قضايا وآراء

منظومة الأسد تتخلى عن حذرها وتنزل إلى أسواق المخدرات

غازي دحمان
1300x600
1300x600
دفع تراكم الأزمات نظام بشار الأسد إلى الكشف عن وجهه الحقيقي، بوصفه منظمة مافياوية لديها تمثيل دبلوماسي وتغتصب مؤسسة رئاسة الدولة في سوريا، حيث تضطر منظومة الأسد، ومن أجل تخفيف حدّة الأزمة التي تعيشها نتيجة العقوبات الاقتصادية ونتائج الحرب المدمرة، إلى ممارسة أشياء لم تكن تمارسها بشكل علني في السابق.

على مدار الشهور الأخيرة، أعلنت العديد من دول الإقليم والمنطقة عن ضبط شحنات كبيرة من المخدرات مصدرها الأراضي السورية، واللافت في هذه المضبوطات حجمها الكبير، لدرجة أن السلطات الإيطالية ذكرت أن الكمية المضبوطة أكبر من قدرة إيطاليا على استيعابها بأضعاف، ما يعني أنها تغطي القارة الأوروبية. ونفس الشيء بالنسبة للشحنات التي تم ضبطها في مصر والسعودية، وقبل ذلك الباخرة التي ضبطتها السلطات اليونانية.

من المؤكد أن منظومة الأسد تملك خبرة كبيرة في هذا المجال، تكشف عن ذلك الكميات الكبيرة المضبوطة، التي تحتاج إلى مصانع ومواد أولية وخبرات في إنتاجها. ولم يعد سراً امتلاك أشخاص من عائلة الأسد مصانع خاصة بإنتاج المخدرات، كما تتشارك منظومة الأسد الخبرات مع حزب الله الضالع في هذه التجارة منذ زمن طويل ويستهدف الأسواق العربية والأوروبية. وتشكّل طرقات سوريا البرية وموانئها البحرية نقاط عبور مهمة لبضائعه باتجاه العالم الخارجي.

ولا يعني ضبط مجموعة من الشحنات أن غيرها لم يصل إلى أسواق أخرى، أو إلى الأسواق ذاتها. فمن الواضح أن المافيات في أوروبا، وتجار المخدرات في العالم العربي، تكثّف طلباتها في هذه المرحلة على المخدرات المنتجة في سوريا ولبنان، ربما لوجود مزايا تسعيرية بسبب فائض الإنتاج، أو ربما اضطرار منظومة الأسد وحزب الله إلى العملة الصعبة يدفعهما إلى خفض الأسعار وتقديم التسهيلات للتجار.

أثناء ضبط اليونان لشحنة المخدرات، ألمحت التحقيقات إلى وجود دور روسي، من خلال الضباط الروس الموجودين في الموانئ السورية، ما يعني أن الأمر قد يكون وراءه توجهات رسمية روسية بإغراق أوروبا بالمخدرات. وقد يدعم هذا الاعتقاد حقيقة أن ضباط الأمن الروس في سوريا يعرفون كل النشاطات الجارية على الأرض السورية، وخاصة في إطار حركة الموانئ، على الأقل لأسباب أمنية ذات علاقة بحماية القواعد والجنود الروس في تلك المنطقة.

ومنذ فترة، غير بعيدة، نشرت جريدة المدن اللبنانية خبراً مفاده قيام حزب الله بوضع اليد على مساحة 15 ألف كيلو متربع من منطقة القلمون الغربي، القريبة من الحدود اللبنانية. والغريب في الأمر، أن الحزب استعان بآليات تتبع للفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد لرسم الحدود الجديدة ووضع الحواجز الترابية لفصل هذه المناطق عن سوريا وإلحاقها بممتلكات حزب الله، الذي يسيطر على مدينة القصير وعشرات القرى التابعة لها في ريف حمص الغربي، حيث يُمنع أهاليها من العودة إلى بيوتهم، ليقوم بزراعة الحشيش في هذه المناطق. وكان أمين عام حزب الله قد أشار في خطابه إلى ضرورة التوجه للزراعة في مواجهة العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا ولبنان.

واللافت في الأيام الأخيرة، وقوع العديد من حوادث الاغتيال، أغلبها ضد ضباط يتبعون لماهر الأسد، كانوا يستلمون مناصب عليا. وإذا كان مستبعداً أن تكون المعارضة السورية هي من يقف وراء الاغتيال، أو أن تكون الاغتيالات لأسباب أمنية، كالخوف من تمرد هؤلاء الضباط أو ربما لتواصلهم مع جهات خارجية لترتيب أحداث أمنية في سوريا، فإن المؤكد أن هذه الاغتيالات التي تزامنت مع كشف شحنات المخدرات؛ ذات صله بهذه العمليات، وخاصة وأن الفرقة الرابعة، وقياداتها العسكرية والأمنية، متورطة بعمليات الاتجار بالمخدرات والآثار، وأخذ الاوتاوات عنوة من التجار والمواطنين العاديين.

وشأن منظومات المافيا، فإن منظومة الأسد، التي تتحوّل بشكل علني إلى تجارة الممنوعات، تقوم بتصفية الأشخاص الذين انتهت أدوراهم، أو بسبب شكوكها بأن بعضهم ربما يقف وراء الوشاية بهذه الشحنات التي يتم ضبطها. وإذا كان هذا الأمر ليس غريباً على منظومة الأسد، إذ لطالما تم الإعلان عن مقتل قيادات عسكرية وأمنية في ظروف غامضة، لكن حصوله بهذه الكثافة وفي هذا التوقيت يؤشر إلى ارتباطه بالتحولات المتسارعة لمنظومة الأسد نحو الاتجار بالممنوعات.

لم تكن منظومة الأسد في تاريخها نظام حكم طبيعي تكمن مشكلته في الاستبداد أو حتى الفساد، رغم بشاعة هاتين الصفتين، بل كانت على الدوام عصابة حكمت السوريين بهذا المنطق وبأسلوب مافيوي.

وأذكر في بداية الثورة أن الكثير من كبار السن كانوا يقولون لنا: "هذا نظام ابن حرام سيفعل كل شيء تتصورونه ولا تتصورونه للبقاء في السلطة". وبالفعل فعل ولا يزال يفعل، لكن متى سيعرف العرب والعالم أن هذه المنظومة ليست خطراً على السوريين وحسب؟ ألا تكشف شحنات المخدرات الرهيبة هذه الحقيقة؟!

twitter.com/ghazidahman1
التعليقات (0)