قضايا وآراء

هل ينتهي المشهد السوري قريبا؟

1300x600
إعادة تموضع تركيا على شطرنج الساحة السورية لا يحتاج كثيرا من البراهين، وهو بالتأكيد ليس موقفا جديدا من الثورة، وإنما موقف غير جذري جديد من أصدقاء الثورة في الغرب، وهو ما توافق مع الرغبة الروسية للتمدد أكثر على الرقعة السورية على حساب إيران التي لا يستسيغ الأتراك وجود مليشياتها على مقربة من حدودهم الجنوبية.

الشمال السوري كان ضالة الروس الذين أرسلوا إليه قوات برية لتثبيت كلمتهم هناك (تحت مسمى شرطة عسكرية)، والشمال ذاته كان ضالة الأتراك التي فقدوها منذ اليوم الأول للانخراط في القواعد الغربية للعبة السورية.

المصالح المتلاقية الروسية التركية عززها حاجة الطرفين لتقوية أوراق العلاقة مع الغرب، ففي حين ترغب روسيا في تقليص هيمنة الغرب الجيوسياسية في محيط البحر الأسود، ترغب تركيا في تحسين شروط تحالفها العتيق مع الغرب الذي أدمته توترات سورية وسياسة أردوغان الأوتوقراطية.

بالمعنى النهائي للوصف، فإن التحالف الروسي التركي ليس استراتيجيا، ولكنه أيضا ليس رخوا للدرجة التي يمكن أن يُنسف في لحظة ما، نظراً لحجم الدولتين وتأثيرهما الإقليمي وروابطهما الاقتصادية. ولكنه في النهاية - بالنسبة للطرفين - يقوم على أساس تحسين شروط العلاقة مع طرف ثالث وهو الغرب.

تركيا بدأت مؤخرا تنتهج سياسية السير على الحبل المشدود في سورية، توازن حذر جدا، وأي إخلال فيه قد يودي إلى أثمان باهظة. وهي السياسة التي لم يعد بالنسبة لهم مفر منها في ظل التجاهل الغربي لاحتياجات تركيا الإقليمية والأمنية خاصة المتعلقة بالملف الكردي. أمام هذا التوصيف هل نحن أمام بدايات نهايات المشهد السوري؟

هذا السؤال هو الجوهري اليوم، والإجابة عليه من شأنها تحرير كثير من القضايا المشتبهة. المفاوضات الروسية التركية حالياً تتم على مستويات محددة (ميدانية فقط وليست سياسية)، وبجغرافية محصورة في الشمال السوري، فيما الجنوب السوري الذي تمثل درعا وريفها عمقه الأكبر لايزال مكدسا بأكوام من السلاح الذي يمكن أن يزيزع الاستقرار الذي حظيت به تلك المنطقة (بما فيها دمشق) في أي لحظة بمجرد صدور أوامر من غرفة الموك (غرفة العمليات التي تدير المنطقة الجنوبية بإشراف المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات الأردنية، ومشاركة سعودية وإمارتية).

 درعا التي يسيطر فيها النظام على المدينة فقط ويفقد السيطرة على أغلب الريف بدأ يستعيد مناطق مهمة مثل مدن نوى والصنمين والشيخ مسكين (أكبر ثلاث مدن في الريف الحوراني) وعلى أساس تسويات سلمية مع المجموعات المقاتلة هناك. ولايشك أحد أن الموك ليست موافقة على خسارة
كبرى مدن الريف الحوراني لصالح النظام وهي تتفرج.

 بمعنى أن التهدئة العامة في سورية ميدانيا التي تتم في الشمال تنسجم إلى حد كبير مع واقع التهدئة في الجنوب الذي ليس للأتراك أي تأثير فيه. وهو ما قد يوصلنا إلى نتيجة أن الأمور العامة تسير وفقاً لرضا نسبي من كافة الأطراف الفعالة في كافة أنحاء البلاد.

 والغرب تراجع خطوات للخلف لإفساح المجال أمام تحرك ميداني فقط تمهيدا لبدء المرحلة السياسية التي لن تنجو من ولادة عسيرة بدون قابلة أمريكية أوروبية. وجود الفاعل الغربي يمكن ضمان بقائه من خلال القدرة على زعزعة استقرار الجنوب مجدداً، وإعادة تزويد المعارضة بالسلاح شمالاً (تركيا لن تمانع فتحالفها مع الروس يسير بحذر بحيث لا يخرج عن القواعد الغربية المرسومة).

الأمور اليوم تتركز على بعد ميداني فقط تتم فيه مطالبات شبه متوازية ومنسجمة، فعلى صعيد الثورة: المطالبة بتوحيد الفصائل مع هجوم غير مسبوق على فتح الشام (النصرة سابقاً) تحديداً واتهامها بالمسؤولية عن التشتت، علماً أن المسؤولية جماعية.

 وعلى صعيد النظام وحلفائه تعلو مطالب إخراج مليشيات إيران من سورية، وقد ورد هذا ضمن مباحثات الروس والأتراك. المطلبان يروقان لتركيا وروسيا معا ويخدمان مصالحهما، ومن شأنه تصفية الميدان باتجاه خيارات مسلحة منضبطة من الطرفين.

 في جبهة النظام: بقايا الجيش السوري النظامي وقوات الحرس الثوري وحزب الله والقوات الروسية، وعلى جبهة الثوار تبقى فصائل الجيش الحر بمختلف تسمياتها. هذا سيخلق توازن على الأرض يجعل الكلمة العليا للسياسيين على الطرفين، ويجعل مسألة الحل ليست فقط قابلة للتطبيق من ناحية القرار والقدرة على اتخاذه سياسياً، وإنما القدرة على تطبيقه على الأرض، خاصة من قبيل توفير بيئة نوعية تضمن مستقبل القوى المسلحة "المعتدلة" من خلال اندماجها تحت عنوان وطني محتمل في المستقبل.

في انتظار تلك المرحلة فإنه من المهم تحليل واقع إيران ومدى استعدادها لمثل هذا السيناريو. إيران لن تخرج كخاسر، وإنما ستكون طرف فاعل غير مهيمن على المشهد السوري.

 مشكلة إيران مركبة في مثل هذه الفرضية، فمن ناحية، صراعها الهادئ داخل سورية هو مع روسيا، بكل ما تعنية موسكو من ظهير لا يمكن لإيران الاستغناء عنه، ل امن حيث عوامل الجغرافيا السياسية، ولا من حيث الاعتماد الإيراني على التسليح الروسي والصفقات الكبرى معها، ولا من حيث الغطاء الجوي في سورية الذي بات حتى لمليشيات إيران مسألة ذات أهمية أمنية كبرى.

 أضف لذلك أن إيران انتصرت فعلياً في الميدان السوري، لكنها استُنزفت بشكل غير مسبوق مع انهيار أسعار النفط الذي بدى لعبة السعودية والخليج الفاعلة لتحقيق توازن ما في وجه القوة الإيرانية الزاحفة في المنطقة.

 وإيران معنية اليوم بالحفاظ على ما تم تحقيقه والبدء باستثماره عكسيا ليعود استثمارات وصفقات تجارية على الاقتصاد الإيراني في سوقين إقليميين هما سورية والعراق حيث يشكل سكانهما ما يقرب من 65 مليوناً.

 بمجرد وضع ضمانات لإيران بحفظ مصالحها في سورية خاصة في العاصمة دمشق، فإن الموافقة الإيرانية على سحب المليشيات العراقية والأجنبية ليست مسألة ذات أهمية كبرى، خاصة أن حرسها الثوري في الغالب سيكون خارج هذا التوصيف وربما حزب الله.

وأمام هذه الفرضية في سورية فإن مرحلة إنهاء فتح الشام (النصرة) قد تتطلب مزيداً من الدماء والوقت، ولابد أن تتوازى هذه المرحلة مع مرحلة إنهاء داعش أيضاً حتى لا تقوم بمليء أي فراغ متوقع. وهذا الأخير - إنهاء داعش - لايزال بيد الغرب الذي لم يبدِ حتى الآن اعتراضا واضحا على التحرك الروسي التركي، حيث أن الأوراق السورية تبدو موزعة بشكل متكافئ.

 كل هذا يضع الإجابة على قرب نهاية المشهد السوري موضع شك، لكنه شك قد لا يتسرب إلى المآلات التي باتت شبه واضحة في كون بقاء النظام السوري أصبح محل توافق لدى كافة الأطراف بمن فيهم تركيا، ولا قيمة أكثر من معنوية لدى الجميع لأن يكون الأسد هو رأس النظام أم غيره.