قضايا وآراء

السيسي وترامب.. تفاعلات الكيمياء وحدود الدعم

1300x600
هذه هي أول زيارة رسمية لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن، سبقها اثنتان إلى نيويورك؛ للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي زيارة لطالما حلم بها السيسي، وألح على الجانب الأمريكي في سرعة إنجازها، بعد أن تم تأجيلها من قبل. 

وترجع لهفة السيسي لهذه الزيارة كونها أول زيارة رسمية له إلى واشنطن، التي رفضت أن تستقبله بشكل رسمي في عهد أوباما، كما أنها ستكون أول لقاء رسمي مع ساكن البيت الأبيض الجديد، دونالد ترامب، الذي تجمعه به "كيمياء خاصة"، وفقا لتعبير ترامب نفسه، الذي وصف السيسي من قبل بأنه شخص رائع، وأنه سيكون حليفه الرئيس في مكافحة ما وصفه بالإرهاب، الذي اعتبره ترامب العدو المشترك الذي يجمعهما. 

هذه الكيمياء الخاصة التي يشعر بها ترامب يشعر بها بدرجة أكبر عبد الفتاح السيسي، الذي ظل يضع يده على قلبه طيلة الحملة الرئاسية الأمريكية، ثم تنفس الصعداء بعد فوز ترامب. 

وكان السيسي أول من هنأ ترامب بعد دقائق من إعلان فوزه، معتبرا هذا الفوز هدية السماء لإنقاذ حكمه المتعثر، وحمايته من مناهضيه الذين تتسع رقعتهم مع تصاعد الغلاء والبلاء والعناء الذي جلبه انقلابه في الثالث من تموز/ يوليو 2013.

وصل السيسي أمس إلى واشنطن في زيارة طويلة تستمر حتى نهاية الأسبوع، محملا بجرعة أكبر من الكيمياء تجاه صديقه ترامب، وراجيا أن تترجم تفاعلات تلك الكيمياء في دعم مالي وسياسي يبقيه في السلطة لدورة جديدة، مبديا المزيد من الاستعداد لفعل كل ما يطلبه منه ترامب دعما لإسرائيل، ومواجهة لكل مظاهر التمدد الإسلامي في مصر والمنطقة عموما، تحت ذريعة محاربة الإرهاب. 

وعلى الأرجح، ستكون أهم نتائج اللقاء خطط ومشروعات أمنية جديدة لمكافحة الإسلاميين عموما، وليس فقط الحركات المسلحة، وهو ما يمثل قناعة مشتركة بين الرجلين. 

وما يجدر ذكره، أن ترامب تعهد إبان حملته الانتخابية بعقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب، وسيدعو السيسي وملك الأردن وحكاما آخرين من المنطقة، وعلى الأرجح سيعقد هذا المؤتمر خلال العام الجاري.

يستغل السيسي هذه الكيمياء الخاصة التي تجمعه بترامب لدفعه لتصنيف جماعة الإخوان جماعة إرهابية، مستغلا رغبة شخصية لترامب نفسه في هذا الأمر، عبر عنها كثيرا خلال حملته الانتخابية وحتى بعد فوزه، ووضعها ضمن أولويات عمله في البيت الأبيض.

ولن يبدأ من نقطة الصفر، إذ إن اللجنة القضائية في الكونغرس وافقت في 24 شباط/ فبراير من العام الماضي على مقترحي قانون تقدم بهما كلا من السيناتور الجمهوري تيد كروز وعضو مجلس النواب الجمهوري "ماريو دياز بالارت" وهذه الموافقة الأولية تحتاج موافقة غالبية نواب مجلسي الشيوخ والنواب قبل رفعها للإدارة الأمريكية لتنفيذها. 

لكن رغبة السيسي وترامب في هذا المسعى تصطدم حتى الآن بتقديرات معاكسة لدوائر صنع قرار أخرى لها ثقلها في السياسة الأمريكية، خاصة وزارة الخارجية والمخابرات، ومنظمات المجتمع المدني. 

فالخارجية الأمريكية أصدرت مؤخرا مذكرة داخلية نصحت فيها بالتراجع عن هذا القرار، والمخابرات الأمريكية حذرت الإدارة الجديدة من تداعيات خطيرة قد يسفر عنها هذا التصنيف. 

وحذرت 80 منظمة مجتمع مدني أمريكية من المضي في هذا المسار، وتزامن مع كل تلك الضغوط رحيل مايكل فلين مستشار الأمن القومي لترامب، الشخص الأكثر تشددا ضد الإخوان. 

ورحل فلين عن موقعه نتيجة فضيحة سياسية لا علاقة للإخوان بها، ومن المرجح أن يستمر الارتباك والتعثر في محاولة تصنيف الإخوان جماعة إرهابية، وذلك بعد تعثر وفشل الإدارة في الملفين اللذين سعت لحسمهما بشكل سريع، هما منع دخول مواطني 7 جنسيات إسلامية، وإلغاء برنامج أوباما للرعاية الصحية، وذلك بعد تصاعد المقاومة الشعبية والسياسية والقضائية لتلك التحركات.

من الواضح أن زيارة السيسي لن تحقق غرضها في ملف الإخوان، وهو الأهم بالنسبة لها. 

وورد في البيان الذي صدر عن البيت الأبيض عشية الزيارة "أن الرئيس ترامب سيسمع رأي نظيره المصري في قضية الإخوان الذين لم تأخذ الإدارة قرارا بعد بشأن تصنيفهم"، وفيما يبدو، فإن هذه الإشارة هي محاولة لترضية السيسي معنويا. 

والملفت أن البيان نفى ما رددته الأذرع الإعلامية المصرية عن تسلم واشنطن لقوائم مطلوبين مصريين لتسليمهم عقب الزيارة. 

لكن البيان أكد أيضا أن الملف الحقوقي المصري لن يكون عائقا أمام تطوير العلاقات بين البلدين، وأن البيت الأبيض سيطلب فقط الإفراج عن المواطنين الأمريكيين في إشارة إلى السيدة آية حجازي، التي تحمل الجنسية الأمريكية إلى جانب جنسيتها المصرية.

أما الملف المهم الثاني للسيسي خلال الزيارة، فيتمثل في طلب زيادة المساعدات المالية العسكرية الأمريكية لمصر، التي تقدر بـ1.3 مليار دولار سنويا، والتي هي عرضة للتخفيض نتيجة توجه إدارة ترامب لخفض المساعدات الخارجية عموما. 

لكن السيسي سيحاول استغلال مزاعم حرب الإرهاب، وسيسهب في شرح خطورة تصاعد العمليات الإرهابية، وآخرها جريمة طنطا، ضد رجال الشرطة، ليطلب من ترامب تمويلا إضافيا من خلال بند استثنائي (التدفقات المالية) يمكّن القاهرة من إبرام صفقات ضخمة لشراء أنظمة أسلحة قديمة بحجة مواجهة الإرهاب، وربما تقبل إدارة ترامب هذا الطلب.

سيحاول السيسي وأذرعه الإعلامية تصوير الزيارة باعتبارها فتحا مبينا، ولكن الحقيقة أن السيسي لن يحصل سوى على الدعم السياسي، وربما القليل من الدعم المالي. 

ولكن ترامب، الذي اهتز مقعده مبكرا، سيكون المستفيد الأكبر من تجنيد السيسي في منظومته الجديدة لمكافحة الإرهاب، وتنفيذ الأجندة الأمريكية في المنطقة.