تقارير

"عمواس".. قرية فلسطينية ظلمها الطاعون والاحتلال الإسرائيلي

قرية عمواس بعد أن تم تدميرها بالكامل- (إنترنت)
قرية عمواس بعد أن تم تدميرها بالكامل- (إنترنت)

تعتبر حارسة لبوابات القدس الغربية، حيث تستريح في طريق يربط القدس بمدن الساحل الفلسطيني، تلك هي "عمواس" التي عرفت عبر التاريخ بمرض الطاعون الذي انتشر فيها زمن الخليفة عمر بن الخطاب ومات فيه خلق لا يحصى من الصحابة، وعرفت أيضا بوصفها قرية فلسطينية تقع جنوب شرقي الرملة عاشت نكسة حزيران/ يونيو عام 1967 حين دمرها جيش الاحتلال الإسرائيلي وطرد أهلها، وهو ذات المصير الذي واجهته القرى المجاورة لها  مثل "يالو" و"بيت نوبا".

وصفها العلامة الزمخشري قائلا: "هي كورة من فلسطين بالقرب من بيت المقدس"، وقال الوزير الكبير يزيد بن محمد المهلبي: "كورة عمواس هي ضيعة جليلة على ستة أميال من الرملة على طريق بيت المقدس، ومنها كان ابتداء الطاعون في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم فشا في أرض الشام؛ فمات فيه خلق كثير لا يحصى من الصحابة رضي الله عنه، ومن غيرهم".
 
وقال العالم اللغوي أبو العباس الفيومي: "عَمَوَاسُ بالفتح بلدة بالشام بقرب القدس وكانت قديما مدينة عظيمة". وينسب أغلب العلماء والمؤرخين الطاعون إلى اسم بلدة "عمواس"، بينما ذكر أبو عبيد الله البكري في كتابه "معجم ما استعجم" قولا آخر فقال: "وقيل: إنما سمي طاعون عمواس لأنه عَمَّ وآسَى: أَي جعل بعض الناس أسوة بعض".

 



فتحت بلدة عمواس في خلافة أبي بكر الصديق، على يد عمرو بن العاص ويذكر أن المسلمين اتخذوا "عمواس" كمقدمة للجيوش التي حاصرت بيت المقدس، وظلت موضعا للمسلمين حتى بناء عبد الملك بن مروان لمدينة الرملة.

كانت تقع على مفترق طرق يوصل بين مدن رئيسية هي: رام الله والرملة ويافا والقدس وغزة. وتبعد عن يافا حوالي 30 كلم وعن القدس 28 كلم. وقبل النكبة كانت تربطها طرق ممهدة بقرى "اللطرون" و"يالو" و"القباب" و"سلبيت" و"دير أيوب" و"بيت سوسين" و"بيت جيز".
 
ويعني اسم "عمواس" الينابيع الحارة، وكان اسمها في العهد الروماني "نيقوبوليس". توجد في "عمواس" كنيسة بيزنطية أعاد الفرنج بناءها في القرن الثاني عشر للميلاد إبان الحملات الصليبية. وأقام رهبان الترابيست عام 1890 للميلاد "دير اللطرون" في جوار "عمواس" في ظل الحكم العثماني لفلسطين. وهم رهبان كاثوليك سموا كذلك نسبة إلى دير "تراب" في فرنسا.

بلغ عدد سكان "عمواس" عام 1922 نحو 824 نسمة وفي عام 1931 نحو 1021 وفي عام 1945 قدروا بنحو 1450 نسمة، وفي إحصاء عام 1961 بلغوا 1955 نسمة. وتشير تقديرات إلى أن عدد سكان "عمواس" في الوطن والمهجر قد وصل مطلع عام 2020 إلى نحو 30 ألف نسمة.

 



كان يوجد في "عمواس" مسجدان ومدرسة ابتدائية للبنين عام 1919 بمعلم واحد. وبعد النكبة أصبح فيها مدرستان واحدة للبنات والأخرى للبنين. ويوجد في "عمواس" كنيسة متهدمة وهياكل فسيفساء ومدافن قديمة وقناة منقورة في الصخر وبقايا حمام روماني وآثار معمارية كثيرة، ومقامات وأضرحة مقدسة ينسب أحدها إلى الصحابي أبي عبيدة عامر بن الجراح رغم كونه غير مدفون هناك وينسب مقام "الشيخ معلّى" إلى الصحابي معاذ بن جبل.

هدم الاحتلال الإسرائيلي قرية "عمواس" في حرب حزيران/ يونيو عام 1967 وقد مر بها بعد خرابها الصحافي البريطاني مايكل آدمز ووصفها في تقرير نشر في صحيفة "الصندي تايمز" جاء فيه: "وكانت الطريق التي نسير عليها هي طريق عمواس. ولكن عندما انطلقنا بالسيارة من بيت نوبا ووصلنا إلى المنحنى الذي تقع عمواس عليه، وجدنا أن عمواس قد اختفت وزالت من الوجود تماما".

وأضاف: "كانت عمواس على خريطة الحج التي أحملها معي.. ولكنها لن توضع على أية خريطة تصدرها إسرائيل، لأن الإسرائيليين محوا كل أثر لها". وقد أقام الاحتلال متنزها عاما على أرض "عمواس" اسمه "بارك كندا" أو بارك إيلون".

انضم الراهب اللبناني لويس وهبة إلى "دير اللطرون" القائم في منتصف الطريق بين يافا والقدس المحتلة، في عام 1951، ليبدأ مشواره الروحانيّ في الدير.

 

 


وقال الأب لويس في تصريحات صحافية إنه "خلال الفترة ما بين 1951 و1967، كانت العلاقة بين الرهبان في دير اللطرون وأهالي قرية عمواس المجاورة ممتازة، وساهم الأهالي في تشييد مبنى الكنيسة عام 1954، كما أنهم كانوا يترددون على المستوصف الذي أقامه الرهبان للفحوص الطبية، بالإضافة إلى العمل الزراعي في أراضي الدير المليئة بكروم العنب وأشجار الزيتون".

وأوضح أنه "طرد الأهالي إلى رام الله، ومناطق أخرى، ورغم لجوء ما يقارب الثمانين شخصا إلى حرم الدير، فقد رفض الجيش الإسرائيلي بدعوى أن هنالك فدائيين، ولا يجوز إبقاء القرويين في الدير، وكانت هناك وعود كاذبة بأنه سيسمح لهم بالعودة بعد فترة وجيزة، ولكن على أرض الواقع تم تهجير جميع أهالي قرية عمواس، وحرق محاصيلهم".

ويروي الأب لويس أن "الجريمة الأكبر كانت تدمير بيوت ومباني القرية بالكامل، إذ قتل بضعة مسنين داخل بيوتهم يوم 11 حزيران/ يونيو، وفي 14 حزيران/ يونيو كان ثلثا منازل القرية مدمرا، وبعد ذلك بشهر تم تدمير بقية بيوت قرية اللطرون القديمة، وفي تلك الفترة وصل الرهبان، وانتشلوا الجثامين من تحت الركام، وحاولوا إنقاذ بعض الممتلكات، ولكن تمت سرقتها من قبل يهود متطرفين".

 

التعليقات (0)