ملفات وتقارير

تقرير جديد يوضح ما حدث حقا مع استجابة الصين للفيروس التاجي

ترامب وأنصاره يريدون الصين كبش فداء بعد التفشي الكبير لفيروس كورونا في الولايات المتحدة- جيتي
ترامب وأنصاره يريدون الصين كبش فداء بعد التفشي الكبير لفيروس كورونا في الولايات المتحدة- جيتي

في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد الموتى الأمريكيين كل يوم جراء فيروس كورونا، حاول الرئيس ترامب بشكل يائس صرف اللوم عنه وعن استجابة حكومته للوباء بشكل غير كفؤ، ووجه أصابع الاتهام إلى  هدف واحد: الصين.

وقال موقع "motherjones"، المتخصص في التحقيقات السياسية، إن ترامب حاول وحلفاؤه السياسيين تصوير الحكومة الصينية على أنهم الأشرار. على الرغم من أن ترامب في بداية الأزمة أشاد مرارا بالزعيم الصيني شي جين بينغ وحكومته؛ لقدرتهم على التصدي للوباء الذي بدأ في مدينة ووهان، لكنه في الآونة الأخيرة بدأ بالادعاء بأن الحكومة الصينية -وليس ترامب وحكومته- هم المسؤولون عن آلاف الوفيات في الولايات المتحدة.

وعندما سألته مراسلة "سي بي إس" الإخبارية، ويجيا جيانغ، عن اختبارات الفيروس وعن أعداد الوفيات الأمريكيين، رد ترامب عليها: "لا تسأليني، اسألي الصين". وطالب رفاقه الجمهوريين بفرض عقوبات على الصين، وتغيير القانون، للسماح للأمريكيين بمقاضاة الصين بسبب الأضرار التي ألحقها الفيروس بهم. بل إنهم جعلوا من استراتيجية "لوم الصين" شعارا لهم في انتخابات 2020.

وأصدرت خدمة أبحاث الكونغرس، الذراع البحثية غير الحزبية في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، هذا الأسبوع جدولا زمنيا مفصلا للإجراءات التي اتخذتها الصين خلال الأسابيع الأولى من الوباء في شهري كانون أول/ ديسمبر، وكانون ثان/ يناير.

لا يلقي التقرير الضوء على الحكومة الصينية، حيث إن أحكام التقرير مقاسة بشكل دقيق، لكنها توفر ذخيرة لأولئك الذين يسعون إلى صرف الانتباه عن تصرفات ترامب وتقاعسه.

ويشير التقرير، الذي كتبته سوزان لورانس، أخصائية CRS في الشؤون الآسيوية. إلى أنه خلال تفشي سارس عامي 2002 و 2003، تعرضت الحكومة الصينية لانتقادات قوية لعدم إبلاغها منظمة الصحة العالمية والشعب الصيني عن الفيروس لأكثر من شهرين. في هذه المرة كان الأداء أفضل: "تبادلت الصين معلومات حول فيروس كورونا بشكل أسرع وأكثر شمولا، وسمحت السلطات الصينية للخبراء من منظمة الصحة العالمية بإجراء ما تصفه منظمة الصحة العالمية "زيارة قصيرة إلى ووهان التي كانت بتاريخ 20-21 كانون الثاني/ يناير 2020". لكن التقرير يضيف: "على الرغم من ذلك، فإن الجدول الزمني يثير تساؤلات للبعض حول تفاعلات الصين مع منظمة الصحة العالمية في الأسابيع الأولى من الوباء".

ويقدم التقرير اتهاما بأنه "قبل 20 كانون الثاني/ يناير 2020 -اليوم الذي اعترفت فيه السلطات الصينية بأن فيروس كورونا ينتقل من شخص لآخر- لم يقدم السجل العام سوى القليل من الأدلة على أن كبار قادة الصين رأوا أن احتواء الوباء أولوية قصوى، ولكن بعد ذلك، يبدو أن السلطات الصينية اتخذت إجراءات صارمة لاحتواء الفيروس".

كما يشير التقرير إلى أن المستشفيات في ووهان بدأت لأول مرة تلاحظ الالتهاب الرئوي غير معروف الأصل في أواخر كانون أول/ ديسمبر. ولكن في الأسابيع الأولى، وفقا للتقرير "ربما لم تكن السلطات الصينية قد تواصلت بشكل سريع مع منظمة الصحة العالمية" بشكل دقيق وفي الوقت المناسب -حيث إنها ملزمة بموجب اللوائح الصحية الدولية، وهي اتفاقية تلتزم بها الصين والولايات المتحدة و194 دولة أخرى- ويضيف التقرير بأن "الصين لم تبلغ منظمة الصحة العالمي بشكل استباقي كما كان مطلوبا منها".

ووفقا للدكتور مايكل ريان، المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحي لمنظمة الصحة العالمية، فقد تعرف مقر منظمة الصحة العالمية في جنيف لأولى مرة عن تفشي المرض في ووهان (31 كانون أول/ ديسمبر) ليس من السلطات الصينية بشكل مباشر، بل من برنامج مراقبة الأمراض الناشئة (ProMED) وهو منصة مفتوحة المصدر مقرها الولايات المتحدة للاستخبارات المبكرة حول تفشي الأمراض المعدية".

واتضح أن مستخدم ProMED نشر ترجمة لتقرير إعلامي صيني يشرح بالتفصيل محتويات "إشعارين عاجلين" حول حالات التهاب رئوي غير نمطي جديد التي أرسلتها لجنة الصحة لبلدية ووهان إلى المؤسسات الطبية في المدينة. وفي نفس الوقت بدأت صورة تقرير معمل تظهر نتيجة إيجابية لمرض السارس تنتشر في الأخبار والدوائر الطبية في ووهان.

وشارك الدكتور لي وين ليانغ على سبيل المثال صورة مع زملائه السابقين عبر الإنترنت عن الفيروس الجديد (ليتعرض الدكتور لي في وقت لاحق لمضايقات من قبل المسؤولين الحكوميين لجهوده في نشر الخبر عن فيروس كورونا، وخسارة حياته بعد ذلك بفيروس كورونا في سن 33 عاماً).

وبمجرد أن علمت منظمة الصحة العالمية عن تفشي المرض من موقع ProMED  طلبت التأكد من المعلومات من الحكومة الصينية.

وفقا للوائح الصحية الدولية، كان أمام الحكومة 24 ساعة للرد، لكن يشير التقرير إلى أن "الجدول الزمني الرسمي للصين يقول إنهم بدأوا بإبلاغ منظمة الصحة العالمية بانتظام بالتطورات المتعلقة بالفاشية في 3 كانون الثاني/ يناير، وفي اليوم التالي، أعلنت منظمة الصحة العالمية على تويتر عن تفشيه في ووهان. لذلك يبدو أنه قد يكون هناك تأخير طفيف لبضعة أيام في الصين للتحقق من الالتهاب الرئوي الجديد".

ويحدد التقرير تأخيرا آخر، ربما أكثر أهمية "يبدو فيها أن الحكومة الصينية قد ترددت على الأرجح قبل إبلاغ منظمة الصحة العالمة عن أن فيروسا تاجيا جديدا هو المسؤول عن تفشي المرض، وتأخر علماؤها بالإبلاغ عن تسلسل جينوم الفيروس".

في 9 كانون الثاني/ يناير 2020 أعلنت منظمة الصحة العالمية أن "السلطات الصينية قامت بتحديد أولي لفيروس تاجي جديد"، بعد ذلك بيومين أعلنت منظمة الصحة العالمية بأنها تلقت "التسلسلات الجينية للفيروس الجديد من السلطات الصينية". ولكن التقرير يشير بأنه "يبدو أن الصين كانت على علم مسبق بأن الفيروس الجديد هو المسؤول".

وأفاد مصدر إخباري صيني بأنه في 26 كانون الأول/ ديسمبر، تم تتبع التسلسل الجيني للحالات التي أصيبت بالالتهاب الرئوي في ووهان، ووجدوا أنها تشير إلى فيروس تاجي جديد. وكان قد قام معهد ووهان للفيروسات بتسلسل جينوم الفيروس في الثاني من كانون الثاني/ يناير، وفقا للتقرير.

وما يثير الدهشة في التقرير أن "المعلومات التي قدمتها السلطات الصينية للشعب الصيني والعالم في الأسابيع الأولى غالبا ما كانت منقوصة، وتقلل من حجم انتشار الفيروس".

ويشير التقرير إلى أن الصين مرت بتجربة "محدودة" لانتقال فيروس كورونا الجديد. ويشير إلى أن " أفراد الطاقم الطبي في ووهان بدأوا يصابون بأعراض مشابهة لأعراض مرضاهم في كانون أول/ ديسمبر"، لكن السلطات الصينية لم تعترف بعدوى العاملين الطيبين التي كانت بمثابة علامة أولية بأن الفيروس معد وخطير للغاية.

علاوة على ذلك، قام المسؤولون الصينيون بترهيب الأطباء، وتشديد الرقابة عليهم، ومنعهم من تبادل المعلومات مع الجمهور حول هذا الوباء. كما رفضت الصين عروضا من الولايات المتحدة لإرسال فريق من الخبراء من مراكز السيطرة على الأمراض إلى ووهان.

ويقول التقرير: "لا يزال من غير الواضح من المسؤول عن قرارات حجب المعلومات في الأسابيع الأولى".  لكن بعد ذلك تحسنت الأمور.

وبعد ثلاثة أسابيع من عدم الإفصاح عن المعلومات وتبادلها مع العالم، تحركت الحكومة الصينية أخيرا في الاتجاه الصحيح.

من المؤكد أن الانتقادات الموجهة للصين يمكن للمدافعين عن ترامب التمسك بها، لكن للقصة بقية، حيث إنها تسلط الضوء على استجابة ترامب غير الكفؤ.

ويشير التقرير إلى أن ترامب اطلع لأول مرة على الوباء في 18 كانون ثاني/ يناير، وأن مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين أبلغ ترامب في 23 كانون ثاني/ يناير بالتهديد المحتمل للوباء الذي يشكله فيروس كورونا. ومع ذلك، لم يتخذ ترامب أي إجراءات فورية، وقام بتوجيه تغريدات تثني على إدارة الصين للأزمة وأشاد بشفافيتها.

في 30 كانون الثاني/ يناير، قام بإنشاء فرقة عمل تابعة للبيت الأبيض، وفي اليوم التالي أمر بحظر السفر ( حظر محدود الفعالية). لكنه أمضى معظم شهري كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير بإجراء خطوات غير ملموسة للاستعداد للوباء المحتمل.

ويقول الموقع: "لعلها لم تشارك الصين معلومات كافية مع العالم في الأسابيع الأولى، والتي ربما قد أعاقت الاستجابة الدولية. إلا أن ترامب استغرق وقتا أطول من الحكومة الصينية للاعتراف بالتهديد واتخاذ اجراءات جادة.

 

وحتى بعد عدة أشهر، ما زال ترامب لم يقم بما يكفي من إنشاء نظام اختبار أو تتبع أو توفير معدات حماية للعاملين في مجال الرعاية الصحية. لذا يمكن لترامب وأتباعه والباحثين عن كبش فداء بجعل الحكومة الصينية رقم واحد كأحد المذنبين، ولكن كما قال كونفوشيوس: "لا تشكو من الثلج على سطح جارك عندما تكون عتبة بابك مغطاة بالثلوج".

0
التعليقات (0)