قضايا وآراء

حين انتصرت روسيا في معركة المعابر السورية

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600

ما عادت أدوات وآليات الصراع في سوريا هي ذاتها كما كان الأمر في السابق، فما كان يعتبر أداة للفوز بالحرب (الأدوات العسكرية) أصبح اليوم سببا في تثبيت وترسيخ النفوذ العسكري، وليس سببا لتحصيل انتصارات أخرى.

لقد انتقل الصراع في سوريا من المستوى العسكري إلى المستوى السياسي-الاقتصادي، وكان قانون "قيصر" عنوانا لهذا الانتقال، حيث شكل ضربة قوية للنظام السوري، سرعان ما ردت عليه موسكو بضربة مضادة على صعيد موقفها من العمل بآلية الأمم المتحدة لإدخال المساعدات إلى سوريا.

التكتيك الروسي

لم يكن قرار موسكو إغلاق معبر "السلام" الحدودي المقابل لمعبر "أونجو بينار" التركي مرتبطا بأمور تكتيكية لوجستية بإدخال المساعدات مثلما أعلنت روسيا، حين قالت معتمدة على تقرير أنطونيو غوتيريش إن المساعدات التي تدخل من المعبر قليلة، ويمكن إدخالها من معبر باب الهوى، ولو كان الأمر كذلك، لما كانت روسيا أغلقت معبر اليعربية/ربيعة على الحدود السورية-العراقية، حيث كان المعبر ذا أهمية كبيرة لجهة سهولة نقل المساعدات إلى نحو ثلاثة ملايين نسمة تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، منهم نحو سبعمئة ألف من النازحين داخليا.

القرار الروسي بإغلاق معبر اليعربية ثم معبر باب السلام هو قرار اقتصادي ـ سياسي يهدف إلى تفجير الوضع الإنساني في عموم الشمال السوري من أجل تحقيق جملة من الأهداف:

ـ الضغط على الأمم المتحدة من أجل التعامل مع النظام السوري بشكل مباشر، بحيث يتم تسليم المساعدات له وحده، ولذلك أصرت روسيا كثيرا في مشاريع القرارات الدولية على استخدام كلمة "تسليم" بدلا من كلمة "إدخال" للمساعدات، لأن كلمة "إدخال" لا تحدد الجهة التي ستستلم المساعدات.

هذه الخطوة التي تعمل عليها روسيا بروية، ستؤدي إذا ما تحققت إلى شرعنة التعامل مع النظام من البوابة الإنسانية، كما تمنحه فوائد اقتصادية كبيرة، فمع الارتفاع الكبير لأسعار السلع الغذائية نتيجة تدهور الليرة السورية، تشكل المساعدات الأممية تعويضا مهما، فضلا عن تحكم النظام بآلية توزيع المساعدات في مجمل الأراضي السورية.

 

مع قرار مجلس الأمن تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر واحد (معبر باب الهوى)، يكون الصراع الروسي ـ الغربي قد تأجل لعام كامل.

 



ـ تعزيز سيطرة النظام السوري على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي، خصوصا الأراضي الحدودية، وما عجزت روسيا عن تحقيقه عسكريا، تعمل على تحقيقه من البوابة الإنسانية، حيث تأمل روسيا أن تؤدي الأزمة الإنسانية في الشمال إلى رضوخ الأمم المتحدة والقبول بالتعامل مع النظام.

ـ دفع الكثير من أهالي الشمال السوري للهروب نحو تركيا ثم نحو أوروبا، مع ما يعنيه ذلك من ورقة ضغط روسية على أوروبا، وبهذا تكون موسكو قد سحبت ورقة الضغط الإنسانية (الهجرة) التي كانت بيد تركيا.

ـ جعل تكاليف البقاء التركي في الشمال السوري مكلفة، ذلك أن إغلاق معبر السلام سيؤثر بشكل سلبي على مناطق "درع الفرات" التي تضم أعزاز والباب وجرابس وأريافها، و"نبع السلام" التي تضم كافة البلدات بين تل أبيض شمال غرب الرقة ورأس العين شمال غرب الحسكة، الأمر الذي سيؤدي إلى حدوث فجوة كبيرة بين الإغاثة والاحتياجات الإنسانية الضرورية.

ـ تضييق الخناق على "الإدارة الذاتية" في الشمال الشرقي من سوريا، من أجل دفعها إلى التفاوض أو تقديم تنازلات إلى النظام حيال القضايا العسكرية والسياسية.

ـ تفجير الأوضاع الإنسانية في الشمال السوري ودفعها نحو الهاوية، سيعطي روسيا دورا رياديا في الملف الإنساني باعتبارها الدولة الوحيدة القادرة على إحداث أزمة إنسانية، وهذا سيجعلها تناور الأمريكيين في ملفات سورية أخرى، لا سيما أن الولايات المتحدة ليست بصدد الالتفاف على مجلس الأمن والعمل بشكل أحادي مع بعض الدول الإقليمية لإدخال المساعدات بعيدا عن الأمم المتحدة.

تأجيل الصراع

مع قرار مجلس الأمن تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر واحد (معبر باب الهوى)، يكون الصراع الروسي-الغربي قد تأجل لعام كامل.

يكمن الخلاف بين الطرفين في أن روسيا تعمل على تسييس الملف الإنساني، فيما تعمل الأمم المتحدة مدعومة من الولايات المتحدة ودول أوروبية على إبعاد ملف المساعدات الإنسانية عن السياسة.

من وجهة نظر الغرب، الأعمال المنفذة هي أعمال إنسانية صرفة، ولا تتطلب موافقة النظام السوري باعتباره أحد طرفي النزاع، وقد دعمت محكمة العدل الدولية هذا الموقف حين أكدت أنه في حال توفير المساعدات بشكل يحترم المبادئ الإنسانية، فلا مانع من خرق مبدأ السيادة، خصوصا أن تقارير لمنظمة الأمم المتحدة ولمنظمات إنسانية مستقلة أثبتت عرقلة النظام للعمليات الإنسانية وتحويلها من أجل الاستفادة منها لأغراض غير إنسانية.

تلعب روسيا على الوقت، ولديها المعطيات التي تجعلها قادرة على التحكم بالآليات المستقبلية للمساعدات الأممية، وربما تكون عين الكرملين على باب الهوى ـ المعبر الوحيد في الشمال السوري ـ لانتزاعه من سيطرة فصائل المعارضة، حيث لا تبتعد قوات النظام السوري كثيرا عنه.

وإذا ما سيطر النظام فعليا على معبر باب الهوى في أية عملية عسكرية مقبلة، سيصبح الشمال السوري تحت رحمة النظام، وفي هذه الحالة ستكون روسيا في موقع يؤهلها لانتزاع تنازلات اقتصادية أو سياسية أو حتى عسكرية من الولايات المتحدة داخل الجغرافية السورية.

كاتب وإعلامي سوري

التعليقات (0)

خبر عاجل