ملفات وتقارير

عودة الحريري لتشكيل الحكومة يحل أزمات لبنان أم يعقدها؟

عزي فشل أديب في المهمة حينها إلى الاختلاف بين الأحزاب اللبنانية على تسمية الحقائب الوزارية- الأناضول
عزي فشل أديب في المهمة حينها إلى الاختلاف بين الأحزاب اللبنانية على تسمية الحقائب الوزارية- الأناضول

في الثامن من تشرين أول/ أكتوبر الجاري وخلال برنامج "صار الوقت" أعلن زعيم تيار المستقبل سعد الحريري ترشيح نفسه لتشكيل حكومة لبنان، وبدأ بعدها مشاوراته الساعية لحل الأزمة السياسية بالبلاد بإجراء لقاءات مع رئيس الجمهورية ميشيل عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وصفها بالإيجابية.

 

يأتي ذلك بعد مرور أسبوعين على اعتذار الدبلوماسي مصطفى أديب عن الاستمرار في مهمة تشكيل الحكومة، عقب تعثر مشاوراته مع الأحزاب والطوائف في البلاد.

 

وعزي فشل أديب في المهمة حينها إلى الاختلاف بين الأحزاب اللبنانية على تسمية الحقائب الوزارية، لا سيما حقيبة المالية التي تمسك بها حزب الله وحركة أمل.

 

وعودة الحريري إلى المشهد الحكومي كانت "مفاجئة"، وفقا لمراقبين، نبهوا إلى أن زعيم تيار المستقبل كان على رأس حكومة استقالت قبل نحو عام على وقع احتجاجات شعبية غاضبة من سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية للبلاد.

 

ويرى كثيرون أن لبنان بحاجة ماسة لحكومة تكنوقراط غير مسيسة تنسجم مع الجهود الدولية، خاصة المبادرة الفرنسية، الرامية لنشل البلد من أزماته المتراكمة.

 

اقرأ أيضا: الحريري يبدأ مشاورات تشكيل الحكومة وعون يطلب الإسراع
 

وتعثرت الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب، المدعومة من تحالف الثنائي الشيعي والتيار العوني، في مفاوضات الحصول على مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي، قبل أن تستقيل إثر انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس الماضي، ما فاقم واقع لبنان المأساوي. ويتعهد الحريري بالتمسك بالمبادرة الفرنسية والعودة إلى مفاوضات صندوق النقد لإنقاذ البلد ماليا.

 

 

تعقيد الأزمة

 

ويقول الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية عماد شمعون: "لا أعتقد أن اختيار الحريري ليكون على رأس الحكومة يشكل مخرجا لحل الأزمة السياسية بلبنان. إنَّ تَصَدُّر الحريري لرئاسة الحكومة يعقد الأزمة أكثر".

 

واعتبر خلال حديثه لـ"عربي21" أن خطوة الحريري "لم تكن موفقة"، مستدلا بأن ذلك ظهر في مواقف داعميه التقليديين (مثل القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي)، إذ أعلنوا أنهم "لن يؤيدوه في هذه الخطوة".

 

ومع أن الحريري أعلن أنه سيختار وزراء حكومته من الأخصائيين وفقا لما اتفقت عليه الأحزاب اللبنانية في لقاء بقصر الصنوبر جمعهم بالرئيس الفرنسي خلال الزيارة الأخيرة لبيروت مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي، إلا أن شمعون يشكك في قدرة الحريري على إنجاز ذلك.

 

وقال شمعون إن "حزب الله الذي تمنى عودة الحريري للحكومة، يصر الآن على تسمية وزراء الحكومة. فالحزب لا يقبل بحكومة تكنوقراط بل يريد حكومة سياسية".

 

ويرى أن الحريري، بخطوته هذه، فقد ثقة بعض من أنصاره وطائفته على اعتبار أنه "تنازل للثنائي الشيعي"، وأنه وضع نفسه مرة أخرى "تحت دائرة الاستهداف من قبل الثوار والحراك الشعبي بلبنان".

 

ومؤكدا على أن الحريري لن "يتمكن من تشكيل حكومة تكنوقراط تجلب الدعم الدولي للبنان"، توقع أن تؤدي خطوته "غير الموفقة" إلى "تحريك الشارع مجددا"، كما جاء في كلام شمعون.

 

خبايا الصفقة

 

ويستقرئ أستاذ العلوم السياسية بالجامعة اللبنانية وليد صافي فرص نجاح الحريري بتشكيل حكومة تحل الأزمة الاقتصادية في لبنان من خلال استعراض التجارب الحكومية السابقة.

 

وفي حديثه لـ"عربي21"، يقول إن تجربة الحكومات السابقة برئاسة الحريري تثبت أنها فشلت في العديد من الملفات، ومنها بشكل أساسي الخروج من الأزمة الاقتصادية، وإصلاح قطاع الكهرباء، وإن نموذج الإدارة السياسية لهذه الحكومات كان موضع تساؤل وانتقاد كبيرين، لذا "فإن هناك حذرا حيال قدرة الحريري على الخروج من هذه الأزمات" وانتهاج إدارة سياسية جديدة وفعالة.

 

ويعدد الأستاذ الجامعي العقبات التي واجهت السفير مصطفى أديب في تشكيل الحكومة وهي: حجم الحكومة، وتركيبة الحكومة، ومرجعية توزيع الوزارات وتسمية الوزراء.

 

ويقول: "هذه الإشكالات ما زالت قائمة"، ويتساءل صافي: "هل الرئيس الحريري عقد تسوية مع الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر على تجاوز هذه النقاط؟ الأيام القادمة ستكشف حصول مثل هذه التسوية أم لا".

 

ويضيف: "هناك مخاوف من عقد صفقة بينهم. فإن كانت هذه الصفقة تؤمن للحريري رئاسة حكومة شبيهة بالحكومات السابقة وآليات عملها فسيحصد النتائج ذاتها، وسيواجه البلد الفشل نفسه الذي رافق تلك الحكومات".

 

ويلفت إلى أن خطوة الحريري بترشيح نفسه لرئاسة الحكومة تحدث "لأول مرة في لبنان، وذلك قبل إجراء رئيس الجمهورية المشاورات النيابية الملزمة"، معتبرا أن ذلك أمر غير جائز على الأقل من ناحية الشكل ويتعارض مع النصوص الدستورية التي ترعى تشكيل الحكومة.

 

اقرأ أيضا: جنبلاط يرفض تكليف الحريري بالحكومة وباسيل يواصل هجومه
 

وحول ما إذا كان تكليف الحريري "كشخصية سياسية" لتشكيل الحكومة يتعارض مع المبادرة الفرنسية للحل في لبنان، يرى صافي أن المبادرة "ما زالت قائمة، وهي تنص على حكومة مهمة قادرة على إجراء الإصلاحات وحل الأزمة الاقتصادية والمالية في البلد"، منوها إلى أن الحكم بتناقض تكليف الحريري مع المبادرة سيكون مرده إلى "شكل التركيبة الحكومية التي سيسعى لتأليفها وبرنامج عملها، لاسيما في إصلاح قطاع الكهرباء وهذه مسالة أساسية".

 

وتساءل صافي: "هل صفقة تشكيل الحكومة ستكون مرة جديدة على حساب الإصلاح في قطاع الكهرباء، وهل ستكون الإدارة السياسية للحكومة تحت قبضة حزب الله من خلال الثلث المعطل مثلًا؟".

 

أما عن توقعه لردة فعل الشارع اللبناني إزاء هذا التكليف، فيرهن صافي "عودة ثقة الشارع اللبناني بالسلطة" إلى "ما سيكون عليه شكل الحكومة المقبلة وبرنامج عملها". واستبعد صافي أن يتمكن الحريري من استعادة ثقة الشارع لأسباب متعددة.

 

ومن وجهة نظر صافي فإن الحريري "كمسؤول سياسي وزعيم كتلة برلمانية لن يكون باستطاعته القول إنه يريد حكومة أخصائيين ويستفرد بتسمية الوزراء وتوزيع الحقائب، فيما هو يحتل موقعًا سياسيًا".

 

وأضاف صافي أن يتمكن الحريري من استعادة الثقة سواء داخليا (من الشارع اللبناني) أو خارجيا (من المجتمع الدولي القادر على مساعدة لبنان) هذا أمر يحتاج إلى الكثير من الجهود وهو مرهون بشكل أساسي بالقدرة على إدارة سياسة مختلفة عن الإدارة السابقة.

 

وأمام هذه الإشكالات، يبقي الأستاذ الجامعي الباب مفتوحا أمام الأيام القادمة لتكشف عن خبايا عودة الحريري إلى المشهد الحكومي، وهل صاغ في الكواليس صفقة توافق مع الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر أم لا، وهل هذه الصفقة إذا حصلت ستكون على حساب الإصلاح والاستمرار بجعل لبنان رهينة كما هو الحال الآن؟

التعليقات (0)