مقالات مختارة

دم خاشقجي غالي الكلفة

صالح عوض
1300x600
1300x600

منذ تمت تجزئة جسم الصحفي السعودي جمال خاشقجي وتوزيعها على حقائب في القنصلية السعودية باسطنبول، وتداعياتها لم تتوقف بعد. فلقد كان دمه الذي جمدوه في عروقه كافيا لإحداث زلزال لازالت ارتداداته تتحرك على أكثر من صعيد.


فلقد أحدثت العملية الإجرامية هزة في الضمير الإنساني على مستوى الأوساط الثقافية والإعلامية، بل والسياسية على أعلى مستوى، الأمر الذي شكل من الضغط ما يكفي لإحداث تغييرات ميدانية كبيرة في المنطقة العربية والعالم.


على الصعيد السوري، أعلن ترامب انسحابه وإيكال موضوع المسلحين لأردوغان ليتخلص منهم بالكيفية التي يرى فيها محاولة لاستمالة أردوغان الذي يجد فرصته في إملاء شروطه الإقليمية والدولية، كي يخفف ضغطه عن المملكة في ملف خاشقجي، وفي أوروبا يتواصل الضغط لإيقاف الكارثة في اليمن وإيقاف دعم التحالف السعودي ضد اليمن، وعلى الصعيد الإيراني أسرعت السعودية في إغلاق ملف الحجاج الإيرانيين الذين قضوا إثر التدافع الحاصل في منى وتحت الرافعة، حيث قضى مئات الإيرانيين منهم مسؤولون كبار. وعلى الصعيد العربي، بدأ التصدع في جبهة الحصار على سوريا، فبعد أن زار البشير دمشق، افتتحت الإمارات سفارتها في العاصمة السورية، فيما يتم التحضير لزيارة بعض الرؤساء العرب وفتح السفارات، كما أن هناك جهودا متواصلة لتصحيح الخطيئة بطرد سوريا من جامعة الدول العربية.


تأثير دم خاشقجي المجمد في عروقه لم يتوقف إلى هنا، بل تقدم نحو المشهد السعودي لإحداث تغييرات في تعيينات واسعة في محاولة للتقدم للعالم بوجوه جديدة وبمنطق جديد. كما أن الضغط على الفلسطينيين خفت وطأته بخصوص صفقة القرن، حيث تم الإعلان عن تأجيل الإعلان عنها، بل وتزايد الدعم السعودي للأونروا والسلطة الفلسطينية والتأكيد لمرات عديدة على حقوق الشعب الفلسطيني في دولة القدس عاصمتها.


هنا نريد أن يكون واضحا أن الأمريكان يديرون الأزمة بإتقان بين متشدد ومساير لإحداث مزيد من الارتباك في المشهد السعودي، وللدفع بالسعودية إلى دفع المزيد من التنازلات لاسيما في المجال الاستثماري وأسعار النفط وزيادة ضخه. وهنا وجدت روسيا فرصة لها لمد ساقيها في المربع الأمريكي، حيث حذرت الإدارة الأمريكية من الضغط على السعودية في محاولة لفتح سوق اقتصادي لها وتنسيقات أمنية وسياسية، قد تفيدها في ترتيب المشهد السوري ومناطق صراع أخرى.


إنه دم غالي التكلفة ولازالت ارتداداته تضرب في أكثر من اتجاه. الأمر الذي يعني بوضوح أن التركيبة السياسية في كثير من بلداننا هشة، إلى درجة عدم قدرتها على الصمود أمام عاصفة إعلام. ويعني من جهة أخرى أن الإدارات الأمريكية تتحرك في ملفاتنا بلا ضوابط أخلاقية ولا قانون دولي.


ورغم كل شيء، يجب أن نؤكد ضرورة أمن بلداننا واستقرارها، ورفض التدخلات الأجنبية في شؤونها والتأكيد أن رفضنا للقمع والظلم والتجاوز لا ينتهي بنا إلى التخريب، بل إلى استمرار الدعوة إلى الإصلاح. تولانا الله برحمته.

 

عن صحيفة الشروق الجزائرية

 

0
التعليقات (0)