مقالات مختارة

ماذا بعد سقوط رئاسيات 4 جويليّة؟

عبد الحميد عثماني
1300x600
1300x600

مثلما توقّع الجميع، ها هي الأجندة الانتخابية للرابع من جويلية تسقط في ماء الحراك الشعبي، لأنّ “الثورة” السلميّة رفضت تسليم مصيرها لاستحقاق رئاسي لا يكافئ نضالها، بل إنه لا يضمن لها تجسيد إرادتها الحرّة في اختيار من يحكمها بكل شفافيّة، وما خرج الجزائريّون بالملايين إلا توقا إلى تحرير السلطة من الاحتكار خارج الشرعيّة، لكن السؤال الأهمّ الآن: ماذا بعد سقوط الموعد الانفرادي للاقتراع “المؤجَّل”؟ إذ لا شكّ أنّ الرهانات المستقبليّة متباينة بين تطلعات عموم الشعب ومخططات الجماعات والعصابات، وكلّ خطأ في تقدير الموقف المرحلي سيجنّد حتما الحراك، ودون وعي منه، لخدمة مصالح “الأقليّة”، ليُجهض الأحلام في التغيير الفعلي، ويُحيلها سرابا يحسبه المتنطعون انتصارا مُبينا.

وعليه، وجب الإقرار مرّة أخرى أنّ ما تحقّق من مكاسب متواليّة في مسيرة الحراك أتى بفعل التلاحم بين الجيش والشعب، وتعزّز بفضل الإرادة الثنائيّة لهما في الانعتاق، وأنّ كل محاولة عدميّة اليوم للنفخ في كير الاختلاف مع المؤسسة العسكريّة، عبر خطابات التشكيك في النيّات، هي زرع متعمّد للألغام في حقل الانتقال الديمقراطي الذي لا يزال الطريق نحوه طويلا وشاقّا، يقتضي التأنّي والحكمة، للبحث عن القواسم المشتركة في البناء الجديد، بعيدا عن منطق الاستعداء والولاء على حدّ سواء.

سيكون من الخطأ الفادح تصوير إجهاض الانتخابات على أنه تفوّق ثوريّ على الخيار الدستوريّ للجيش، بل هو تضليل سياسي بالأساس، لأنّ المؤسسة لم تفصح أبدا عن تمسّكها بالتواريخ المعلنة، بقدر حرصها على الالتزام بالمبدأ والآلية الانتخابية كمخرج لإنهاء الأزمة، ولا نظنها مختلفة في ذلك مع رؤية الأغلبيّة الساحقة من الجزائريين.

إنّ الأولويّة القصوى بعد التأجيل الإجباري للانتخابات هو تقنين “السلطة الوطنية” لتنظيمها، بالموازاة مع ترحيل فوري لحكومة نور الدين بدوي، واستبدالها بطاقم من الكفاءات النزيهة يحوز رضا الشعب، لكن المرور إلى هذه المرحلة يقتضي الدخول في حوار وطني واسع لضبط خارطة طريق إدارة الفترة الانتقالية بأقلِّ الأضرار، لأنّ التعويل على فرض الحلول الفوقيّة لن يفلح في الخلاص من المأزق.

لذا ندعو إلى “ندوة جامعة” عاجلة لرسم معالم المستقبل القريب، على قاعدة التوافق بين مؤسسات الدولة والحراك والطبقة السياسيّة، يُخوّل لها تقرير آليّة تسيير فترة “ما بعد عبد القادر بن صالح”، في حال رفض الفتوى الدستوريّة بتمديد رئاسته للدولة، وكذا الفصل في تركيبة ورئاسة اللجنة المستقلّة لتأطير العملية الانتخابية، وحتّى رئاسة الوزارة الأولى، كل ذلك ربحا للوقت الضائع، وقطعا للطريق أمام المراهنين على التأسيس لحالة الفراغ والفوضى.

لا شكّ أنّ إشكالية تنظيم “مؤتمر عام للقوى الوطنيّة”، يتولّى تنفيذ المقترحات السالفة الذكر، ترتبط بشرعية الجهة المشرفة ومصداقيتها، في ظل الرفض الشعبي لرموز النظام السابق، وخروجا من تلك الدائرة المفرغة، نقترح أن يبادر تكتل مدني محدود، من تنظيمات حقوقيّة ونقابيّة، على شاكلة الرباعية في تونس عام 2013، برعاية الحوار، بمرافقة كاملة وقويّة من مؤسسة الجيش، إلى غاية الاتفاق النهائي على ترتيب كافّة الاستحقاقات القادمة.

على الحراك والسلطة الفعليّة الاقتناع أنّ المسلك الوحيد الآمن هو تقريب وجهات النظر بين الجزائريين لأجل العودة إلى الشرعيّة الرئاسية في أقرب الآجال الممكنة، أمّا عهد الانفراد بتقرير مصير الشعب فقد ولّى مع ثورة 22 فيفري الحضاريّة.

عن صحيفة الشروق الجزائرية

0
التعليقات (0)