قضايا وآراء

بيروت قِبلة الموت والحياة

علي الصاوي
1300x600
1300x600

لم تكن عبارة محمود درويش أن بيروت من تعب ومن ذهب مجرد محض خيال، لكنها نابعة من واقع هذه المدينة الجميلة التي لطالما مزج سحر جمالها بدماء أبنائها لترسم صورة ذهنية معقدة في العقل الجمعي العربي، إذ كيف يجتمع الموت والحياة في مكان واحد؟ وكيف تخرج الحرب من رحم الحب؟ فسحر طبيعتها المتأنق وبهجة إطلالتها الجذابة وتنوعها الثقافي والفكري، تجعلها موطن كل جميل وسلوى كل حزين وقبلة عشاق الفكر والمعرفة. 

هي جنة ظاهرها رحمة لكن باطنها فتن طائفية جلبت على أهلها النقمة وسوء العذاب، لم تُخلق بيروت إلا لتكون في عيشها كجمالها، كانت حلمي مذ كنت صغيرا أتخيلها عروسا شابة تنتظرني لزيارتها لأستمتع بروعة جمالها الأخاذ وعبق ماضيها العتيق، الذي امتزجت فيه حضارات شتى.. 

أورثت بيروت نكهة حضارية وتاريخية ميّزتها عن باقي مُدن الشرق حتى لقبوها بباريس الشرق ولقبها نزار قباني بست الشرق.. لكن أين جمال باريس البارد فقير الروح والمعاني، من جمال بيروت الدافئ الذي ينبض بالحب والحياة، وتمسحه الطبيعة بلمسة الجمال الإلهي التي تعجز القلوب عن وصفها، جمال تشعر به لكنك تعجز في التعبير عنه.

لكن كل هذا كان ماضيا تليدا، فأين بيروت اليوم من أرباب الطائفية وخدم الاستعمار؟ تحولت الحياة إلى موت يعيشه اللبنانيون كل يوم، كل شيء مباح فعله، تحول الجمال الإلهي إلى قبح شيطاني يسير على الأرض، يطوقها حزب الله من ناحية وجماعة عون من ناحية وجنبلاط والحريري من ناحية أخرى، يمزقونها إربا ويتقاسمون لحمها على مائدة مصالحهم الخاصة، ومن ورائهم قوى إقليمية يقوى بها كل فصيل على الآخر، من جوقة اللصوص الذين قُدر لهم أن يُنصبهم المستعمر حكاما عليها.

 

أورثت بيروت نكهة حضارية وتاريخية ميّزتها عن باقي مُدن الشرق حتى لقبوها بباريس الشرق ولقبها نزار قباني بست الشرق.. لكن أين جمال باريس البارد فقير الروح والمعاني، من جمال بيروت الدافئ الذي ينبض بالحب والحياة، وتمسحه الطبيعة بلمسة الجمال الإلهي التي تعجز القلوب عن وصفها، جمال تشعر به لكنك تعجز في التعبير عنه.

 



لم تر بيروت خيرا قط من سادة الطائفية، فمنذ الحرب الأهلية وهي تئن من الألم، فتحولت إلى جسد هزيل تقطعت كل الشرايين التي كانت تمده بالحياة، لم تعد بلدا تصلح للتعايش بين مختلفي الفكر والأديان والمذاهب كما عهدناه من قبل، بل صارت حلبة تناحر بين كل مختلف الفرقاء دينيا وفكريا ومذهبيا، والنهاية كانت ذهاب نحو المجهول بلا رجعة! تتعثر في ثوب الطائفية والغلو، فَسدت النخبة السياسية فحكم الفساد وساد الاستبداد، والنهاية موت المواطنين بهذه الطريقة البشعة وبدمٍ بارد لا يكترث لحرمته أو لكرامته أحد، ليوثق التاريخ صفحة سوداء من تاريخ هذا البلد بتوقيع مجرمو الطائفية والمصالح الرخيصة، من سيلعنهم التاريخ ويخلد اسمهم في مزابل الطغاة المفسدين. 

فمن يعيد لبيروت بهاءها وجمالها؟ من يهديها قبلة حياة لتحيا من جديد؟ فبعد أن خسرنا دمشق عروس الشام الآن نخسر بيروت ست الشام وزهرتها، نخسرها بثمن بخس في أسواق السياسة وبيع الأوطان، إن الدمع تحجر في العيون من شد الوِجد والألم، شرقنا يُمزق وتُنهب ثرواته وتُزهق أرواحه، مصر وسوريا ولبنان والعراق واليمن، وما زالت دول أخرى لم يأت دورها في قائمة الانقلابات والتدمير، وكل ذلك يحدث بأموالنا وعلى أرضنا وبأيدينا، فإلى متى تظل القلوب تنزف؟ إلى متى سنظل ذبائح رخيصة على موائد اللئام؟ بكينا عروبتنا وأضحت خرافة سياسية وتعبيرا فارغا من روح القومية المصطنعة. 

"بكيت بيروت وأسفي لماضيها.. قد قتلت الطائفية كل ما فيها".

التعليقات (2)
حمدان
الخميس، 02-12-2021 10:30 ص
الكاتب لم يسمع بعلوم الجغرافيا وغيرها. أين جمال بيروت كلها بل عالمنا العربي من جمال أوروبا الأخاذ؟ اقرأ قليلا في علوم الأرض والجغرافيا. عيب على المثقف أن يكون بهذا التعصب والجهل.
مازن
الأربعاء، 01-12-2021 06:16 م
أبدعت في إظهار عقدة النقص لديك أمام الأمم الأخرى. محمود درويش فضل باريس على كل ما سواها. بل حتى شعراء لبنان مثل إيليا أبو الماضي وغيره تغزلوا بباريس أكثر من بلادهم. وهل أنت أعمى؟ جمال الطبيعة في باريس أذهل العالم. انظر من يقلد الآخر. لا داعي لإظهار العقد النفسية فقط بسبب تفوق الأمم الأخرى في كل شيء.