قضايا وآراء

انظروا وأبصروا واتعظوا يا أُولي الأَلباب

علي عقلة عرسان
1300x600
1300x600

بعض العرب لديهم مشكلة اقتصادية ـ أمنية ـ سياسية مزمنة، ذات تعقيدات شديدات وتشعبات والتباسات ليس عليها من مزيد.. فدخلهم القومي الرئيس هو من الثروات الطبيعية "النفط والغاز ومشتقاتهما ومن الصناعات البترولية"، ومفتاح استخراج تلك الثروات وتثميرها وتوسيع دائرة الاستثمار فيها وتطوير الأداء في ميادينها، وحتى التحكم بتسعير الإنتاج وتسويقه، يقع بيد القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ويستمر ذلك بحكم المعاهدات والاتفاقيات، وبحكم التقدم الصناعي للآلات والتجهيزات والأدوات اللازمة للإنتاج والتصنيع والتطوير من جهة ومن تأثيرها الكبير "سياسياً واقتصادياً وأمنياً" على أصحاب الثروة والسلطة الذين أصبحوا مضطرين لقبول شروط المتحكِّمين بتلك المفاتيح، والسعي لكسب ودهم ورضاهم وحمايتهم خوفاً من المحيط "الداخلي والعربي والخارجي"، وممن يطمعون بهم وبثرواتهم. 

 

ثمن الحماية الغربية

 
وقد استفحل الشعور بالخوف بعد غزو العراق للكويت، وأصبح طلب الحماية من الأمريكيين والبريطانيين بالدرجة الأولى لازمة سياسية ـ عسكرية ـ أمنية، تكلف الكثير معنوياً ومادياً، حيث تدفع مبالغ طائلة لقاء ذلك وتنفق مليارات الدولارات على شراء أسلحة وسلع استراتيجية أخرى تحت ضغط "الحُماة" في مناخ عدم الاستقرار والتخويف الذي يساهم أولئك في صنعه والاستثمار فيه.
 
ونظراً لوجود هوة، تتسع أو تضيق، بين الحكم والشعب في معظم بلدان الوطن العربي بسبب الوجود والنفوذ الأجنبيين والمطالب الشعبية العربية، والرغبة في التغيير وترسيخ العدل والحرية، فإن أزمات ومواجهات دامية تحدث، وخوفاً وقمعاً وظلماً يستشري.. ولذلك تزداد الحاجة الرسمية للحماية الخارجية، وتزداد الفجوة بين الحكم والشعب، وبين أنظمة عربية وأخرى.. فيستعين حكم عربي على آخر وعلى شعبه بقوى أجنبية يعرف أو لا يعرف أنها تستهدف ثروته وأمته، ويذهب في الولاء لها إلى المدى الأبعد، بما يتنافى والاستقلال والسيادة ومصالح البلد والشعب والأمة لأنه يهتم بسلامته وسلطته أولاً.. 

وهكذا تصبح مفاتيح الأمن الداخلي والخارجي ومفاتيح حماية الوجود الرسمي والاستمرار السيادي والسياسي بيد استعمار من نوع جديد، استعمار مدفوع القيمة، يتحكم وينهب ويهدد، ويحقق أهدافه الاستراتيجية باطمئنان. ولدى الأمريكيين خاصة والأوروبيين عامة، ولدى معظم القوى العالمية الكبري التي تشكل حمايات ومظلات للحكم في بلدان عربية، جوائز للولاء ومطالب تتجدد وتتطور وتُخْتَبَر للتثبّت من وفاء الموالين وقدرتهم على القيام بالتزاماتهم، وعلى رأس ذلك: "رضى الكيان الصهيوني وأمنه، والسكوت على ممارساته العدوانية وتوسعه الاستيطاني، وتأمين مصالحه، والقبول بنفوذه وهيمنته، والاعتراف به وتطبيع العلاقات معه".. 

 

سينتصر الجمهور العربي بالوعي والالتزام والعلم والعمل والنضال على الصهيونية العنصرية التي شوَّهت وتشوِّه الأديان والتاريخ والوقائع، وأفسدت وتفسد في الأرض، وتدعي المظلومية وهي الظلم والعدوان والطغيان، وسيحرر وطنه من الاستعمار الجديد وأدواته وأتباعه ودعاته..

 



ولأمر ما وسياسة ما يبدو "الحُماة" محكومين بما يريده الصهاينة ويتنافسون على إرضائهم، ويصدقون كل ما يدّعونه، رغم علمهم بأنهم "يُرْهِبون ويستثمرون في الإرهاب ويقتلون ويكذبون، وأنهم العنصرية بلا ضفاف والعدوان والجشع بلا حدود.. وتراهم يفرضون على العرب، حكاماً ومحكومين، أَلّا يرفعوا سلاحاً بوجه الاحتلال الصهيوني، وأن يطلبوا رضاه مهما فعل، وأن يفرضوا على الفلسطينيين ومن يؤيدهم أن ينسوا قضية فلسطين وأهداف شعبها ومعاناته".

ونظراً لحاجة حكومات عربية لمساعدات مالية، وحاجة الفلسطينيين الملحة للمساعدة بسبب الحصار وظروف الاحتلال والتشرد والتضييق عليهم واتهام مقاومتهم المشروعة للاحتلال بالإرهاب.. فإن تقديم تلك المساعدات يبقى مشروطاً ومرهوناً بموافقة أمريكية وسكوت أوروبي ودولي لا تأتي إلا بموافقة كيان الإرهاب الصهيوني المحتل لفلسطين؟!.. وبذا تكتمل الدائرة حول قضية فلسطين وشعبها ومَن يناصره.. وهذا النهج "الغربي ـ شبه العالمي" استراتيجي ومتصاعد وأكثر من تدميري في عهد العنصري ترامب.

وحرصاً من أصحاب تلك السياسات والاستراتيجيات على نفوذ بعض أصحاب المقامات العربية المنوط بهم تنفيذ ما يُخَطَّط ويُرسَم، فإنهم يُبقون لهم هوامش تحرك "كلامية ـ إعلامية" لا تتعارض ظاهرياً مع قضية فلسطين وشعبها، تُصَدَّر لتخدير الجماهير العربية الرافضة لكيان الإرهاب وللنفوذ الأمريكي الغربي.

 

صناعة التطبيع 

ونتيجة لما أبداه الشارع العربي ويبديه من تمسك بعروبة فلسطين وبحق الشعب الفلسطيني بوطنه، ورفضه للاعتراف بالكيان الصهيوني ولتطبيع العلاقات معه منذ كامب ديفد ووادي عَرَبة وأسلو ومشتقاتها، فإن العمل الأميرو ـ صهيوني، والغربي، اتجه إلى تصنيع التطبيع وترويجه بأغطية تساهم بها "رسميات" عربية معنية بذلك، وإلى خلق مناخ صراع في المنطقة وتطويره ليبقي خوف الخائفين على وجودهم في تصاعد، ويتعزَّز التحالف مع الصهاينة وتتكرس الحماية الخارجية ويستمر دفع تكاليفها الباهظة، لدرء "الخطر" عن الذوات.. وهكذا يدخل كيان الإهاب الصهيوني طرفاً في الحماية والتحالف، وتُخاض حروبُه بالوكالة عنه.. وذلك الفعل الشيطاني تجرَّعه الولايات المتحدة الأمريكية لمن يلزم، بكل الوسائل.

في هذه الظلال الكئيبة، وبعد إشعال النار في بلدان عربية وبين أطراف عربية حاكمة، بدأ العمل على تكوين أدوات تروِّج للتطبيع في الوسط الشعبي العربي من خلال مطبعين عرب في أوساط سياسية وإعلامية وفنية تتغاضى عنهم جهات رسمية أو تتبناهم.. وبدأ نشر وباء التطبيع مع العدو الصهيوني عبر فضائيات عربية في لقاءات ومسلسلات تلفزيونية بأدوات بشرية تعلن عن ذاتها وتوجهاتها في زيارات معلنة لفلسطين المحتلة ولقاءات، وتتطاول على الحق والقضية والشهداء وعلى مَن يعارضها.. تشوه وتفتري وتتعالَم ويتكفل الإعلام المتواطئ يرفعُها "أعلاماً؟!"..

 

إن الجمهور العربي المُقاوم للاستعمار الجديد وللاحتلال الصهيوني الذي رفض كامب ديفيد ووادي عربة وأسلو ومشتقاتهما ورفض التطبيع ودعاته ورموزه وأدواته والاعتراف بالكيان الصهيوني، وتبني بوعي وصدق وانتماء وإيمان تحرير فلسطين من البحر إلى النهر وتثبيت هويتها العربية الإسلامية.. مطالبٌ اليوم بمواجهة هذا المَدِّ التآمري المتصهين بقوة وحزم وثقة وفاعلية وعزم.. وعليه ألا يهادن في هذا الأمر المصيري، وألا يكتفي بالرفض والصمت المأزوم وبازدراء المروِّجين للتطبيع ورموزه وأدواته، وبألا يجعل البُغاثَ تستنسر في أرضنا.. بل عليه أن يجدد العهد على المقاومة حتى التحرير، رغم ما فيه الأمة من عابر الضيق. 

ولا أشك مطلقاً في أنه سيتحقق نصر كاسح على هذه الظاهرة المدعومة بمال وإعلام وأقوال وأفعال من جهات أجنبية وعربية، تُصَنِّع عصياً لتضرب بها رؤوس مثقفين واعين ومناضلين منتمين لأمتهم وقضاياها وأناساً متجذِّرين في الأرض، متمرِّسين بالنضال من أجل الهوية والعقيدة والحرية.. 

 

الجمهور العربي المُقاوم للاستعمار الجديد وللاحتلال الصهيوني الذي رفض كامب ديفيد ووادي عربة وأسلو ومشتقاتهما ورفض التطبيع ودعاته ورموزه وأدواته والاعتراف بالكيان الصهيوني، وتبني بوعي وصدق وانتماء وإيمان تحرير فلسطين من البحر إلى النهر وتثبيت هويتها العربية الإسلامية.. مطالبٌ اليوم بمواجهة هذا المَدِّ التآمري المتصهين بقوة وحزم وثقة وفاعلية وعزم

 



ومع هؤلاء الثابتين على المبدأ والهدف بصبر وتضحيات أتساءل: "متى كان هذا النوع من الأدوات البشرية معروفاً لمن يعرف.. ومتى كانت تقود الوعي والنضال، وتميز بين الحق والباطل، وتعرف الفرق بين الألف والياء؟!".. 

إنني على ثقة تامة بأنه كما سَحَقَ الوعيُ الجماهيريُّ العربي المطبِّعين ودعاة التطبيع منذ كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو وغرناطة وكوبنهاغن و.. و.. فإنه سيسحق الدعوة المتجددة، لأن الأمر يتعلق بقضية أمة ووجودها ووجدانها، وبشعب ونضال من أجل الاستقلال والحرية وتقرير المصير، وبأعدل قضية وأعظم شعب كافح وصبر وسجل سطور قضيته ومعاناته بالدماء والدموع، وما زال يفعل ذلك من دون كلل ويقدم الشهداء ومعه شهداء أمته ومناضلوها وشرفاؤها وكل أبنائها الخُلَّص.. 

سينتصر الجمهور العربي بالوعي والالتزام والعلم والعمل والنضال على الصهيونية العنصرية التي شوَّهت وتشوِّه الأديان والتاريخ والوقائع، وأفسدت وتفسد في الأرض، وتدعي المظلومية وهي الظلم والعدوان والطغيان، وسيحرر وطنه من الاستعمار الجديد وأدواته وأتباعه ودعاته.. 

وإن علينا نحن العرب والمسلمين، في نضالنا على هذه الطريق وسعينا لتحقيق هذه الأهداف أن نتذكّر ونذكِّر بأن المشروع الصهيوني الاستعماري الذي يستهدف الأمة العربية والدين/ الإسلام، لم يبدأ مع اضطهاد الأوروبيين لليهود.. فمؤتمر "بَال" الذي أسس للمشروع الصهيوني في فلسطين عام 1897م، هو قبل سايكس ـ بيكو 1916م، وسايكس ـ بيكو الاستعماري قبل وجه الشؤم بلفور 1917م ووعده المشؤوم بوطن قومي لليهود في فلسطين، وبلفور قبل هتلر والنازية "1933م" وما تبع ذلك ورافقه ونتج عنه من أحداث في مناخ الحرب العالمية الثانية "1939- 1945"م.. وأن المشروع الصهيوني العنصري القذر لم يبدأ بما يسمونه اضطهاد اليهود على أيدي النازيين، فالعنصرية الصهيونية قديمة قدَم تشويه مَن شوَّه شريعة موسى وجعلَ أكثر من ألف سنة من التاريخ بعد وفاته "تَوراة مقدسة؟"، وقد ساهمت العنصرية الصهيونية "المُتَرَبْنِنِة؟!" ادعاءً وزوراً في تشويه التاريخ مفهوم شريعة موسى ووصاياه العشر، وفي إيجاد العنصرية النازية.. فعنصرية الصهاينة أقدم ما في تاريخ العنصريات وأكثرها فتكاً بالحقائق والأخلاق والقيم والأديان..

فانظروا بقلوبكِم، وأبصروا ببصائرِكم، وفكروا وتدبروا، واتعظوا يا أُولي الأَلباب.

التعليقات (0)