمين الشارع الرئيسي يقع امتداد ساحل البحر بشواطئه الجميلة وأماكن الترفيه الصيفية.

 


 
أما سكان حي العجمي فهم مزيج من المسلمين والمسيحيين وفي جزء آخر من الحي يسكن العرب واليهود، وجميع العائلات الفلسطينية كانت من سكانه الأصليين أو المنتقلين من باقي أحياء يافا بسبب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

 وكان يقام في حي العجمي احتفال سنوي بـ"يوم أيـــوب" وهو أحد المواسم التي أنشأها السلطان الفاتح صلاح الدين الأيوبي ومثلها موسم "النبي داود" و"النبي صالح" بجانب احتفالات أخرى في منطقة غزة وشمال فلسطين.

وصمد حي العجمي منذ احتلال المدينة عام 1948، إذ تحول إلى ملاذ لفلسطينيي يافا الذين صمدوا خلال الحرب، وعنوانهم الأول، حتى تجمع كافة المواطنين العرب داخله.

 



ويرتبط حي العجمي بالنكبة الفلسطينية ارتباطا قويا ويفضح ممارسة المحتل العنصرية، فبعد تهجير معظم أهله والقيام بعملية التطهير العرقي في المنطقة، قام المحتل بتجميع الفلسطينيين الناجين من يافا وضواحيها وسجنهم في حي العجمي وإحاطته بسياج شائك لا يسمح لأي فلسطيني أو فلسطينية الخروج منه إلا بإذن من الحاكم العسكري. ومن المدهش أن اليهود وقتها أسموا حي العجمي في تلك الفترة بـ"الغيتو" لتشابه الوضع فيه بحالة أحياء اليهود في أوروبا تحت الحكم النازي.

وشهدت مدينة يافا وحي العجمي معارك ضارية مع العصابات الصهيونية المدججة بالأسلحة، والتي شكلت بعد ذلك نواة الجيش الإسرائيلي، وسقط في الدفاع عن الوجود العربي في المدينة مئات الشهداء.

وكان حي العجمي في العقدين الأخيرين، عربيا نقيا، ومع مرور الزمن وبفعل مخططات الاحتلال، بدأت علامات "التهويد" تظهر جلية مكرسة هوية جديدة له من قبل السلطات الإسرائيلية حتى أصبح العرب فيه أقلية كواقع وجودهم في سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتشهد يافا داخل أراضي فلسطين 48 عمليات تهويد وتهجير صامت للسكان الأصليين العرب، الذين يواجهون مشاريع تهويد قديمة جديدة ويسعون لإحباطها بالاحتجاجات الشعبية.

وقد ضمت المدينة عام 1950 إلى مدينة تل أبيب وصارت ملحقا مهمشا لها، بعدما كانت الصورة معكوسة حتى النكبة عام 1948. ويواجه الشباب العرب في المدينة أزمة سكن خانقة تدفع أعدادا متزايدة منهم لمغادرة المدينة نحو مناطق أخرى.

وللإجهاز على مدينة يافا وتهويدها، قرر الاحتلال بيع أملاك اللاجئين الفلسطينيين التابعة رسميا لما يعرف باسم "دائرة أراضي إسرائيل"، في إطار مشروع قانون لخصخصة الأملاك العامة. 

ويرمز حي العجمي لدى الفلسطينيين إلى مراحل هامة في حياتهم، فأغلب الفلسطينيين بيافا ولدوا فيه وقضوا طفولتهم، ما يجعل للحي قيمة عالية لديهم كون ذكرياتهم فيه.

ويحمل الحي طابعا عربيا حضاريا وتراثيا واضحا، رغم مرور 72 عاما على احتلال يافا ونكبة فلسطين، وما زال حتى الآن صامدا أمام "التهويد" الذي طال مناطق أخرى في المدينة العريقة، مثل شارع "النزهة" وشارع "الملك فيصل" وشارع "الحلوة"، الذي بنى الاحتلال فيه 20 وحدة استيطانية، حيث منح الاحتلال هذه المناطق أسماء عبرية بعد أن كانت تشكل خصوصية كبيرة للفلسطينيين في المدينة.

ويحمل من غادر يافا إلى الشتات الفلسطيني ذكريات وحكايات عاشوا تفاصيلها في هذا الحي الشهير في فلسطين بدايات القرن الماضي. 

 

 

التعليقات (0)