ملفات وتقارير

هكذا دفع الشباب المصري الضريبة في ثورتي 1919 و2011

يرى المختصون أن الشباب أكثر من دفعوا الضريبة في ثورتي 1919 و2011- جيتي
يرى المختصون أن الشباب أكثر من دفعوا الضريبة في ثورتي 1919 و2011- جيتي

لم يختلف المؤرخون المصريون، على الدور الذي لعبه الشباب بثورتي 1919 و2011، وأنهم كانوا سببا في تفجيرهما واستمرار وهيجهما، كما أنهم لم يختلفوا في أنه عندما تولى الساسة مقاليد الأمور، تحول هؤلاء الشباب إلى عبء يجب التخلص منه.


ويرى المختصون الذين تحدثوا لـ"عربي21" أنه رغم وجود فارق زمني بين الثورتين يصل لأكثر من 90 عاما، إلا أن الشباب فيهما كانوا أكثر من دفعوا الضريبة، حيث احتلوا الأرقام الأولى بقوائم الشهداء والمصابين والمعتقلين والمطاردين، وإن كان الوضع في ثورة 25 يناير 2011، هو الأكثر سوءا.


ويوضح المختصون أن توصيف المؤرخ المصري عبد الرحمن الرافعي قبل مئة عام، في كتابه "ثورة 1919: تاريخ مصر القومي من 1914 إلى 1921"، بأن ثورة 1919 أشعلها الطلاب والعمال، بينما خذلها الساسة، ينطبق على نفس المشاهد التي شهدتها مصر خلال أحداث 25 يناير 2011 وما تبعها.


تصادم الشباب


ويعلق الباحث السياسي بجامعة القاهرة أسامة أمجد على دور الشباب في الثورتين، مؤكدا لـ"عربي21" أن دورهم في ثورتي 1919 و2011، كان مختلفا عن دورهم في ثورة عرابي التي جرت عام 1879، حيث كان مشهد عموم الشعب خلف الزعيم أحمد عرابي هو الأبرز، دون بزوغ لنجم فئة عمرية عن الأخرى، كما أن ثورة عرابي بدأها الزعيم مع عدد من ضباط الجيش المصري ضد الخديوي عكس الثورات التالية.


ويضيف أمجد قائلا: "الوضع اختلف بعد 40 عاما، عندما كان الشباب هم الوقود الأساسي لثورة 1919، ولكنه وقود كانت له أسبابه ومحركاته التي سبقت الثورة الشعبية الكبرى، ومن هذه المحركات كتابات وخطب الزعيم الشاب مصطفى كامل، الذي توفي قبل 11 عاما من ثورة 1919، ما جعل طلبة الحقوق، والمدارس الثانوية، وطلاب الأروقة بالأزهر، ثم باقي فئات الشباب، يكونون طليعة الهبة الشعبية ضد الإنجليز في 1919".

 

اقرأ أيضا: رموز الحركة الوطنية في ثورة 1919 (إنفوغراف)


ويشير الباحث السياسي إلى أن سعد زغلول باشا، استغل توهج الشباب المصري لصالحه بشكل كبير، وأسس من خلالهم أول تنظيم سري مسلح بقيادة أقرب الناس إليه، عبد الرحمن باشا فهمي، وهو التنظيم الذي حاول زغلول والوفد بعد ذلك التبرؤ منه، ولكن مذكرات عبد الرحمن فهمي أكدت وجوده واستخدامه ضد الإنجليز وضد مناهضي الوفد من القوى السياسية الأخرى بعد ذلك.


وبحسب توصيف أمجد، فإن شباب ثورة 1919، الذين انخرطوا في العمل السياسي مثل محمود فهمي النقراشي باشا، هم الذين حاربوا الشباب المصري بعد 30 عاما من قيام الثورة، عندما رفض الشباب الجدد الحكم الحديدي للنقراشي، وطالبوا برحيل الإنجليز، مستشهدا بحادثة كوبري عباس عام 1946، عندما أمر النقراشي بفتح الكوبري، رغم أن الطلاب كانوا في منتصفه أثناء تنظيمهم أكبر مظاهرة عرفتها مصر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.


ويشير أمجد إلى أن الطلاب والشباب بعد فتح الكوبري توزعوا بين الغرقى والقتلى والمصابين والمعتقلين، وأصبحوا بين فكي كماشة قوات الاحتلال من جهة وقوات بوليس النقراشي من جهة أخرى، ومن تحتهم نهر النيل يبتلع من يسقط منهم.


فشل الاستيعاب


ويدعم الخبير السياسي أحمد الشافعي الرأي السابق بأن الشباب هم أكثر من دفعوا فاتورة الحركات الثورية، موضحا لـ"عربي21" أنه استمع لكثير من المشاركين في أحداث ثورة 25 يناير 2011، وخاصة المقربين من الدكتور محمد البرادعي وجماعة الإخوان المسلمين.


ويضيف الشافعي أن شباب الميدان كانوا أكثر نضجا من السياسيين، وكانت لديهم قدرة على التقارب وتجاوز الخلافات بين التوجهات السياسية، أكثر من الساسة أنفسهم، ولذلك شكلوا في الأيام الأولى للثورة المجلس الثوري المصري، واتحاد شباب الثورة، وغيرهما من التجمعات التي كانت تعكس رغبتهم في أن يظل الميدان تحت حركتهم هم، وليس حركة السياسيين.


ويوضح الخبير السياسي أنه عندما تصادمت هذه الرؤية مع التنظيمات السياسية والحزبية التي ينتمي إليها هؤلاء الشباب، كانت النتيجة هي الانفصال، كما حدث مع مجموعة شباب الإخوان الذين انفصلوا وشكلوا حزب التيار المصري، وفي المقابل رفضت حركة الاشتراكيين الثوريين أن تتناغم هي الأخرى مع الأحزاب اليسارية والعلمانية التي ظهرت على سطح السياسة.

 

اقرأ أيضا: الوجه الآخر من ثورة 1919.. المقاومة المسلحة


ويؤكد الشافعي أن المجلس العسكري وحكومات عصام شرف وكمال الجنزوري فشلوا في استيعاب الشباب، لأنهم نظروا إليهم من منظور السياسة، الخاص بالمناصب والإدارة، بينما كان الشباب يطمحون للتغيير الشامل الذي يجب ألا تقف أمامه تطلعات الساسة والتصورات الحزبية، وهو ما يبرر سبب فشل كل الخطط التي حاولها السياسيون في استيعاب شباب 25 يناير.


ويشير الشافعي إلى أن قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي وأجهزة المخابرات الدولية التي تلاعبت بثورة يناير، استغلت الشباب هي الأخرى من خلال حركة تمرد، التي كانت غطاء شعبيا للانقلاب العسكري، ولكن الفارق كان كبيرا، حيث تحول شباب تمرد إلى أعضاء بالبرلمان ونواب للوزراء، بينما شباب الثورة الحقيقيين تنوعوا بين الشهداء والمعتقلين والمطاردين والمنتحرين.

التعليقات (0)