قضايا وآراء

حظر الأسلحة لإيران... عنوان تصعيد أمريكي جديد

صابر كل عنبري
1300x600
1300x600

لم يساهم التفشي الواسع لفيروس كورونا ومكافحته عالميا، باعتباره العدو المشترك للجميع، في تخفيف حدة الصراع الإيراني الأمريكي، ليتصاعد مجددا بعنوان جديد، هي مسألة حظر الأسلحة لإيران، قبل أشهر من انتهاء هذا الحظر في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، بحسب ما ينص على ذلك القرار الرقم 2231 لمجلس الأمن، المكمل للاتفاق النووي، والصادر يوم 20 تموز (يوليو) عام 2015، بعد أيام معدودة من التوقيع على هذا الاتفاق بين إيران والمجموعة السداسية الدولية، وذلك بعد ما شكّل هذا الملف عنوانا خلافيا كبيرا أثناء المفاوضات النووية بعد إصرار طهران على رفع هذا الحظر، وهو ما تم الاتفاق على تضمينه في القرار المشار إليه. 

شرعت الولايات المتحدة المنسحبة من الاتفاق النووي عام 2018، أخيرا، حراكا دبلوماسيا لتمديد هذا الحظر، يقوده وزير خارجيتها مايك بومبيو، وهو حراك مدفوع بمخاوف إسرائيلية من إمكانية حصول طهران على أسلحة أو معدات عسكرية، تستخدمها في تطوير صناعاتها العسكرية، خصوصا الصناعة الصاروخية. كما أن التركيز على ذلك في هذه الظروف قبل أشهر من حلول موعد رفع حظر الأسلحة يطرح دوافع أخرى، في مقدمتها محاولة الإدارة الأمريكية صرف الأنظار إلى ملفات خارجية على حساب تطورات الجائحة في الداخل وتداعياتها الصعبة على كافة المستويات. 

إلا أن التصعيد الأمريكي بشأن هذا الملف أخيرا يأتي في نهاية المطاف في صلب استراتيجية الضغوط القصوى التي تمارسها على طهران منذ الثامن من أيار (مايو) 2018 بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، والسعي لتصفير مكاسب إيران من الاتفاق. 

 

لم يساهم التفشي الواسع لفيروس كورونا ومكافحته عالميا، باعتباره العدو المشترك للجميع، في تخفيف حدة الصراع الإيراني الأمريكي، ليتصاعد مجددا بعنوان جديد، هي مسألة حظر الأسلحة لإيران، قبل أشهر من انتهاء هذا الحظر في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل،

 



عموما، أيا كانت الدوافع، فإنها تبقى أمرا طبيعيا في سياق الصراع القديم المتجدد بين الطرفين، لكن لا يبدو أن هذا الحراك الأمريكي سيضفي في نهاية المطاف إلى تمديد حظر بيع الأسلحة لإيران، لعدة أسباب، أولا لأن تمديد هذا البند في القرار الـ 2231 يستدعي موافقة جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، 4 منهم شركاء في الاتفاق النووي، أي روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، لكن هذا الإجماع غير قابل للتحصيل على ضوء الموقفين الروسي والصيني المعارضين للتوجه الأمريكي، ورجحان إمكانية استخدامهما حق النقض. 

ثانيا، أن الشركاء الأوروبيين للاتفاق النووي أيضا رغم تماشيهم الكامل عمليا مع العقوبات والضغوط الأمريكيتين على إيران على مدى العامين الأخيرين، إلا أنهم غير متحمسين لمسايرة هذا التوجه والقيام بتمديد حظر الأسلحة، لأن خطوة كهذه تعتبر بمثابة انتهاك أوروبي صريح وسافر للاتفاق النووي والقرار الأممي المكمل له، فأوروبا التي تؤكد التزامها نظريا بالاتفاق منذ عامين، مشيرة إلى أن الانسحاب الأمريكي منه لا يعنيها، في حال أقدمت على خطوة تمديد الحظر، فسيمثل ذلك تغييرا في نص الصفقة النووية. 

وعليه، لم تبد أوروبا حتى اللحظة رغبة في تأييد الموقف الأمريكي، ويستبعد أن تفعل ذلك خلال الفترة المقبلة قبل حلول موعد رفع حظر الأسلحة، رغم توافقها في الموقف من برنامج إيران الصاروخي ودورها الإقليمي. 

ما يمنع أوروبا من القيام بهذا الانتهاك الصريح، هو مخاوفها من انهيار تام للاتفاق النووي في ظروف هي ليست مستعدة لمواجهة تداعياته، إذ أنها على الرغم من حالة شبه انهيار يعيشها الاتفاق نتيجة انهيار عاموديه الأساسيين، بعد إعادة واشنطن فرض العقوبات ووقف طهران العمل بتعهداتها "العملياتية" بموجب الاتفاق النووي، لكنها لا ترغب أن تتجاوز خطوات إيران أكثر من ذلك، بحيث تقدم على ما يمكن أن يعيد برنامجها النووي إلى مرحلة ما قبل الاتفاق النووي، مثل رفع مستويات تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة وأكثر أو زيادة أجهزة الطرد المركزي المستخدمة إلى نحو 19 ألف كما قال قبل الاتفاق أو إنهاء الرقابة الأممية المشددة على البرنامج. 

للتهديدات الإيرانية وقعها على الموقف الأوروبي في هذا الخصوص، حيث توعّد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الأسبوع الماضي، بـرد ساحق على تمديد حظر الأسلحة. لم يكشف روحاني أو غيره من المسؤولين الذين أطلقوا تهديدات مماثلة عن طبيعة الرد الإيراني، لكن على أغلب أنه يبدأ بالإعلان عن الانسحاب الكامل من الاتفاق النووي ووصولا إلى احتمال قيامها بالخروج من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وربما التوجه نحو زيادة مدى صواريخها. 

أمام هذا الموقف الذي يقلص فرص نجاح الإدارة الأمريكية في إقناع الأطراف الأخرى بتمديد حظر الأسلحة لإيران في مجلس الأمن، فيبقى احتمال لجوءها تفعيل آلية "فض النزاع" الواردة في الاتفاق النووي، كما طرحها مقربون من البيت الأبيض، حيث يعيد تفعيلها فرض العقوبات أمميا ويلغي القرار 2231، ويحيل الملف النووي إلى مجلس الأمن، لكن لكون واشنطن خارج الاتفاق اليوم بعد انسحابها، سيشكل الأمر إشكالية قانونية، حيث أن تفعيل الآلية بحاجة إلى اتباع عملية داخل لجان الاتفاق. 

إلا أنه في نهاية المطاف، في حال رُفع حظر الأسلحة لإيران على الورق، لكن يتوقع أن يبقى قائما عمليا، مثله مثل العقوبات التي أصبحت مرفوعة بحكم القرار الأممي نفسه، لكنها مفروضة بسبب استغلال واشنطن نفوذها ودورها في المعادلات الدولية. لذلك فالضجة الكبيرة التي تثيرها الإدارة الأمريكية هذه الأيام من خلال التركيز على هذا الموضوع وتضخميه، قد يكون من وراءها أيضا دافع منع الدول من تصدير الأسلحة لإيران أو الاستيراد منها، وجعل ذلك "تابو" لا يقترب منها أحد.

كما أن روسيا التي قد تكون متحمسة لبيع أسلحة لطهران بعد رفع الحظر بحكم علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل من المستبعد أن تقوم بعقد صفقات عسكرية معها. 

@golanbari_saber

التعليقات (0)