قضايا وآراء

لينين الرملي

هشام عبد الحميد
1300x600
1300x600
ورحل لينين الرملي، ورحلت معه أوجاع وأحزان مثقف مصري حقيقي.

الرملي مبدع قلما يجود به الزمان في محيطنا العربي. كتب لينين الرملي أعمالا هامة للمسرح والسينما متبعا الهم الذي يشغله؛ فقدم الكثير الذي أعجب البعض، والكثير مما لم يرض عنه البعض الآخر.

وبرغم ذلك نجح لينين نجاحا كبيرا، وربما غير متوقع، متجاوزا كل الصعوبات. وبالرغم من اتهامه بأنه يقيم إبداعه على الاقتباس، وأنه لا يمثل الإبداع الخالص، والدليل الذي قدّمه هؤلاء المشككون كدليل: هو مسرحية "انتهى الدرس يا غبي" المُقتبسة من فيلم تشارلي.. أثبت لينين للجميع على مدى الزمن، أنه نوعية نادرة ومهمة من المبدعين.

نجحت أعماله وانتشرت ولاقت اهتماما، على المستوى النقدي والجماهيري، محققا المعادلة الصعبة، والتي أخفق الكثيرون في تحقيقها، وهي معادلة السهل الممتنع.

وكما أن النجاح يصنع المجد فإنه أيضا يسبب الألم والمعاناة. وهذا تحديدا ما كان يعانيه لينين. لم يكن لينين الرملي كاتباً للسلطة؛ وإنما كان يكتب بهوى يساري، بل الأكثر، هو في كثير من الأحيان يعارض هوى السلطة.

قدّم الرملي أعمالا فنية لها قيمة حقيقية، ولأنه فنان أصيل لا يمكن أن يُقدّم أعمالا على وزن "دلعني يا زغلول"، فكان سببا في إحجام المنتجين عنه. ولأنه لا يقبل أي إملاءات من أي نجم مهما علا شأنه، فقد لاقى تحفظ النجوم عليه.

في مرحلة لاحقة، أصبح لينين وحيدا يصارع وحده بقلمه كل طواغيت الإهمال والتهميش والإقصاء المتعمد، والجهل المتفشي. فالجميع يريدون لينين، والجميع لا يريدونه، هم يريدونه بشروطهم، فيصطدمون بشروطه المشروعة؛ شروطه التي هي أفكاره التي تعبر عن نفسه، والتي هي رهانه على استقلاله وتميزه وعمقه. كان عنيدا لا يقبل المساومة على إبداعه، وقاسيا وفظا أحيانا إن تَطّلب الأمر. ولكنه كان على النقيض، رقيقا حنونا أمام المواهب، كان يدفعها إلى الأمام، بل وأحيانا يساهم في صنعها.

أذكر أنني عندما كنت طالبا في المعهد، عملت بمسرحية "انت حر" في موسمها الشتوي الأول في مسرح الزمالك، وقتها قدّمت دورا صغيرا، ويبدو أنه كان مؤثرا انتزع تصفيق وإعجاب الجمهور. وفي أحد الأيام اقترب مني لينين بنظارته السميكة الغامقة، والبانطو الداكن، وقال: هل قرأت ما كتبته عنك سناء فتح الله في الأخبار؟ وقبل أن أنطق أعطاني نسخة من الصحيفة، لأجد الكاتبة سناء فتح الله قد أفردت لي وصفا خاصا لأدائي، لافتة النظر إلى أنه سيكون هناك نجم جديد سيظهر بقوة في الساحة الفنية، إذا أُتيحت له الفرصة. ولم أكن وقتها سوى طالب في السنة الثانية للمعهد. وحقيقة كان لهذا الموقف بالغ الأثر في نفسي، وكانت بداية ثقة وصداقة بيني وبين لينين الرملي.

وقد استشعرت عن قرب بألمه، من الغبن الذي يتعرض له، وغضبه المكتوم، ورغبته المحمومة في تقديم فن يجمع ما بين المتعة والفكر. ولكنهم حاصروه وأحكموا حصاره، وأهالوا عليه التراب حيا. ولهذا رحل لينين لكي يريح كل الغاضبين منه. رحل وما زال باقيا بأعماله ولو كره الكارهون.
التعليقات (0)