فنون منوعة

جزيرة شاتر: الهروب إلى الخيال.. والمنارة التي تحجب العقل

(الصفحة الرسمية للفيلم على فيسبوك)
(الصفحة الرسمية للفيلم على فيسبوك)

لا تجعلنا الصدمات أقوى دائما، بعضها ربما يكسر في داخلنا أشياء لا يمكن تعويضها إلى الأبد، وليس هذا عيبا فينا، ولكنه نتيجة طبيعية، إما أن نتقبلها ونعيش معها، أو نرفضها فتودي بنا.

 

تنبيه: تحتوي المادة على حرق لأحداث الفيلم

 

جزيرة شاتر، فيلم إثارة نفسي، عن رواية بنفس الاسم للكاتبة دينيس ليهان، لخصها الفنان ليوناردو ديكابريو في جملة ليست من الرواية، ربما وضعها كاتب السيناريو، "أيهما أفضل أن تعيش وحشا، أم أن تموت رجلا صالحا؟".

محارب سابق، ذكي، عنيف، لا يندم على أفعاله، لديه سردية متطورة مقنعة، كلها صفات ستجعل آندرو ليدس، يتحول إلى إدوارد دانيالز، ويقنع نفسه بذلك قبل أن يقنع الآخرين.

ويغرق آندرو في شخصيته المتخيلة.. نحقق في خيالنا وأحلام يقظتنا ما لا نستطيع تحقيقه في الواقع، نتخلى هناك عن ضعفنا وفشلنا، كان آندرو صاحب الصفات المميزة ضعيفا، وكان المحارب الذكي فاشلا، فتحول إلى دانيالز، المارشال الذي اكتشف سرا على الجزيرة، ومؤامرة، ولغزا بدأ بحل خيوطه، وكل ذلك في خياله.


ولا تكون مصائب المتميزين بحجم مصائب الناس العاديين، فكما أنه على قدر أهل العزم تأتي العزائم، ربما كانت كذلك المصائب.


يصل المارشال دانيالز (الشخصية المتخيلة) إلى جزيرة "شاتر" المعزولة، وفيها أخطر المرضى النفسيين من المجرمين، ليحقق في اختفاء مريضة قتلت أطفالها الثلاثة.

يرافقه تشاك، ليساعده في التحقيقات، ويقابل هناك الطبيب كولي الذي يصر على أن كل من على الجزيرة مرضى وليسوا مجرمين.

يواجه آندرو على الجزيرة مدرستين نفسيتين، الأولى تؤمن بالحوار، والإقناع، والجلوس إلى المريض وإقناعه بمرضه، وأخرى تؤمن بالجراحة النفسية، واستئصال جزء من الدماغ، بكل ما فيه من ذكريات ومشاعر و"مرض".

ونتيجة العملية؛ إما أن يعود حملا وديعا، أو يصبح ميتا يمشي بين الأحياء.

تتحول الأحداث دراماتيكيا حين يصارح الطبيب كولي، والطبيب المعالج الذي لعب دور المساعد تشاك، آندرو بأنه ليس مارشالا، وأنه ليس إلا مريضا على الجزيرة منذ سنتين، وأنه مثل شريط فيديو، يعود من البداية كلما انتهى.

مشكلة آندرو أنه رفض تقبل حقيقة أنه قتل زوجته التي قتلت أولادها في أثناء غيابه عن المنزل.

ربما لا يلام آندرو على إنكاره الجريمة، فقد كانت جزءا من حبه لزوجته، لم يقتلها غضبا، بل قتلها حبا، بعدما طلبت منه أن "يحررها" ففعل.

قد يكون تقبل الحقيقة أمرا صعبا أحيانا، فنهرب منها إلى الخيال، وكما يقول الرافعي: "خففّ الله عن الإنسان فأودع فيه قوة التخيّل يستريح إليها من الحقائق".

لكن ماذا إذا أعجبنا ذلك الخيال فأصبح واقعنا ولم نستطع العودة منه؟

 

يتعرض آندرو لصدمات أقوى مما يستطيع تحمله، يسردها كولي وطبيبه المعالج الواحدة تلو الأخرى في محاولة لإقناعه بتقبل الأمر، والاعتراف بالجريمة، وإلا فيزور "المنارة"، حيث يفقد المرضى بعضا من عقولهم.


لم يستطع آندرو أن يسامح نفسه، لقد قتل أبناءه قبل أن تقتلهم زوجته بعدم استماعه لها ولمشاكلها، لقد كانت جريمته الأولى أنه لم يصغ إليها.


يعترف أخيرا أمام الجميع بأنه أجرم بحق زوجته مرتين، مرة حين لم يستمع، وأخرى حين قتلها، ويعود إلى رشده من جديد، لكن ليس لوقت طويل.

عاد آندرو إلى المربع الأول، ونسي كل شيء، أو تناسى عمدا، ووجه إلى طبيبه المعالج سؤالا تركه حائرا: "أيهما أفضل: أن تعيش وحشا، أم أن تموت رجلا صالحا؟"، ومشى إلى المنارة بملء إرادته.

لك أن تفسر نهاية الفيلم كما تشاء، لك أن تصدق أن آندرو عاد إلى نكران ذاته، ورفض مجددا تقبل الحقيقة، ولا خيار أمام مسؤولي الجزيرة إلى أن يستأصلوا بعضا من عقله، ولك أن ترى أنه قرر التخلص من آلامه طوعا، وقرر أن "يموت" إنسانا صالحا على أن يعيش وحشا.


0
التعليقات (0)