أخبار ثقافية

العرب أرخوا للنوازل والأوبئة في أشعارهم.. ماذا عن كورونا؟

تناول الشعر العربي في مختلف عصوره النوازل والأوبئة فيما لم يصل كورونا حد التأثير الكبير في الأنفس بالمنطقة العربية حتى الآن- جيتي
تناول الشعر العربي في مختلف عصوره النوازل والأوبئة فيما لم يصل كورونا حد التأثير الكبير في الأنفس بالمنطقة العربية حتى الآن- جيتي

على مدار قرون، ظل الشعر ديوانا للعرب، ومستودعا لتاريخهم وأفكارهم ومعارفهم وبيئتهم، ومؤرخا لما ألم بهم من حوادث ونوازل وحروب وأوبئة وطواعين وجوائح.

ورغم أن جائحة "كورونا" أصابت حتى السبت، ما يربو على مليونين وربع المليون من سكان الأرض ونحو ثلاثة آلاف في مصر، إلا أن المصريين عبروا عن الأزمة بأغاني المهرجانات والمقاطع الساخرة دون تسجيلها في أبيات شعرية رصينة يذكرها التاريخ، حسب تأكيد الشاعر عبد الحميد بدوي، لـ"عربي21".

وهنا يثار التساؤل: هل سجل العرب في أشعارهم منذ الجاهلية وصولا إلى العصر الحديث ما ألم بهم من نوازل وأوبئة وطواعين؟


"قصيدة الهذلي"

وفي إجابته على تلك التساؤلات، قال الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف: "في الحقيقة لا يحضرني سوى قصيدة أبي ذؤيب الهذلي، حين مات جميع أبنائه الخمسة" جراء الإصابة بطاعون، في بداية العقد الهجري الثالث.

وأضاف "يوسف"، في حديث لـ"عربي21"، أن تلك القصيدة الشهيرة، ومطلعها "أمن المنون وريبها تتوجع"، تحوي الكثير من الأبيات الشهيرة التي يستشهد بها، ومنها: وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع.

وحول غياب جائحة كورونا حتى الآن عن قريحة كبار الشعراء، قال: "أعتقد أننا ما زلنا في بداية الكارثة بالنسبة للمنطقة العربية، والوباء لم ينشب مخالبه في أرضنا بعد، ونسأل الله أن يحفظ البلاد والعباد من هذا الشر المستطير فنحن دول تقودها حكومات غير مؤهلة للتعامل مع مثل هذه الكوارث".

الكوليرا.. ونازك الملائكة

بدوره، قال أستاذ اللغة العربية وجيه يعقوب السيد، إن الأدب الحديث تطرق أيضا للأوبئة، ومن ذلك قصيدة "الكوليرا" للشاعرة العراقية نازك الملائكة، مشيرا إلى أن الأمر لا يقتصر الشعر العربي، فالأدب العالمي عالج النوازل أيضا، ومن ذلك رواية "الطاعون" للكاتب الفرنسي ألبير كامو.

وحول أسباب عدم تفاعل الشعراء الآن مع جائحة كورونا أكد أنها "تحتاج وقتا طويلا حتى تؤثر تأثيرا حقيقيا في النفس".

 

وأضاف: "في أوروبا كتبت أديبة إيطالية شيئا يستحق القراءة، وعرض ما كتبته في الصحف، لأن فاجعة كورونا هناك أكبر".


وأشار الشاعر والأديب والأكاديمي المصري الدكتور شعبان عبدالجيِّد، أيضا لقصيدة الشاعرة العراقية نازك الملائكة النثرية الشهيرة عن الكوليرا، والتي تفشت في مصر في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي.

 

وتقول في بعض سطورها:

الموتُ الموتُ الموتْ

تشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْ

 

الكوليرا

فى كَهْفِ الرُّعْب مع الأشلاءْ

 

فى صمْت الأبدِ القاسى حيثُ الموتُ دواءْ

استيقظَ داءُ الكوليرا

حقْدًا يتدفّقُ موْتورا

هبطَ الوادى المرِحَ الوُضّاءْ

يصرخُ مضطربًا مجنونا

لا يسمَعُ صوتَ الباكينا

فى كلِّ مكانٍ خلَّفَ مخلبُهُ أصداءْ

فى كوخ الفلاّحة فى البيتْ

لا شىءَ سوى صرَخات الموتْ

الموتُ الموتُ الموتْ     

وفي حديث لـ"عربي21"، أكد عبد الجيّد أنه "فيما عدا هذه القصيدة، وقد كتبتها صاحبتُها منذ أكثر من سبعين سنة، في لغةٍ أقرب إلى النثر منها إلى الشعر، لا يكاد معظم القراءِ يعرفون قصيدةً أخرى تماثلها في موضوعها، وتجري معها في غرضها".

وأضاف الشاعر المصري: "وكأن الوباء كان من الهوان بحيث لا يثير في الشعراء دوافعَ القول والوصف، أو حماسة التعبير والتصوير"، معربا عن اعتقاده بأن "هذا لا يصحّ، لا نقلا ولا عقلا، والصحيح أن الشعراء لم يغفلوا عن هذا أبداً، لا في القديم ولا في الحديث".

 

اقرأ أيضا: نيوزويك: النبي محمد واجه الأوبئة بتعليمات ناجحة.. وتفاعل

وأوضح أنه "حين ابتلى الله بلاد مصر والشام بالطاعون منتصف القرن الثامن الهجري، قال ابن تغري بردي: (وقد أكثر الناسُ ذكرَ هذا الوباء في أشعارهم)، وقال السخاوي: (وأكثر الشعراءً وغيرهم في ذكره)" .

وأشار عبدالجيِّد، إلى أن لابن الوردي ( 691 ـ 749 هـ ) "رسالة طريفة وبديعة في طاعون حلب: ( رسالة النبا عن الوبا)، وهي وثيقة تاريخية واجتماعية وإنسانية، كتبها رجلٌ عاش الحدث واكتوى بناره، وراح ضحيته، وقد صوَّر فيها شعراً ما يحدث في أخلاق الناس وسلوكهم عندما يجدون أنفسهم أمام الموت وجهاً لوجه:

فـــهــــذا يُــوصِّي بــــأولادِهِ **  وهــــذا يودِّعُ جيرانَهُ

وهـــــــــذا يهيِّئُ أشــــــغالَهُ ** وهــــــذا يُجـهِّزُ أكفانَهُ

وهـــــذا يصالحُ أعـــــداءَهُ ** وهـــذا يلاطـف إخوانَهُ

وهـــــــذا يُــــــوسِّعُ إنفاقَهُ ** وهذا يخـــالِلُ مَنْ خـانَهُ

وهــذا يحبِّسُ أمــــلاكَــــهُ ** وهـــــذا يحــرِّرُ غِلْمانَهُ

وهــــــــــــذا يُغيِّرُ أخـلاقَهُ ** وهـــــــذا يعيِّـــر ميزانَهُ

ألا إنَّ هذا الوبا قَــــدْ سَبا ** وَقَدْ كانَ يرسلُ طُـــوفانَهُ

 

فلا عاصمَ اليومَ من أمره ** سوى رحمةِ اللهِ سبـــحانَهُ !

وختم بالقول: "في الشعر العربي كثير غير هذا مما لا يتسع المقام هنا لذكره".

"من الأصفهاني حتى السيوطي"

‏وتحدث الشاعر المصري سعد عبد الرحمن، عن أقدم إشارة إلى ظهور وباء الطاعون بأرض العرب في قصيدة من عيون الشعر الجاهلي للشاعر المخضرم أبو ذؤيب الهذلي الذي عاش بالجاهلية والإسلام وتوفي عام 27 هـ .

وأكد رئيس هيئة قصور الثقافة الأسبق، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، أن أبو فرج الأصفهاني نقل بكتابه "الأغاني" أبياتا يرثي فيها شاعر آخر أبنائه الستة الذين قضوا بطاعون البصرة عام 131 هـ.

ويقول الشاعر متفجعا عليهم:

وكنت أبا ستة كالبدور قد فقأوا أعين الحاسدينا

فمروا على حادثات الزمان كمر الدراهم بالناقدينا

وحسبك من حادث بامرئ يرى حاسديه له راحمينا

وأشار إلى ما ورد بكتاب "العقد الفريد"، من أبيات لشبل بن معبد البجلي يرثي، فيها أهل بيته الذين ماتوا جميعا بالطاعون في العراق، وكان كما تخبرنا الأبيات بعيدا عنهم حين داهمهم الوباء فيقول:

متى العهد بالأهل الذين تركتهم .. لهم في فؤادي بالعراق دبيب؟

فما ترك الطاعون من ذي قرابة .. إليه إذا حان الإياب نؤوب

ولفت عبدالرحمن، إلى قول صلاح الدين الصفدي بكتابه "التذكرة" عن طاعون سنة 749 هـ ، الذي اجتاح الشام وفلسطين ومصر ووصل أوربا وسمي بـ "الوباء العظيم".

قد قلت للطاعون وهو بغزة .. قد جال من قطيا إلى بيروت

أخليت أرض الشام من سكانها .. وحكمت يا طاعون بالطاغوت

وأشار أيضا لشعر جمال الدين بن نباتة، المصري المتوفى سنة 768 هـ ، عن طاعون سنة 749 ھ، الذي تفشى ببلاد الشام وفلسطين وكان حينها مقيما بدمشق، وقوله:

سر بنا عن دمشق يا طالب الغي فما في المقام للمرء رغبة

رخصت أنفس الخلائق بالطاعون فيها فكل نفس بحبة

ونقل عن بدرالدين حسن بن حبيب الحلبي، المتوفى عام 771 هـ ، وصفه الطاعون بأنه يصطفي الأخيار من الناس فيبطش بهم شأن الإنسان الظالم الحسود، بقوله:

إن هذا الطاعون يفتك بالصالح مثل امرئ ظلوم حسود

ويطوف البلاد شرقا و غربا و يسوق الخلوق نحو اللحود

وسرد رئيس هيئة قصور الثقافة الأسبق، هجاء الشاعر إبراهيم المعمار، المتوفى سنة 749وباء الطاعون الذي أفقده أحبته قائلا:

قبح الطاعون داء .. فقدت فيه الأحبة

رخصت الأنفس فيه .. كل نفس بحبة

وقال: أما زين الدين عمر بن الوردي، الذي توفي في طاعون سنة 749 ھ، فيرى أن الأخطر من فساد الهواء المتسبب في الوباء هو التعلق بالفساد .. فساد الدين والأخلاق:

قالوا فساد الهواء يردي .. فقلت يردي هوى الفساد

كم من سيئات ومن خطايا .. نادى عليكم بها المنادي

وأشار إلى ما نظمه الإمام جلال الدين السيوطي، بـ"رسالة في الطاعون" وأن الوباء عقاب من الله فيقول :

أظن الناس بالآثام باءوا .. فكان جزاءهم هذا الوباء


آآجال الورى متقاربات .. بهذا الفصل أم فسد الهواء؟

أم الأفلاك أوجبت اتصالا .. به في الناس قد عاث الفناء؟

أم استعداد نفس قد جفاها .. جميل الطبع و اختلف العداء؟

التعليقات (1)
معاذ
السبت، 20-02-2021 02:15 م
الشكر لكم ايها الاحبة والسلام عليكن