قضايا وآراء

مصر.. وقرض "صندوق النقض"

1300x600
1300x600
لا تستعجل عزيزي القارئ فليس هناك خطأ إملائي في عنوان المقال، فلم يخطئ الكاتب ولم يسهَ المُراجع ولم تفت على الناشر، لكن العنوان مقصود، هذا العنوان وإليكم التفاصيل..

في مقال قديم كتبته مع أول قرض كان النظام في مصر يتفاوض عليه مع صندوق النقد الدولي، كتبت أفتتح المقال: "إن موظفي صندوق النقد الدولي إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون".

وهنا قد تدرك عزيزي القارئ أن عنوان المقال لم يكن خطأ إملائيا، ولكني عنيت ما كتبت. النقض في اللغة هو الهدم أو الإفساد أو الإبطال، وقال العرب: نَقَضَ وِتْرَهُ أي أخذ ثأره، ويبدو أن الأمر يذهب إلى أخذ الثأر. ولن آخذك كثيرا عزيزي القارئ إلى التاريخ في مسألة أخذ الثأر، فأنت تعلم أمجاد العرب وحقد الآخر على تلك الأمجاد.

كما أنني لن آخذك إلى دهاليز الاقتصاد وتعقيدات الأرقام، لكن اسمح لي أن أدخل هذا المدخل الاقتصادي لتقف على واقع الحال وأسباب استماتة النظام في مصر في الاستدانة من صندوق النقد الدولي، ومن سيدفع ثمن هذه القروض التي تخلف مزيدا من الأعباء، ليس فقط على المستوى القريب، ولكن تبعاته مستمرة إلى أجيال وتؤثر على واقعها المستقبلي، وتسلب منها قرارها وصولا إلى نزع السيادة.

القرض الجديد الذي وافق صندوق النقد الدولي على منحه للنظام المصري، والبالغة قيمته 2.7 مليار دولار، يلفت نظرك فيه سرعة استجابة الصندوق لمنحه للنظام، وهو الذي من المفترض أن تسبقه دراسات وزيارات وشروط وتحقق من تنفيذ شروط مسبقة يفرضها الصندوق، من تحرير سعر الصرف وتعويم للعملة وتقليص الإنفاق الحكومي وتهيئة البيئة القانونية المناسبة للاستثمار. وهنا يجدر بنا السؤال: هل قام النظام بكل هذه الشروط؟

والإجابة بكل شفافية: بعضها، والأغلب لا.

فالجنية تم تعويمه ما جعل قيمته تتراجع بما يقارب الـ45 في المئة، ما أثر على أسعار السلع التي أغلبها يتم استيرادها بالدولار. وما يُنتج في مصر يتم استيراد السلع الرأسمالية المشغلة أو المصنعة أو المكونة له من الخارج بالدولار، ما يعني أن أعباء خفض سعر الجنيه يتحملها المواطن.

ثم نأتي على الشرط الثاني وهو تقليص الإنفاق الحكومي، فلا يحتاج الأمر لتفصيل في ظل إصرار النظام على استكمال بناء العاصمة الإدارية الجديدة. ولعل قائل يقول: لكن قطاع البناء يستوعب عمالة كثيرة ويدير عجلة الأعمال، ومن ثم فإن السوق ينتعش.. هذا كلام حقيقي إذا كانت الأعمال تسند لمقاولين من القطاع المدني، أما  أن تسند الأعمال للقطاع العسكري ويستخدم فيه المجند بالسخرة، فإن قطاع الإنشاءات لا يحقق الهدف منه. وعندما تعرف أن حتى هؤلاء استبعدوا في الفترة الأخيرة واستبدلوا بمقاولين وعمال من الصين، ستكتشف أن الدولار الذي يتغنى النظام بارتفاع الاحتياطي النقدي منه؛ يتسرب من بين أيدي الشعب من أجل تحقيق أحلام الديكتاتور.

وعلى هامش الحديث عن الاحتياطي النقدي، فإن الحديث عن أن الاحتياطي النقدي من الدولار قد زاد هو حديث زائف؛ لأن الأرقام المعلنة هي عبارة عن قروض وهبات أو ناتج بيع سندات، بما يعني أنها ديون أخرى.

أما عن تهيئة البيئة القانونية للاستثمار، فإن ما يفعله برلمان عبد العال (رئيس البرلمان المعين من قبل المخابرات) أقرب ما يكون لمشهد عبثي في فيلم الزوجة الثانية، فالورق ورقهم والدفاتر دفاترهم، والقوانين تشرع من أجل أن تسند المشاريع الكبرى بالأمر المباشر من الجهات السيادية. كل هذا يحمل الميزانية ما يزيد على الــ109 مليار جنيه، بعد أن وصل الدين الداخلي إلى 4.4 ترليون دولار، نُهب جلها من أموال التأمينات، والدين الخارجي إلى 112 مليار دولار تتوزع ما بين قروض من دول وقروض من صندوق النقد الدولي.

والآن عزيزي القارئ من سيدفع هذه الفاتورة؟ قولا واحدا أنت وأبناؤك وأحفادك من بعدك، فالدعم الذي سيُرفع عن بطاقة التموين لتقليص نفقات الدعم هو خصم من رصيدك، والوظيفة التي سيفقدها موظفو القطاع الحكومي والعام من أجل تقليص الإنفاق الحكومي إرضاء لصندوق النقد الدولي؛ هي وظيفتك أنت وأخيك، وأجرة المواصلات التي سترتفع بعد رفع سعر البنزين، لرفع الدعم كما يطلب الصندوق، ستدفعها أنت، وإذا ما رفع سعر البنزين سيرتفع بالنتيجة سعر البضائع الأساسية، وهو ما ستتحمل عبأه أنت.

لكن السؤال الذي يجب أن تسأله أنت عزيزي القارئ: لماذا لا يتحمل النظام شيئا؟ بمعنى لماذا لا يوقف العمل في العاصمة الإدارية، أو يوقف بناء مقار الحكومة المؤقت في العلمين والذي يتكلف مليارات الدولارات؟ ولماذا لا يوقف النظام إرسال جنودنا إلى ليبيا، ولا نعرف لماذا ذهبوا ومن يدفع تكاليف حربهم، ناهيك عن الخسارة التي نتكبدها من أرواح أبنائنا؟ وتساؤلات أخرى كثيرة يجب أن يجيب عنها النظام.. أما أنا فعساني أجبتك عن سؤالك إن كان عنوان المقال فيه خطأ إملائي.
التعليقات (0)