قضايا وآراء

الإرهاب والإرهابي أمام القضاء السعودي.. التعريف والتطبيق

1300x600
1300x600

يعد تعريف الإرهاب في العالم أكثر الأمور غموضا وإحراجا، فهو غامض لأن المشرع مجبر على الصياغة الفضفاضة حتى لا يفلت مجرم بجريمته، وغامض لأن القاضي وهو يجول نظره بين صياغة النص الفضفاض من جهة، وبين لائحة الاتهام المقدمة من النيابة العامة من جهة ثانية، وبين كثرة الأفعال المتشابهة والتي يمكن أن ينطبق عليها النص، يرتجف ضميره حيال الاتهام الذي أمامه من جهة ثالثة، والأمر الأخطر هو دخول السياسة على خط القانون والقضاء، والسياسة سيل عارم لا يقف أمامه إلا من يوفقه الله.

وعادة القضاء هو الذي يكشف عورة النص القانوني وهو في سبيله لتطبيقه، أي أن القاضي الذي يطبق النص القانوني يمر بمراحل في تفكيره قبل أن يقبل تطبيقه على الواقعة أمامه، خاصة القاضي الجزائي الذي يبني حكمه على ضميره ووجدانه.

كثر الحديث في الأونة الأخيرة عن توجيه لوائح اتهام لمجموعة من الأردنيين والفلسطينيين المقيمين في السعودية، وغالبيتهم يعملون منذ مدة طويلة دون أي مشكلة؛ وفجأة، وبلا سابق إنذار أو إخطار أو تنبيه تم اتهامهم بالانضمام إلى كيان إرهابي، بعد مدد اعتقال جاوزت المدد المحددة بنظام الإجراءات الجزائية السعودية.


في هذه المقالة أحاول تفكيك تعريف الإرهاب والإرهابي في النظام السعودي، وإنزال هذه التعريف والتفكيك على التهمة الموجهة للموقوفين المشار إليهم أعلاه؛ هذا التفكيك سيكون من الناحية الموضوعية فقط دون الدخول في الناحية الإجرائية.

بداية لا يوجد في السعودية نظام عقوبات يبين الجرائم وعقوبة كل جريمة كما الحال في باقي الدول، وأهمية قانون العقوبات أنه يعبر عن السياسة الجزائية في الدولة، وإذا عرفنا السياسة الجزائية بشكل مبسط جدا بأنها "فن مكافحة الجريمة"، وهذا يتفرع عنه الأمور الآتية: لماذا ومتى وكيف نجرم؟؟ ولماذا ومتى وكيف نعاقب؟؟ 

ومعروف أن نظام العقوبات هو المربي الرئيس للشعب من الناحية السياسية لأنه يحمي المصالح الأساسية الضرورية لبقاء مكونات الدولة المادية والمعنوي، من خلال عقوبات رادعة متناسبة مع الفعل المجرم، تبدأ من التوقيف لساعات، وتنتهي بسلب الحياة. 

والقول هنا هذه الأمور غير موجودة في السعودية حتى نتبين السياسة الجزائية في الدولة وننزلها على تعريف الإرهاب الذي، وفق الأصول التشريعية المنضبطة، يمتد إلى تعريف الإرهابي، حتى لو تم إفراد الإرهاب بتشريع مستقل، لأن الشريعة العامة للجريمة والعقاب في الدول هو قانون العقوبات. 

مصدر التجريم في السعودية:

في العام 1347هـ اعتمدت المملكة رسميا مذهب الإمام أحمد بن حنبل للتقاضي، وتم تعيين مجموعة من كتب فقهاء المذهب كشرعية جزائية (مرجع للتجريم والعقاب)، وهذه الكتب: شرح منتهى الإرادات، كشاف القناع على متن الاقناع، الروض المربع شرح زاد المستنقع، منار السبيل شرح الدليل.

وإذا لم يجد القاضي أيا من الكتب الأربعة، يرجع إلى المغني لابن قدامة، والشرح الكبير لابن قدامة المقدسي (مرجع: د. عبد الله بن ابراهيم الموسى، الاختصاص المذهبي في القضاء الشرعي وتطبيقاته المعاصر، ص 19 ـ 20).

وعلى موقع "عدالة غير آمنة"، وتحت عنوان (تقنين القوانين الجنائية) جاء: (ما زال غياب قانون للعقوبات يشكل قصورا أساسياً يعتري القانون السعودي، وعائقاً محورياً يحول دون حماية المواطنين السعوديين والمقيمين بالسعودية من الاعتقال والاحتجاز التعسفي والمحاكمات غير العادلة). 

 

 

لا يوجد في السعودية نظام عقوبات يبين الجرائم وعقوبة كل جريمة كما الحال في باقي الدول، وأهمية قانون العقوبات أنه يعبر عن السياسة الجزائية في الدولة، وإذا عرفنا السياسة الجزائية بشكل مبسط جدا بأنها "فن مكافحة الجريمة"،

 



وينص القانون الدولي على أن الحكومة مُلزمة بإخطار الخاضعين لولايتها بالأمور التي تعد جريمة. وهذا المبدأ مذكور في المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي جاء فيها: "لا يُدان أي شخص من جراء أداة عمل أو الامتناع عن أداة عمل إلا إذا كان ذلك يعتبر جرماً وفقاً للقانون الوطني أو الدولي وقت ارتكاب الجرم". والمادة 15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يؤكد على هذا الحكم القانوني بذات النص تقريباً. وهذا المبدأ القانوني ينص على أنه بموجب القانون الدولي، لا يحق للدولة أن تعاقب الأشخاص أو تفرض العقوبات عليهم إلا جراء ارتكاب أعمال يحظرها القانون. والقوانين المحددة للأعمال الإجرامية يجب أن تكون متاحة لكل الأشخاص المعنيين وأن تكون صياغتها بقدر من الدقة يكفي لتمكين المتهمين من المعرفة المسبقة، وبمشورة من محامين إذا لزم الأمر، تبعات القيام بتصرف معين. وحين لا يحظر القانون تحديداً فعلاً معيناً بطريقة تمكن المرء من الاطلاع عليه وأن يدرك تبعات أفعاله التي يحظرها القانون إذا ارتكبها بالحد المعقول، فلا يمكن اتهام الشخص حسب القانون بارتكاب جريمة.

وقال محام وقاض سابق من الرياض لـ هيومن رايتس ووتش إنه يشعر بالإحباط والغضب من القيود المفروضة في نظام الإجراءات الجزائية في ظل غياب قانون للعقوبات، وقال: "لا أقبل قضايا جنائية لأنه لا يوجد قانون يمكنني أن أضع حججي تبعاً له". وأيد محام آخر من جدة هذا الرأي بقوله: "حالياً لا يوجد حوار قائم حول قانون العقوبات". وأضاف: "والسبب هو أن نظام الإجراءات الجزائية موجود، لكن نظام للإجراءات الجزائية دون قانون عقوبات أشبه بطائرة بجناح واحد، لا يمكنها الطيران") انتهى.

من أجل التعامل مع الارهاب والارهابي، صدر بقرار عن رئاسة مجلس الوزراء السعودي، "نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله" في نهاية العام 2017، نتطرق تاليا، وعلى عجالة، لما يتعلق بعنوان هذه المقالة، وذلك كالآتي:

أولا ـ الأفعال المجرمة بهذا النظام: تطبيقا لمبدأ الشرعية الجزائية "لا جريمة إلا بنص، ولا عقوبة إلا بنص"، فيجب أن يثبت الادعاء العام أن المتهم اقترف جريمة من الجرائم المنصوص عليها تحت طائلة البطلان، وعلىى القاضي رد الدعوى والحكم باطلاق السراح الفوري، والحق في رد الاعتبار والتعويض عن انتهاك مقتضيات نص المادة.

الأفعال المجرمة وفق نص المادة (3) الثالثة من النظام المذكور هي:

1 ـ  تغيير نظام الحكم في المملكة.
2 ـ تعطيل النظام الأساسي للحكم أو بعض أحكامه.
3 ـ حمل الدولة على القيام بعمل أو الامتناع عنه.
4 ـ الاعتداء على السعوديين في الخارج.
5 ـ الإضرار بالأملاك العامة للدولة وممثليها في الخارج بما في ذلك السفارات وغيرها من الأماكن الدبلوماسية أو القنصلية التنابعة لها.
6 ـ القيام بعمل إرهابي على متن وسيلة مواصلات مسجلة لدى المملكة أو تحمل علمها.
7 ـ المساس بمصالح المملكة أو اقتصادها أو أمنها الوطني.

مع عدم التسليم المطلق بالأفعال الواردة أعلاه بسبب احتمالها وجوه كثيرة كونها فضفاضة جدا، إلا أنه يمكن القول بشكل عام أن كل هذه الأفعال تستحق، ولا يمكن لشخص أن يوجه انتقادا حيال ذلك، وهذا واجب الدولة أن تحمي المصالح الوارد عليها النص السابق، كل ذلك مشروط باثبات اركان الجريمة الثلاث (المادي والمعنوي والقانوني) وفق ما يتطلبه الفقه الجزائي وما يتوصل إليه القاضي الجزائي.

ثانيا ـ التعريفات: في المادة الأولى عرف "نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله" السعودي الجريمة الإرهابية والإرهابي والكيان الإرهابي بالآتي:

3 ـ الجريمة الإرهابية: ‌كل سلوك يقوم به الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بشكل مباشر أو غير مباشر، يقصد به الإخلال بالنظام العام، أو زعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة أو تعريض وحدتها الوطنية للخطر، أو تعطيل النظام الأساسي للحكم أو بعض أحكامه، أو إلحاق الضرر بأحد مرافق الدولة أو مواردها الطبيعية أو الاقتصادية، أو محاولة إرغام إحدى سلطاتها على القيام بعمل ما أو الامتناع عنه، أو إيذاء أي شخص أو التسبب في موته، عندما يكون الغرض ـ بطبيعته أو سياقه ـ هو ترويع الناس أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بأي عمل أو الامتناع عن القيام به، أو التهديد بتنفيذ أعمال تؤدي إلى المقاصد والأغراض المذكورة أو التحريض عليها.

وكذلك أي سلوك يشكل جريمة بموجب التزامات المملكة في أي من الاتفاقيات أو البروتوكولات الدولية المرتبطة بالإرهاب أو تمويله -التي تكون المملكة طرفاً فيها- أو أي من الأفعال المدرجة في ملحق الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب.

ملاحظات على التعريف:

بدأ النص بـ"كل سلوك"، وإذا التزمت الدولة بهذا النص فستجد أن غالبية سكان المملكة يستحقون السجن بتهمة الارهاب، حيث ذكرت المادة الغرض (القصد الجنائي): عندما يكون الغرض - بطبيعته أو سياقه - هو ترويع الناس أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بأي عمل أو الامتناع عن القيام به، أو التهديد بتنفيذ أعمال تؤدي إلى المقاصد والأغراض المذكورة أو التحريض عليها."

والسؤال هنا أليس التفحيط الذي يتم يوميا يدخل في ترويع الناس؟؟ أليس اطلاق الرصاص في الأعراس وغيرها ترويع للناس؟؟ أليس الموسيقى الصاخبة جدا الصادرة من محلات الترفيه المرخصة ترويع للناس؟؟ أم أن ترويع الناس بحد ذاته ليس مقصدا إلا في حالات معينة، مع العلم أن السكينة العامة واحدة من وظائف الحكومة الثلاث(السكينة العامة والصحة العامة والأمن العام)، وكل ما ذكرته من أفعال تنتهك الوظائف الثلاث!

 

مصطلح كيان إرهابي عبارة عن وصف لمسمى لم يحدد في التعريف لمقتضيات التجريم القانوني، إلى هنا هذا أمر مفهوم، أما في حالة التجريم الفعلي (الملاحقة) فلا يقبل إطلاق الوصف، بل لا بد من التسمية، خصوصا أن الإرهاب في العالم له امتدادات توصل إلى فئة أو جماعة معينة

 



‌أما تعداد الأفعال كما وردت في تعريف جريمة الارهاب فتمثلت في كل سلوك يقوم به الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بشكل مباشر أو غير مباشر، يقصد به:

1 ـ الاخلال بالنظام العام: يا ليت "نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله" عرف مصطلح النظام العام مثلما اهتم وعرف باقي المصطحات، لأن الفقه القانوني يرى في الأغاني، والمراقص، التي باتت تنتشر في أماكن كثيرة في السعودية تخل بالنظام العام إخلالا جوهريا وعميقا، فكم مغني سيتم توقيفهم بتهمة الإرهاب؟؟ فالمغني، كما نعرف جميعا، يخالف النظام العام في السعودية الذي مصدره الشريعة الإسلامية والعادات والأعراف المحتشمة، يخالفها من جميع النواحي سواء أمن حيث اللباس، أم الحركات، أم الكلمات، أم الإشارات الشهوانية، والاختلاط وأضراره، وتشويه سمعة الدولة؛ والأفعال التي تندرج تحت هذا المصطلح أكثر من أن تحصى.

2 ـ زعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة أو تعريض وحدتها للخطر: أليس الأمن التربوي والأمن النفسي ذا اعتبار؟ ألم تدمر المغنيات والراقصات هذا الأمن! أليس المصلحون والعلماء ممن يعزز أمن المجتمع؟ ولا نريد أن نكمل وصف الأمن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وغيرها.
3 ـ أو الحاق الضرر بأحد مرافق الدولة أو مواردها الطبيعية أو الاقتصادية،
4 ـ أو إرغام إحدى سلطاتها على القيام بعمل ما أو الامتناع عنه،
5 ـ أو تعطيل النظام الأساسي للحكم أو بعض أحكامه، (أليست أفعال الرقص والغناء والاختلاط تعطل ما يزيد على (10) عشرة مواد من النظام الأساسي؟؟!!).
6 ـ أو تعطيل أو أو محاولة إرغام أو إيذاء أي شخص أو التسبب في موته،
7 ـ الإرهابي: أي شخص ذي صفة طبيعية - سواء أكان في المملكة أمخارجها- يرتكب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في النظام، أو يشرع أو يشترك أو يخطط أو يساهم في ارتكابها، بأي وسيلة مباشرة أو غير مباشرة.
8 ـ الكيان الإرهابي: أي مجموعة مؤلفة من شخصين أو أكثر ـ داخل المملكة أو خارجها ـ تهدف إلى ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في النظام.

ملاحظة: مصطلح كيان إرهابي عبارة عن وصف لمسمى لم يحدد في التعريف لمقتضيات التجريم القانوني، إلى هنا هذا أمر مفهوم، أما في حالة التجريم الفعلي (الملاحقة) فلا يقبل إطلاق الوصف، بل لا بد من التسمية، خصوصا أن الإرهاب في العالم له امتدادات توصل إلى فئة أو جماعة معينة، عندها يجب ذكر المسمى، حتى لو كان الاتهام موجه إلى شخصين فقطـ، فقد درجت لوائح الاتهام على ذكر اسم احدهما متبوعا بكلمة صديقه مثلا، أو زميله، وإذا كانت مجموعة فيتم ذكر مسؤولها متبوعا بجماعته. 

والسؤال: ماذا لو لم يتم ذكر المسمى؟؟

والجواب:

ـ إما أن هذه الجماعة غير معروفة، وهي في بداية مرحلة التأسيس، يعني البداية؛ ومع ذلك الأصل اطلاق مسمى عليها ولو من النيابة العامة سواء باسم أحد الأشخاص المكونين للكيان، أو باسم الواقعة، أو اسم المكان الذي تم الضبط فيه، أو أي اسم يحمل دلالة.

ـ أو أن جهة الادعاء العام محرجة من ذكر الاسم نظرا لعدم انطباق موجبات التجريم والملاحقة (عدم انطباق النص لعدم مخالفة الفعل محل الملاحقة لنصوص التجريم أو روح النص في حالات معينة)، فجعلته اسما نكرة، وهذه مشكلة كبرى، إذ سيتولى الاعلام الافصاح.

ختاما: أغرق المشرع تعريفات الإرهاب بالمجاهيل، بحيث يمكن ادخال اكثر من نصف تصرفات الناس فيها، أما والحال كذلك، فالمعتمد على ابداع وبراعة ومهنية النيابة العامة وهي أو درجة في المساءلة الجزائية، خصوصا أنها توقف المتهم مددا طويلة جدا دون مراعاة لحماية الحقوق في التفتيش وابلاغ الأهل والاستعانة بمحامي، وحق اخلاء السبيل بكفالة أو غير كفالة خاصة وأن المقيم لا يمكنه المغادرة إلا بخروج وعودة، وهذه يمكن للنيابة حجبها.

والأمر الثاني يتعلق بالقاضي؛ والمعروف أن القاضي الجزائي يقضي بوجدانه وضميره، فكيف سيعد فعلا ما إرهابيا، وآخر غير إرهابي في ضوء أن مصدر التشريع في النظام الأساسي هو الشريعة الاسلامية؟ موقفه حقيقة لا يحسد عليه...

 

التعليقات (0)