قضايا وآراء

معارضة المهجر التي لا تعارض

مسعود حامد
1300x600
1300x600
إذا ما نزعنا عن الخطاب السياسي المعارض في المهجر رمزياته العاطفية المتعلقة بالشهداء والتضحيات والمعتقلات، وغيرها مما يدغدغ مشاعر العامة والدهماء، بدون أن تعمل واقعيا لتغيير الواقع هناك، فإن المحصلة لهذا الخطاب ستكون كارثية بالنظر إلى سلة الأهداف التي لم نحصد منها شيئا.

إنه خطاب غير متحرر من أناه الضيقة وذاتيته المظلومية المنهزمة، خطاب محبوس بين جدران غربته الأربعة، في حين يكتسب كل خطاب جدواه ومغزاه من قدرته على التواؤم بين الواقع والحقيقة، والانخراط فيهما، لا مستعليا عليهما باجترار التواريخ والأمجاد وبإجراء الأسطوانات القديمة المشروخة، وتكرار المظلوميات المشيرة إلى ضعفه وقلة حيلته وهوانه على الناس.

ثمة حاجة ملحة الآن، وليس غدا، إلى أن يتكرم أصحاب هذا الخطاب الرثائي ومحتكرو الشعارات اللطائمية إلى الانطلاق لعوالم أخرى، غير ما أتقنه وأدمنه هؤلاء طوال السنوات الست العجاف التي مضت، والتي امتدت فيها الثورات المضادة للربيع العربي إلى فراغنا بسببهم.

وإذا بدا الربيع العربي في بدايته كمصفاة غربلت مواقف ساسة تغنوا بالديمقراطية، وما لبثوا أن انكشفوا أمام ترهيب العسكري وترغيبه، فتعرّت أزمتهم البراجماتية، وتحولاتهم السياسية والأخلاقية الفاسدة، فإنه حريّ به في جولته القادمة أن يفضح الربيع خواءات كل خطاب فاسد، لا سيما خطاب المعارضة في المهجر الذي يؤدي ولا يؤثر، ويحوّم ولا يتموقع، ويتمظهر ولا يتجوهر، مستغنيا بالإعلام عن الإقدام، وبمعركة متوهمة اسمها الوعي، عن معركة حقيقية ملموسة عنوانها السعي.

وإذا كان الربيع قد فرض في بدء توهجه مفاهيمه الشعبية ومطالبه كالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة والديمقراطية، وحولها من مطويات ونشرات لهيئات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني إلى قيم ملموسة من لحم ودم، وأعاد صياغتها على طريقته الحاصة بدم الشهداء وكفاحات الثوار، وهتافات المناضلين على أرض الواقع، فإنه لزاما على الربيع العربي أن يراجع خطابه الإغاثي وينظلق في الجولة القادمة من الواقع إلى الإعلام، لا العكس، ولن يتأتى ذلك إلا بتغيير مدراء الجولة الأولى؛ كي يكون هناك هواء جديد ونقي للجولة الثانية، يتم التمكين فيها للشباب الورثة الأصليين لهذا الربيع.

إن أعظم ما يمكن أن يقدمه الإغاثيون في مهجرهم هؤلاء، ولوجه الله إذا ما أخلصوا، هو المشاركة الملموسة مع سائر عناصر القوى الفاعلة، والبحث عنها وإيجادها، على الأرض لا الشاشات، لاستكمال الجولات بوسائل مشروعة، وإقرارها وتحويلها لواقع حيوي بالعمل مجتمعين في ظلالها والانطلاق من أرضها بدون خطفٍ لثمارها.

وألا يفعل هؤلاء، وما ينبغي لهم، أن يغلبوا الهيكل على الجوهر، ولا ما هو حزبي على ما هو وطني، ولا ما هم سياسي على ما هو معرفي، ولا ما هو جزئي على ما هو كلي، ولا ما هو فئوي على ما هو وطني.

إن حركات وجماعات تسارع في رفع ألوية الشعارات بدون أن تنهل شيئا ولو يسيرا من مياه الواقع بملابساته ومقتضياته، وبدون أن تبحث عن أجوبة لأسئلة يومية معيشية معاصرة، وبدون أن تمتلك الحد الأدنى من الخبرة المتاحة للمهام الوعرة، كأنما أغنى رفع الشعار عن التحقق من إمكانية تحقيقه أصلا، وهو ما يرجع لانعدام الرؤية المقاصدية لدى هؤلاء، وإن تنبس بحرف يحاربوك، ويقتلوا أرواحهم!!
التعليقات (1)
عادل انصاري
الأحد، 28-06-2020 01:17 م
موفق ان شاء الله