أفكَار

بعد التشكيك بالشرع وشيطنة الإسلاميين.. وقت الحصاد

الإخوان جماعة دينية سياسية تأسست مطلع القرن الماضي.. تمت شيطنتها ويتم استهدافها  (الأناضول)
الإخوان جماعة دينية سياسية تأسست مطلع القرن الماضي.. تمت شيطنتها ويتم استهدافها (الأناضول)

في خضم مواجهة قوى الثورة المضادة لانتفاضات الربيع العربي، كان لافتا تكاثر الحملات المستهدفة للحركات الإسلامية السياسية، والساعية إلى شيطنتها لإقصائها واستئصالها، وفي الوقت نفسه إثارة الشكوك والطعون في ثوابت الشريعة بوصفها المحضن المنتج والراعي لرجالات تلك الحركات وجماهيرها المؤيدة والداعمة.
 
وبعد إجهاض ثورات الربيع العربي تتابعت دول الثورة المضادة على تصنيف الحركات الإسلامية السياسية كتنظيمات إرهابية، فجرى اعتقال قياداتها ورموزها وكثير من أعضائها، وأغلقت مقارها، وحظرت سائر نشاطاتها، وبات الانتساب إليها عملا مجرما بالقانون، مع إدانته على نطاق واسع في وسائل إعلام مختلفة.

وصاحب تلك الحملات المشيطنة للإسلاميين توجهات وكتابات ودعوات وفعاليات سعت هي الأخرى لتفكيك الثوابت الدينية، وتقصدت خلخلة قواعد المجتمعات العربية والإسلامية المحافظة، وكان من آخرها نشر موقع إيلاف السعودي، المملوك لعثمان العمير المقرب من النظام، مقالا لكاتب اسمه جرجيس كوليزادة دعا فيه إلى "إعادة كتابة القرآن وفق الرسم الإملائي الصحيح، وذلك لتصحيح كل الأخطاء اللغوية الواردة في المصحف الشريف، وإبعاده عن أي شبهة للخطأ" حسب عبارة كاتب المقال.
 
وتعليقا على تلك الحملات بشقيها غرد المفكر والمحلل السياسي الكويتي، الدكتور عبد الله النفيسي قبل أسبوعين على تويتر واصفا "كل ما يحدث هذه الأيام من شيطنة للإسلاميين، ومحاولة تشويه سمعتهم، ومحاولة تفكيك الثوابث الإسلامية (مثال: دعوة موقع إيلاف كتابة القرآن الكريم من جديد)، ومهاجمة التدين الراسخ في المنطقة، وفرض التغريب المتوحش فيها إنما هو تمهيد الأرض للتطبيع مع إسرائيل". 

ووفقا لمراقبين فإن من نظم تلك الحملات وأدارها، وأنفق عليها، قد قرر أن يقطف ثمارها، ظنا منه أن المناخات السائدة باتت مهيئة لذلك، وهو ما أعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس الخميس من توصل الإمارات وإسرائيل لاتفاق سلام وصفه بالتاريخي وأنه أهم إنجاز منذ ربع قرن، مضيفا أن إسرائيل والإمارات ستطبعان علاقاتهما الدبلوماسية بالكامل، وستتبادلان السفراء والبعثات الدبلوماسية، وأنهماستتعاونان في شتى الميادين والمجالات.

في قراءته لما يجري بمقدماته المعروفة، ونتائجه التي بدأت بالظهور، رأى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني ساري عرابي أنه يقع في إطار "تحالف في المنطقة يجمع حكومات بعض الدول العربية و(إسرائيل)، هو أكبر من التطبيع، ويقوم على تصفية عناصر القوة في المنطقة لصالح تثبيت كل من (إسرائيل) وتلك الأنظمة".

 


 
وأضاف لـ"عربي21": "ويُمثل الإسلام والقضية الفلسطينية عنصرين من عناصر قوة الأمة وصلابتها واحتفاظها بهويتها، ويمثل الإسلام السياسي أبرز القوى التي تربط بين الإسلام والقضية الفلسطينية، وقد حافظت قوى الإسلام السياسي، وما زالت تحافظ على موقفها المبدئي من القضية الفلسطينية، كما تتصدر هذه القوى داخل فلسطين مشروع مقاومة الاحتلال ورفض وجوده".
 
وتابع: "فأهداف (إسرائيل) ومن خلفها الأنظمة العربية الحليفة لها، تفكيك عناصر القوة تلك، لكن تفكيك الإسلام لا يكون بنفيه تماما، وإعلان الحرب الصريحة عليه، وإنما يكون بعدة اتجاهات منها مسخ الدين بتقديم نماذج منبتة عن ثوابته، وتحويل ثوابته إلى قضايا سائلة غير محسومة قابلة للأخذ والرد، واكتساب مساحات في الأوساط الدينية واستخدامها لشرعنة توجهات الأنظمة، وضرب تيارات الإسلام السياسي بها، ولا تقتصر تلك الأوساط على اتجاه ديني واحد، بل منها اتجاهات سلفية وأخرى صوفية مذهبية وأخرى حداثية".
  
وعن المدى الذي ستبلغه تلك الحملات، والمآلات التي ستسفر عنها في نهاية المطاف، لفت عرابي إلى أن "هذه الحملات وإن كانت تحقق نجاحات واسعة في جانب، ومحدودة في جانب آخر، إلا أنها مع التدافع الحاصل في الإقليم، وبروز قوى دولية معارضة للتحالف الذي يجمع إسرائيل وبعض الدول العربية، فإنها سوف تتراجع لا سيما وأن كلا من فلسطين والإسلام نماذج عميقة مهيمنة ما تلبث أن تصعد بعد مراحل من الانطماس النسبي".
 
وأردف: "أما النجاحات الواسعة فمتعلقة بالضربات التي تلقاها الإسلام السياسي، ومشاريع إقصاء فلسطين عن الاهتمام العربي العام، ومسخ ثوابت القضية الفلسطينية ومن ذلك مثلا اتفاق التطبيع الأخير بين الإمارات وإسرائيل، ومن تلك النجاحات توظيف بعض الاتجاهات الدينية المذكورة، أما مسخ الدين وتفكيك ثوابته فالنجاحات جزئية، لكن ما دامت روح المقاومة في الأمة موجودة، فلن تلبث عناصر القوة الأصيلة أن تستعيد عافيتها".
 
من جهته اعتبر الناشط السياسي الكويتي، عضو حزب التحرير الإسلامي، أسامة الثويني "الغاية من اعتراف الأنظمة في بلاد المسلمين بـ"إسرائيل" والتطبيع معها إنما هي تثبيت لهذا الكيان الغاصب، ودمجه مع باقي دول المنطقة، التي هي ـ بالمناسبة ـ تشترك مع الكيان الغاصب في ظروف نشأتها (قرار غربي)، وفي هدفها تعطيل الحكم بالإسلام، والحيلولة دون تحرر الأمة من نفوذ الغرب".
 
ورأى الثويني أن "حملات الغرب على الإسلام بصفته مبدأ يشكل حضارة وطريقة حياة مميزة للمسلمين بدأت بشكل عملي منذ أكثر من قرنين مع أول إرسالية تبشيرية وصلت بلاد المسلمين، ولا تزال حملته ضد الإسلام مستمرة دون كلل ولا ملل، حروب عسكرية، وحروب عقول وقلوب في طول العالم الإسلامي وعرضه".

 


 
وعلل ذلك في حواره مع "عربي21" بقوله: "وذلك لأن الإسلام لا يزال حيا في نفوس المسلمين، وهو مكمن الخطر بالنسبة لقوى الغرب الكبرى، لأنه يوفر المناعة التي تحول دون الذوبان الحضاري، وهو الذي يوفر الدافعية للتغيير نحو تطبيق الشريعة والجهاد".
 
وتابع: "أما الكيان الصهيوني (إسرائيل) فهو قاعدة متقدمة للغرب، أنشأه بقرار أممي، وعملت دوله الكبرى على ولادته ورعايته وحمايته وتفوقه على محيطه، فهو كيان في حقيقته جزء من حملة الغرب المستعمر على الأمة الإسلامية"، متوقعا أن "نتيجة تلك الحملات ستكون كما وصفها تعالى بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}.

وبرؤية مغايرة استبعد الكاتب والسياسي العلماني العراقي، يوسف الأشيقر "وجود أية علاقة بين الدين والعلاقات السياسية أو التطبيع مع إسرائيل" ذاكرا أن "حركات المقاومة الفلسطينية والعربية كلها ابتدأت يسارية وعلمانية التوجه، بينما يحمل الموروث الديني الكثير من التبجيل والتجميل لبني إسرائيل ولا ينكر القرآن ولا الكتاب المقدس أن أرض فلسطين موعودة من ربهم للموسويين"، على حد قوله.

 



وتعليقا على ما يقال عن الحملات المنظمة الرامية لشيطنة الإسلاميين، هاجم الأشيقر في تصريحاته لـ"عربي21" الإسلاميين معتبرا أن "شيطنتهم لا تحتاج إلى حملات منظمة من أحد فكل شياطين الحاضر خرجوا من تحت عباءتهم سواء أنكروا ذلك أم أقروا به، في حين أن تفكيك مسلمات الأديان وثوابتها وهي بالمجمل (خرافية ورجعية ومنافية للعقل.. بنص عباراته)، هو سيرورة حتمية عالمية لا رابط بينه وبين مسألة سياسية محلية مؤقتة".
 
وقال: "ربما نجد العلمانيين واللادينين أكثر هدوءا وميلا للسلام في عصرنا الحالي مقارنة بالعنف الديني المتأصل، وخطاب الكراهية المعروف عنهم تاريخيا وتقديسيا، وإيران الإسلامية مثال على ذلك، لهذا ربما يُتخذ من هذا التوجه الإنساني الضميري المتسامح مع أي آخر مدخلا لاتهام كل العلمانيين باطلا بأنهم ممهدين للتطبيع مع إسرائيل، في حين أن التطبيع الحقيقي الذي ينادي به العلمانيون هو مع العقل والتفكير والتحضر والمعاصرة، لا مع أنظمة سياسية معينة". 

وبدوره رأى الأكاديمي والداعية السعودي، سعيد بن ناصر الغامدي أن "حملات تفكيك الثوابت تأتي ضمن حملة عالمية تتزعمها دوائر وقوى في الغرب، ترى أن الإسلام يشكل خطورة عليهم في المستقبل، وهذا شأن راسخ لدى الصهانية الذين عرفوا بالتجربة منذ حرب الإخوان في فلسطين سنة 1948 وحتى المقاومة المعاصرة أن الإسلام هو القاسم المشترك الأعظم لكل نصر وصمود واستمرار".
 
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "لذلك يحاول كل هؤلاء وأتباعهم من منافقي العرب والمسلمين تطويع الإسلام لأهوائهم وأغراضهم السياسية بالتشكيك فيه، والعبث بأصوله ومصادره، تارة باسم التنوير والاعتدال، وتارة أخرى باسم التجديد، وثالثة باسم السلم العالمي والعلاقات الدولية والمصالح المشتركة وغير ذلك من شعارات".

 


 
وأكدّ الغامدي على أن "القضية حقيقة قائمة وليست مجرد تحليلات أو تخمينات، وشواهد ذلك كثيرة وخاصة في دول الليكود العربي أو ما يعرف بالثورة المضادة، والشيء الذي غاب عن كل هؤلاء وأشباههم أن الشيء الكامل لا يحتاج إلى تكميل، إنما يكمّل الناقص، وهم يظنون أنهم سيجدون في الإسلام ما وجدوه في اليهودية والنصرانية من ثغرات ونقائص وتناقضات، لكنهم اصطدموا وسيصطدمون بكتاب محفوظ، ودين ظاهر".
 
وأنهى حديثه بالإشارة إلى أن أصحاب تلك الحملات "سيجدون من سقط المتاع من تذروه رياح التشكيك والطعن، وسيجدون من حكام الضياع من تجذبه الوعود، وسيجدون من علماء المنفعة من تغريه الدنيا، لكن الأمر في جوهره سيبقى، والدين في أثره سيستمر، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله".

التعليقات (0)