أفكَار

"العربي الأخير 2084" والنهاية.. أي دور للمثقف في زمن التحول؟

تحذيرات من نهايات مؤلمة للعرب وعودة إلى النظام القبلي- (صفحة واسيني الأعرج)
تحذيرات من نهايات مؤلمة للعرب وعودة إلى النظام القبلي- (صفحة واسيني الأعرج)

تعرف الساحة الفكرية الجزائرية والعربية عموما في السنوات الأخيرة خواء كبيرا، دفع بكثير من الكتاب والمفكرين إلى التحذير من نهايات سوداوية للعرب.. ومن هؤلاء الكاتب والمفكر الجزائري واسيني الأعرج، الذي تنبأ باتجاه العرب إلى العودة مجددا إلى النظام العشائري والقبلي.. ويأتي ذلك ضمن عمل روائي يتهم الأعرج كتابا جزائريين وعرب بالسطو عليه دون الإحالة عليه.

 



الكاتب والإعلامي الجزائري جمال الدين طالب، يثير في هذا العرض الموجز والخاص بـ "عربي21"، لرواية واسيني الأعرج "العربي الأخير 2084"، جملة من القضايا عن حقوق الملكية الفكرية التي ما زالت تثير جدلا بين المشتغلين بالفكر والإبداع، وأيضا وهذا هو الشؤال الأهم عن الدور المنوط بالمفكر في مراحل الانتقال والتغيير كتلم التي يعرفها عالمنا العربي منذ عقد من الزمان.  

اتهم الروائي الجزائري واسيني الأعرج فريق المسلسل المصري "النهاية"، الذي بُث في رمضان الماضي، بسرقة محتوي روايته التي أصدرها منذ أربع سنوات تحت عنوان "2084 حكاية العربي الأخير"، واعتبرها "فضيحة من العيار الثقيل"، في المقابل نفى السيناريست المصري عمرو سمير عاطف اتهامات واسيني، أكد أنه لم يقرأ روايته، وذهب رداً على اتهامات الأعرج إلى أنه يدعو أي شخص يرى أن المسلسل مأخوذ من عمل له إلى اللجوء للقضاء، وأن شركة الإنتاج لجزء ثانٍ من المسلسل، ومن المفترض أن يعرض في موسم رمضان 2021.


وهذه ليست المرة الأولى التي تصدر عن الأعرج اتهامات بسرقة فكرة روايته، حيت وقبل حتى صدورها اتهم، في 2015 مواطنه الكاتب المعبر بالفرنسية، بوعلام صنصال، بـ"سرقة" فكرة وعنوان رواية صنصال الأخيرة  "2084 نهاية العالم".


 واسيني "فجّر" القضية عبر صفحته على الفيسبوك، واعتبرها "فضيحة".. وكتب يقول: "أسوأ خبر هزّني اليوم هو هذه الصدفة الفجائية الغريبة المتعلقة بالإعلان عن صدور الرواية الأخيرة للصديق الروائي الجزائري الذي يكتب بالفرنسية: بوعلام صنصال والتي تحمل العنوان نفسه العربي الأخير"2084 "نهاية  العالم" مع روايتي"2084 العربي الأخير". ونفس الإشكالية عن الوضع الخرافي الذي يعيشه الإنسان العربي. ونفس المكان. عربستان. بينما في روايتي آرابيا.. وأن هذه الصدفة التي هزتني وهزت عملا أشتغل عليه منذ أكثر من سنة، وكل الناس سمعوا به إعلاميا منذ سنة؟".. لكن ملخص رواية صنصال ؤيقول إن أن أحداثها تجري في إمبراطورية اسمها "أبيستان" وليس "عربستان"، كما يقول واسيني الأعرج، وأن أحداثها تجري في هذه الإمبراطورية، التي تأخذ اسمها من النبي "أبي" المفوض من "يولاه" في الأرض، وأن نظامه في هذه الإمبراطورية يعتمد على فقدان الذاكرة والخضوع للإله الواحد. وأن الشخصية الرئيسية في الرواية اسمه "أتي" يهز القناعات المفروضة، ويقوم بتحقيق يكتشف وجود شعب من المرتدين يعيش في "غيتوهات" من دون اللجوء الى الدين.


واللافت هنا أن في تقديم رواية صنصال إشارة واضحة إلى أن الرواية تدخل ضمن سياق أو استلهام أو ربما حتى "أبوة" (إذا ترجمناها حرفيا!) الكاتب البريطاني جورج أورويل وروايته الشهيرة "1984" المستقبلية. وعلى العكس فعلى  غلاف رواية الأعرج ليس في تقديمها على الصفحة الأخيرة، أية إشارة الى رواية أورويل، رغم إشارته في صفحته إلى أن الرواية، التي نشرها أورويل في 1949، هي "الرواية المرجعية" له ولصنصال!

 



وقد تضاربت التصريحات التي تُنقل عن واسيني في الصحافة وفي ما يكتبه على صفحته في الفيسوك، حينها، بين القول إنه أراد اطلاع الرأي العام وبين الصدمة والفضيحة، وإنه لم يتهم "صديقه" صنصال بالسرقة كما تنقل صحف ومواقع، وبين تصريحه لصحيفة جزائرية بأنه "تحدث مع وكيلته الأدبية الفرنسية وهي بصدد استشارة محام يعمل معها في مثل هذه القضايا.. وأنه لا يفكر في دعوى قضائية ولا يتصرف إلا بإذن وكيلته".

ويبدو أن أمر إثبات "أبوة" واسيني للرواية وعنوانها وفكرتها صعب جد، بل وربما ضرب من الخيال (التسويق!) الروائي، على اعتبار أن "أب" الفكرة أساسا ليس واسيني ولا صنصال، وأن في تقديم رواية الأخير إشارة واضحة الى أن "أب" الفكرة هو الروائي البريطاني جورج أورويل، وأن ما كتب على منواله أو اقتباسا من روايات "ديستوبية" (أدب المدينة الفاسدة عكس "يوتوبيا" أي المدينة الفاضلة) ليست إلا "روايات أنابيب" نُسجت على منوال رواية أورويل الأصلية "1984".

 



ويجب الإشارة هنا إلى أن "إنجاب" روايات "أنابيب أورويلية" ليس ابتكارا لا واسينيا ولا صنصاليا (وان كان يُحسب مرة أخرى للأخير بأنه أشار بشكل واضح إلى "الأبوة الروائية" للكاتب البريطاني)، فقد سارَ على منوال فكرة وعنوان أورويل الكثير من الكتاب في أنحاء العالم وبلغات عدة وبزوايا أيديولوجية مختلفة. ومن بين هذه الأعمال مثلا رواية الفرنسي بارتريك بايتيل "2048.. الجمهورية الإسلامية الفرنسية" الصادرة في فرنسا في 2013، وهي الرواية، التي سينسج على تيمتها "الإسلاموفوبية" الروائي الفرنسي "المثير للجدل" ـ حتى لا نقول "العنصري" ـ ميشيل هولبك برواية "الخضوع"، الصادرة بداية هذا العام 2015، وبالتزامن مع الهجوم الإرهابي على مجلة "شارلي إيبدو"، التي "يتخيل" (يهولس!) فيها هولبك بأن فرنسا تحولت الى جمهورية إسلامية برئيس إسلامي منتخب في وقت أقرب أي في 2022. 

ومن الروايات الأخرى التي يمكن ذكرها كذلك رواية بالإنجليزية بعنوان "أرض الحُر.. 2084 غدًا هو اليوم"، الصادرة في 2011، للبروفيسور في علم اللاهوت المسيحي جون وليام ماكلولن. وعكس بوعلام صنصال فإن أحداث رواية أستاذ اللاهوت كُتبت من منظور ديني مسيحي كاثوليكي في عالم مستقبلي (في 2048) تم إلغاء الدين فيه ونسيان التاريخ.

اللافت كذلك في استغراب واسيني من رواية صنصال قوله إن "العنوان الكبير ، 2084 والعنوان الفرعي (نهاية العالم) القريب من حيث المعنى لرواية واسيني (العربي الأخير) ولا عناوين فرعية في أعمال صنصال السابقة بينما هي خاصية شبه ثابتة عندي".. ولكن الحقيقة في أعمال صنصال السابقة رواية بعنوان فرعي وهي "قرية الألماني أو مذكرات الأخوان شيلر" (الصادرة بالفرنسية في 2008)، والتي ترجمت إلى الإنجليزية في أمريكا بعنوان "المجاهد الألماني" (فيما ترجمت ببريطانيا بعنوان مغاير "عمل غير منجز"!)، والتي يقدم فيها صنصال "عربونا" آخر للصهيونية وإسرائيل، التي يزورها فيما بعد! حيث يحاول فيها صنصال ربط ثورة التحرير الجزائرية بالنازية عبر قصة "ضابط نازي ألماني لجأ الى مصر وأرسله جمال عبد الناصر لمساندة الثورة الجزائرية"!.

ثم إن موضوع وعنوان "الرجل الأخير" (العربي فيما يخص واسيني!) ليس جديدا أدبيا ولا حتى فلسفيا فقد سبق أن طرحه مثلا الفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه في كتابه "هكذا تكلم زرادشت"، أما روائيا فقد طرحه بنفس العنوان في روايته الشعرية الخيالية "الرجل الأخير" الكاتب الفرنسي جون باتيست كوزان دوغرانفيل في 1805، وتناولت نفس الموضوع وبنفس العنوان باللغة الإنجليزية، الكاتبة البريطانية ميري شيلي في 1826.

 



ومن النماذج الأخرى، التي يمكن ذكرها كذلك في تيمة وعنوان "الرجل الأخير" رواية الكاتبة الكندية مارغرت أتوود الصادرة في 2004، والتي كان عنوانها الأصلي بالأنجليزية "أوريكس وكرايك"، وقد تُرجمت إلى الفرنسية بعنوان "الرجل الأخير"، وهي على نفس منوال رواية الخيال العلمي الـ"ديستوبية" كرواية البريطاني جورج أورويل " 1984" أو رواية النبؤات "عالم جديد شجاع" لمواطنه ومدرسه السابق ألدوس هاكسلي، والتي كتبها في 1932، والتي تدور أحداثها في لندن في 2540، وبطلها الرئيسي اسمه مصطفى موند.

واللافت أن أورويل كان قد اتهم حتى هاكسلي بأنه اشتق روايته "عالم جديد شجاع" من رواية "وِي" للكاتب الروسي ايفغيني زاماياتين، الصادرة في 1921، وهي التهمة التي نفاها هاكسلي، وقال انه كتب روايته قبل فترة طويلة من معرفته برواية الكاتب الروسي. وقد اعتبر أورويل أن معلمه هاكسلي قد كذب في كلامه هذا.

 


قد يقول واسيني الأعرج، هنا، إنه مثلما هو الأمر مع فكرة رواية أورويل، فإن فكرة الرجل (العربي) الأخير هي ضمن محاولاته لتحقيق "نوع من التناص مع الأدب العالمي والعربي"، رغم أنه بإمكاننا أن نطرح هنا كثيرا من التساؤلات عن هذا "التناص" و"تناصات" في أعمال أخرى لواسيني (في التيمات والعناوين) غير أن مساحة المقال لا تتسع لطرحها (ربما في فرصة أخرى!).

الأعرج يقول إن روايته 2084"العربي الأخير" تروي حكاية آخر عربي على وجه الأرض. بمعنى أوضح، فهي ترصد كيف أن العرب، من الآن وإلى غاية سنة 2084، سيعودون إلى النظام القبلي العشائري، والصراعات على الماء، والتقتيل، إلخ. صحيح أن مخططها هو مخطط مخيف ومروع، وقد أكون مخطئا فيه، لكن الواقع حاليا يكشف أننا نتجه نحو المصير الحتمي. ليس هناك أي مشروع، حتى عند الدول الغنية التي تمتلك إمكانيات مادية هائلة".

وقد أكد الأعرج أنه مثلما يتوقع في روايته، فإن تقارير للاستخبارات الأمريكية تتوقع أن تكون الحروب المقبلة، ليس في العالم العربي فقط بل وفي كل العالم، ستكون مستقبلا حول الماء.

اللافت أنه بالتزامن مع صدور روايته في 2015، كانت الجزائر تعيش احتجاجات رافضة لمشروع السلطة لاستغلال الغاز الصخري في الصحراء الجزائرية برغم مخاطره على المياه الجوفية، التي تقول تقارير أمريكية أن الصحراء الجزائرية تحتوي على أكبر خزان مائي في العالم في جوفها. غير أن الأعرج لم يرفع صوته عالياً، حينها لـ"النهي"، عما تقوم به السلطة حينها من ذلك المشروع "المنكر"، وقبل ذلك من فساد وتبديد من نظام بوتفليقة، بينها على الكثير من "الولائم الثقافية"!

*كاتب جزائري مقيم في لندن

التعليقات (1)
بوشنافة بولرباق المدعو إرواء الغليل
الإثنين، 18-10-2021 11:21 م
حسب ما قرأنا في كتاب " حكاية العربي الأخير " للدكتور واسيني الأعرج، ألفينا فيها إشارات ذات خلفية سياسية أراد التغطية عليها من خلال إثارة أحداث ستجري اطوارها مستقبلا في الوطن العربي، الذي يصفه بذلك الكيان الممزق والمشتت التائه. وإشارتي لخلفيته السياسية التي يريد التسويق لها لدى القارئ العربي ليلمز فيها الثقافة العربية، التي يعتقد الكاتب أن سبب البلايا التي أصابت المجتمع العربي هي موروثه الديني، رغم عدم إفصاحه لذلك، لكن من قرأ لواسيني وتابع مساره الثقافي لا يبذل أكبر عناء في الوصول إلى ما يبتغيه صاحب الكتاب. ويساريته هي التي تدفعه مرة على مرة في كل كتاباته للتلميح إلى الوضع الذي تكابده المجتمعات العربية كي يوغل صدر القارئ العربي بأوهام ممتزجة بشيء من الواقع ليلبسها لباس الحقيقة، ويقنع بها الدهماء من العوام. غير أن الزوبعة التي أثيرت حول هذه الرواية إلى درجة اتهامه بالإنتحال والسرقة مثل الإتهامات الصادرة ضده من الكاتب بوعلام صنصال على أن مضمون كتاب " حكاية العربي الأخير " كثير منه منتحل من روايته. وفيه كتاب ?خرون، لم يغضوا الطرف عن ما احتواه الكتاب، وسرعان ما أعلنوا عن أن الرواية هي شبيهة برواية الكاتب البريطاني جورج أورويل، وهذا القصف الذي شنه الكثير على الرواية، جعلت الكاتب واسيني الأعرج يبحث عن ذريعة تنجد روايته، فانبرى إلى رفع دعوى قضائية ضد مسلسل مصري تم بثه في شهر رمضان، على أن كثيرا من مشاهده تتقاطع مع ما حكاه في كتابه إلى غير ذلك من المؤاخذات المتعددة لا يمكن حصرها في هذا التعليم.