ملفات وتقارير

"فوضى قرغيزستان".. أزمة سياسية ومصالح دولية(القصة كاملة)

اعترضت المعارضة الجنوبية على نتائج انتخابات البرلمان التي عقدت بداية الشهر الجاري- جيتي
اعترضت المعارضة الجنوبية على نتائج انتخابات البرلمان التي عقدت بداية الشهر الجاري- جيتي

ساهم إعلان الرئيس القرغيزي سورونباي جينبيكوف الاستقالة من منصبه، بتوقف الاحتجاجات في العاصمة بيشكيك بعد أيام من التظاهرات بسبب نتائج الانتخابات البرلمانية التي عقدت مؤخرا.


عشرة أيام من مشهد الفوضى الذي عم البلاد، فرضت فيها حالة الطوارئ، واقتحم فيها المتظاهرون "البيت الأبيض" الذي يضم البرلمان وإدارة الرئيس القرغيزي، وأطلقوا بعد توجههم إلى لجنة الدولة للأمن القومي، سراح الرئيس السابق المعارض ألمازييك أتامباييف، ورئيس الوزراء الأسبق "صادر جباروف" وعدد من السياسيين الآخرين من السجن.

 

يشار إلى أن أتامباييف، الذي شغل منصب رئيس الدولة خلال الفترة 2011-2017، حكم عليه بالسجن 11 عاما وشهرين بسبب دوره في الإفراج عن زعيم مافيا من السجن.

وبعد إعلان الرئيس القرغيزي استقالته، تثار التساؤلات في ما هل انتهت الأزمة بالبلاد أم لا؟

وجاء الاهتمام التركي لتلك الدولة التي تعتبرها "إحدى الدول التركية السبع المستقلة"، وتعد أكثر الدول التي يتغلغل فيها عناصر منظمة "غولن" التي تتهمها أنقرة بمحاولة الانقلاب في 15 تموز/ يوليو الماضي.

كما جاء الاهتمام الروسي، بالدولة التي كانت إحدى الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى، والتي تعتبرها موسكو إحدى مناطق نفوذها، فيما تشكل أحد محاور التنافس الجيوسياسي بين روسيا والصين والولايات المتحدة، إلى جانب لاعبين آخرين مثل تركيا.

وتعد قرغيزستان دولة ذات أهمية استراتيجية في آسيا الوسطى، ويبلغ عدد سكانها 6.5 ملايين نسمة، وتبلغ مساحتها 200 ألف كيلومتر مربع، وهي دولة ذات تضاريس جبلية، تحدها كازاخستان شمالا، أوزبكستان من الغرب والجنوب الغربي، وطاجيكستان من الجنوب الشرقي والصين شرقا.

 

كما أنها عضو في منظمة شنغهاي للتعاون، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وكذلك المجلس التركي.

ويشكل 75 بالمئة من سكانها قرغيز، و15 بالمئة أوزبك، و6 بالمئة أوزبك، ويوجد لدى روسيا فيها قاعدة جوية.

الأحداث الماضية


بدأ التوتر في قرغيزستان، بعد احتشاد أنصار المعارضة التي احتجت على نتائج الانتخابات البرلمانية (120 مقعدا) التي جرت في 4 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وفاز فيها أحزاب موالية للرئيس القرغيزي المستقيل، فيما أصدر 12 حزبا سياسيا إعلانا مشتركا يتضمن أنهم لن يعترفوا بنتائج الانتخابات.


وحصلت أربعة أحزاب فقط، من بين الأحزاب المشاركة في الانتخابات البرلمانية البالغ عددها 16 حزبا، على نسبة 7 بالمئة من أصوات الناخبين وهي الحد الأدنى الذي يجب الحصول عليه لدخول البرلمان.


وحصل (ثلاثة أحزاب مقربة للرئيس) وهي حزب بريمديك الموالي للحكومة على 24.5 بالمئة من الأصوات، يليه مكينيم قيرغيزستان بنسبة 23.88 بالمئة، وحزب قيرغيزستان بنسبة 8.76 بالمئة، وبحسب لجنة الانتخابات المركزية، فإن حزب المعارضة الوحيد الذي حصل على تمثيل في البرلمان هو بوتوم قرغيزستان بنسبة 7.13 بالمئة من الأصوات.


وترى أحزاب المعارضة أن الانتخابات كانت مزورة، وتم شراء الأصوات، وبعد اقتحام مفاصل الدولة في العاصمة، تم إلغاء نتائج الانتخابات لاحقا، فيما أعلن رئيس الوزراء كوباتبك بورونوف استقالته، لكن هذه الخطوة لم تؤد إلى خفض التوتر.

وإثر اقتحام المباني في العاصمة، قيل إن الرئيس القرغيزي المستقيل سورونباي جينبيكوف (الموالي لروسيا) غادرها إلى الجزء الجنوبي من البلاد حيث تتمركز القبائل التي تدعمه.

وفي 10 تشرين الأول/ أكتوبر، منح 63 نائبا في البرلمان القرغيزي، الثقة لصادر جباروف، كرئيس للحكومة، بعد إخراجه من السجن، أثناء المظاهرات التي شهدتها البلاد في 6 أكتوبر/تشرين الأول الجاري اعتراضا على نتائج الانتخابات التي أجريت في الـ 4 من الشهر ذاته.


وفي 15 تشرين الأول/ أكتوبر، أي بعد أيام من الاحتجاجات والفوضى داخل البلاد لاسيما في العاصمة التي تغيبت فيها كافة معالم الدولة، أعلن الرئيس القرغيزي جينبيكوف استقالته من منصبه، لتنتقل السلطات إلى رئيس الوزراء صادر جباروف، بعد إعلان رئيس البرلمان كانات عيساييف عدم استعداده لأداء مهام رئاسة الجمهورية.

يشار إلى أنه على مدار السنوات الـ15 الماضية، من الصراع السياسي المتكرر في البلاد، تمت الإطاحة برئيسين في ثورات عنيفة عام 2005 "ثورة البنفسج"، و2010.

هل انتهت الأزمة؟.. انقسام جنوبي وشمالي

وقال الخبير التركي، كورشات زورلو، في حوار مع صحيفة "ملييت" التركية، إن تداعيات الانتخابات الأخيرة لم تكن السبب الرئيس للأزمة، بل حالة الاستقطاب وعدم الكفاءة الاقتصادية والفساد والبطالة التي تعم البلاد منذ سنوات طويلة.

وأضاف في تقرير ترجمته "عربي21"، أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والشائعات بأن البلاد ستصبح أكثر اعتمادا على روسيا ساهمت بتصعيد التوتر داخل البلاد.

وذكرت الصحيفة، أن حالة الاستقطاب في فرغيزستان كبيرة جدا، وهناك جبهتان بالبلاد، على شاكلة (روسي – أوزبكي) (شمال- جنوب).


وتعيش قرغيزستان انقساما سياسيا واقتصاديا وعرقيا طويل الأمد، ما بين جنوبي زراعي في البلاد، وشمالي أكثر حداثة وتطورا، وتسببت اضطرابات التعايش الهش بينهما في المزيد من الفوضى، معزّزا بانقسام مكون من سلسلة جبال منقسمة جنوب وشمال.

 

فقد سارت البلاد وفق نظام التكافؤ بين الشطرين، فإن كان الرئيس شماليا فتلقائيا يكون رئيس الوزراء جنوبيا أو العكس، إلى جانب أن هناك صدعا قرغيزيا- أوزبكيا في الجنوب لا يمكن تغافله.

وقال الكاتب التركي، بارش دوستر، إن هناك خطوط صدع عميقة في قرغيزستان، موضحا أن الانقسام بين الشمال والجنوب ما بين المؤيد والمعارض للنفوذ الروسي تشكل أبرزها.


وأضاف في مقال على صحيفة "جمهورييت" التركية، أن الصدع بين الشمال والجنوب لا يعد طبقيا، بل إقليميا إقطاعيا، حيث يمثل جينبيكوف مراكز القوة في الجنوب، وأتامباييف في الشمال.


وأشار إلى أن التوتر القرغيزي الأوزبكي في الجنوب حيث يتركز الأوزبك يعد أيضا أحد الصراعات التي لا يمكن تغييبها من الأذهان.


وفي قراءة لنتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فإنها ساهمت بشكل كبير على إحداث الفوضى الشمالي الجنوبي بالبلاد، بعد حصول الأحزاب الموالية للرئيس والتي تشكل قبائل الجنوب على 100 مقعد من أصل 120.

ورغم موقعها، تعد قرغيزستان دولة فقيرة من حيث الموارد الطبيعية، وتشكل فئة الشباب حوالي نصف السكان.

ونقلت صحيفة "ملييت" عن مصادر أن فئة الشباب الذين يواكبون مواقع التواصل الاجتماعي، يرون أن السياسيين كبار السن هم فئة فاسدة، ويسعون لتحديد مستقبلهم بدونهم.


وأشارت إلى أن حالة الغليان لدى الشباب تتزايد مع تراكم العجز الاقتصادي بالبلاد والفساد والبطالة بذات الوقت.


ورأت أن إعادة الانتخابات (ربما في كانون الأول/ ديسمبر المقبل)، قد تسهم بتخفيض حدة التوتر لكن لن تقضي على المشكلة بكاملها.

الاستقطاب الدولي


ويقول الأكاديمي التركي كورشات زورلو، إن هناك أكثر من مليون عامل قرغيزي في روسيا، وبالنظر إلى الديون الخارجية للبلاد في السنوات الأخيرة، فإن هناك زيادة كبيرة لصالح الصين.

وأشار إلى أنه ومع أخذ الاعتبار بوجود قاعدة لروسيا من جهة، وقاعدة أمريكية مغلقة عام 2014 من جهة أخرى، فإنه ينظر لقرغيزستان المجاورة لأفغانستان، على أنها منطقة نفوذ لبعض الدول.

وأوضح الباحثان التركيان زورلو ودوستر، أنه على الرغم من إغلاق القاعدة الأمريكية عام 2014، إلا أن الولايات المتحدة التي اكتسبت نفوذها مع ثورة البنفسج 2005، لديها علاقات قوية مع مختلف مؤسسات الدولة والأحزاب ووسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية.

وأشار زورلو، إلى أنه لا يمكن الفصل بين الفوضى السياسية التي جرت بالبلاد، والمعادلات الدولية والاستقطاب، في ظل وجود قوى عالقة في بعضها وسط حالة من عدم الثقة وانعدام الأمن والنظام.

ولفت إلى أن قرغيزستان كانت تعتبر في السابق "جزيرة الديمقراطية"، ولكنها الآن لا يمكنها تحقيق الاستقرار اللازم في ظل نظامها السياسي المنقسم والاقتصادي العاجز والقانوني الذي لا يمكن إضفاء الطابع المؤسسي فيه، ناهيك عن الفساد البيروقراطي والسياسي، كما أن الصراع التاريخي بين الشمال والجنوب يركز نظام السلطة الإقطاعية.

نفوذ وكالة الاستخبارات الأمريكية "CIA" ومنظمة "غولن"

تتهم تركيا منظمة "غولن" بأن لديها نشاطا كبيرا عبر مدارسها في قرغيزستان، فيما اعتبر الكاتب التركي بارش دوستر، المنظمة المتهمة بمحاولة الانقلاب في تموز/ يوليو 2016، أنها تعمل لصالح وكالة الاستخبارات الأمريكية "CIA".


وقالت صحيفة "جمهورييت"، إن منظمة "غولن" لها تأثيرها على بعض أحزاب المعارضة القرغيزية، ونشطت بشكل كبير في التوتر الأخير بالبلاد.


وأشارت إلى أن سابار إيسكاوف، أحد أبرز الناشطين في منظمة "غولن" شارك بشكل فاعل في الفعاليات التي نظمتها المعارضة القرغيزية.


وأوضحت أن تنافسا كبيرا تخوضه الولايات المتحدة عبر منظمة "غولن" مع روسيا داخل قرغيزستان.

بدوره قال الأكاديمي التركي، زورلو، إن "غولن" اكتسبت أرضية قوية في البلاد تحت جناح إدارة أتامباييف في الفترة السابقة، وبحلول 2015 تمكنوا من التغلغل داخل أطر البيروقراطية والسياسة في مؤسسات الدولة، قلّت نسبته مع وصول جينبيكوف.

 

الظروف الاقتصادية بالبلاد وكورونا

 

وذكر الأكاديمي كورشات زورلو، في مقال على صحيفة "خبر ترك"، أن هناك قضية أخرى مهمة وهي إمكانية أن تتطور الظروف الاقتصادية المتدهورة بشكل متزايد إلى بعد من شأنه إضفاء الشرعية على حراك يؤدي للعصيان المدني.

 

ولفت إلى أن عائدات السياحة التي تمثل 6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وصلت إلى الحضيض، خصوصا بسبب جائحة كورونا العالمية.

 

وأشار إلى أن قطاع الخدمات بات يحتضر، ووفقا لتقرير بنك التنمية الآسيوي في آب/ أغسطس الماضي، تقلص اقتصاد قيرغيزستان بنسبة 10 بالمئة هذا العام، كما أن دخل العمال المهاجرين الذين يعيشون في روسيا، واحدة من المدخلات الرئيسية في البلاد انخفض بنحو الربع.

 

وأضاف أنه من المعروف أن مناجم الذهب، وهي أحد مصادر الدخل الرئيسية، معرضة لخطر النهب، موضحا أنه على سبيل المثال فإن "كومتور" أكبر منجم بالبلاد يصعب الوصول إليه بسبب موقعه الجغرافي.

التعليقات (0)