صحافة دولية

WP: الإصلاح الإسلامي يكون بتحدي المؤسسات وليس بشيطنة المسلمين

فيشر: ساعدت عقود من التدهور الاقتصادي والسياسي والتدخلات الخارجية إلى جانب الدعم السعودي في نمو الفكر السلفي
فيشر: ساعدت عقود من التدهور الاقتصادي والسياسي والتدخلات الخارجية إلى جانب الدعم السعودي في نمو الفكر السلفي

سلط مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الضوء على خطط الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لما يصفه بـ"تنظيم الإسلام".

وقال عزالدين فشير في المقال الذي ترجمته "عربي21" إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن في وقت سابق من هذا الشهر، عن خطط لتنظيم الإسلام في فرنسا وتضييق الخناق على ما يسمى بالانفصالية الإسلامية. وقد أثار بيانه انتقادات على الفور، ما أدى إلى حجب مسألة أعمق.

ويعتقد فيشر أن الأحداث الأخيرة تؤكد الحاجة إلى قراءة إصلاحية للمفاهيم الإسلامية، ويضيف: "لكن مثل هذا الإصلاح لن يتم من خلال وصم الإسلام أو المجتمعات المسلمة، كما فعل الرئيس الفرنسي. المطلوب هو تحدي المؤسسات الإسلامية لاتخاذ موقف واضح من الفقه الذي يبرر العنف".

"ولم يكن من المفترض أن يكون خطاب ماكرون في 2 تشرين الأول/ أكتوبر انتقادا للإسلام. بل كان بيانا سياسيا حول قمع التأثير "الإسلامي الراديكالي" بين المسلمين الفرنسيين لمنع تحولهم إلى مجتمع "مناهض للجمهورية". ومع ذلك، فإن ملاحظة ماكرون الغريبة بأن الإسلام "يمر بأزمة في جميع أنحاء العالم اليوم" حظيت على نحو غير مفاجئ بالجزء الأكبر من الاهتمام في الشرق الأوسط، وكان الرد سريعا" يقول فيشر.

وارتفعت أصوات لا تحصى في الشرق الأوسط وخارجه بشجب التحيز الفرنسي ضد المسلمين، سواء الآن أو خلال ماضيها الاستعماري، وحذرت من أن تصريحات ماكرون ستؤدي إلى رد فعل يميني متطرف مناهض للمسلمين. وانتقد الأزهر، المرجع الديني الرائد في مصر، "خطاب الكراهية العنصري" لماكرون الذي من شأنه "تأجيج مشاعر ملياري مسلم" حول العالم، و"يقطع الطريق أمام الحوار البناء". ولم يفوت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الفرصة للتقليل من شأن خصمه الفرنسي بعبارات مثل "وقاحة وتجاوز لكل الحدود" و"استفزاز واضح" و"مثل حاكم استعماري".

ووفق الكاتب فقد "تحول ما كان من المفترض أن يكون نقاشا حول محاربة المتطرفين الإسلاميين في فرنسا إلى احتجاج على "قيام ماكرون بوصم الإسلام". وضاعت أصوات المسلمين الأكثر دقة في الضوضاء".

ولم يطغ فشل ماكرون الذريع على مشكلة العنف باسم الإسلام لفترة طويلة. فجاء قطع رأس المدرس، صمويل باتي، في 16 تشرين أول/ أكتوبر بعد أن عرض على طلابه صورا كاريكاتورية مسيئة لنبي الإسلام، بمثابة تذكير فظ بالمشكلة.

استنكر الكاتب أن يوصف الحادث بأنه "عمل فردي"، زاعما أن ذلك "لم يعد مقنعا... ولا استحضار فظائع الفرنسيين في الجزائر قبل نصف قرن" (مقنع أيضا). ويقول: "مشكلة العنف بدافع تفسير معين للإسلام مشكلة حقيقية".

وبحسب فهم الكاتب فإن "لب المشكلة في التقليد السلفي الإسلامي يكمن في ثلاث مقدمات رئيسية؛ أولا، فكرة أن السيادة على الأرض هي لله، وليس للناس، وهذا يقيد دور الهيئات التشريعية في سن التشريعات الإسلامية، وهو ما يُفهم أيضا في تفسيره الأكثر حرفية والحكام الذين لا يتمسكون بهذا المبدأ يعتبرون وثنيين. ثانيا، يُعاقب المرتد عن الإسلام بالإعدام، ويمكن اعتبار من لديه تفسير مختلف للدين عنهم مرتدا. ثالثًا، عندما يفشل القادة المسلمون في سن هذه القوانين، فإن على المسلمين الأفراد، في ظل ظروف معينة، واجب تنفيذها بأنفسهم".

يعتقد الكاتب أن "هذه التفسيرات للإسلام هي أساس معظم العنف باسمه، منذ أن كتب العالم المصري سيد قطب دعوته للجهاد منذ أكثر من نصف قرن، وصولاً إلى تنظيم الدولة الإسلامية و"الذئاب المنفردة" الذين يعاقبون من يهين الإسلام بعنف اليوم".

ولا يرى الكاتب فائدة من "تنديد المؤسسات الإسلامية مثل الأزهر بهذا العنف (لأنها) تصر على أن مرتكبيه لا يمثلون "الإسلام الحقيقي"، كما فعل مفتي مصر مؤخرا. ويرى الكاتب أن تلك المؤسسات "نادرا ما تعالج الأسس الفكرية لهذه التفسيرات العدوانية للنصوص الإسلامية".

ويؤكد الكاتب أنه "لطالما دعا المفكرون الإسلاميون المستقلون إلى مزيد من القراءات المتسامحة للإسلام وقوانينه وعلاقته بغير المسلمين. من محمد عبده في القرن التاسع عشر إلى نصر أبو زيد ومحمد أركون وكثيرين غيرهم مؤخرا، قام المفكرون بمراجعة نقدية للفقه الإسلامي لإظهار تأكيده على العقل والحرية الفردية والمساواة. ولكن المؤسسات والحركات الدينية لم تحذ حذوهم. بينما احتاط القادة السياسيون، بما فيهم قادة ما تسمى بالأنظمة العلمانية، وسلكوا طريقا ضيقا بين الإصلاحيين والسلفيين. وساعدت عقود من التدهور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، والتعديات الخارجية والتدخلات العسكرية، إلى جانب الدعم السعودي، في نمو الفكر السلفي. فلم يعد الفكر السلفي اليوم هامشيًا بل اخترق المؤسسات الدينية السائدة وكذلك الحركات الإسلامية التي بدأت كحداثية، مثل جماعة الإخوان المسلمين".

ويعتقد الكاتب أنه "يجب على المهتمين بالترويج لرؤية إصلاحية للإسلام أن يتحدوا أسس السلفية داخل هذه المؤسسات والحركات - وليس الإسلام ككل، كما فعل ماكرون، ولا الأقليات المسلمة الموصومة والتي تكافح العنصرية والتمييز في البلدان الغربية".

بدلاً من ذلك، يقول الكاتب: "يجب الضغط على المؤسسات والحركات الإسلامية للتوصل إلى إجابات لا لبس فيها على الأسئلة الرئيسية التي تطرحها السلفية: هل تفسيرهم لـ "الإسلام الحقيقي" يسمح للمسلمين باستخدام العنف ضد الآخرين؟ هل يسمح للمسلمين بدعم المؤسسات السياسية الحديثة وقوانينها؟ هل يسمح للمسلمين بالعيش بسلام مع من يعتبرونهم مرتدين أو كفارا؟".

ويختم الكاتب مقاله بالقول: "إن تحدي هذه المؤسسات والحركات سيساعد، ولن يقوض، الحوار بين المسلمين حول ماهية الإسلام - الحوار الذي سيشكل مستقبل الإسلام".

 

اقرأ أيضا: غضب عربي وإسلامي ضد ماكرون ودعوات للمقاطعة (شاهد)

التعليقات (0)