لم تعد
مهنة السباكة حصرا على الرجال في مدينة إربد (شمال المملكة الأردنية) بعد أن اقتحمت سيدات
أردنيات وسوريات هذه المهنة من أوسع أبوابها، وأنشأن مركزا نسائيا بالكامل يقدم خدمات التمديدات الصحية للمنازل، في خطوة كسرت نظرة "العيب" بمجتمع محافظ.
"بإذن الله نتحدى الصعاب" تحت هذا الشعار، تخوض صفاء سكرية (29 عاما) تجربة تصليح التمديدات الصحية في المنازل والجمعيات الخيرية إلى جانب خمس سيدات أردنيات وسوريات طلبا للرزق بعد أن حصلن على دورة تدريبية كمنحة مقدمة من المركز الألماني للتعاون الدولي بالشراكة مع مركز حكما للتدريب المهني في عام 2015، لتبدأن العمل في الميدان بعد شهرين، ويكسرن احتكار الرجل لهذه المهنة.
تقول صفاء لصحيفة "
عربي21" إن معاناتها في العيش لوحدها بعد أن قدمت من سوريا دفعتها لخوض هذه التجربة، فقدت وجدت صعوبة في إصلاح التمديدات الصحية في منزلها وإدخال رجل غريب للمنزل، لتلتحق بدورة في صيانة التمديدات الصحية بغرض خدمة نفسها ومنزلها، لكن الفكرة تطورت لاحقا لإنشاء ورشة نسائية لخدمة السيدات اللواتي يسكن وحيدات وخصوصا
السوريات اللواتي فقدن أزواجهن في الحرب.
فحسب تقرير للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين توجد أكثر من 145 ألف عائلة سورية لاجئة في دول الجوار السوري تترأس
النساء ما يعادل عائلة من بين أربع عائلات، ويخضن بمفردهن كفاحا من أجل البقاء على قيد الحياة بعد فقدان أزواجهن في الحرب، أو بسبب عدم تمكنهم من الالتحاق بهن، ويشكل نقص المال الصعوبة الأولى أمام
اللاجئات.
وتكافح معظم النساء من أجل سداد الإيجار، وتأمين الغذاء، وشراء المستلزمات المنزلية الأساسية، الأمر الذي دفع الكثير منهن إلى إنفاق مدخراتهن بالكامل.
ويضم مركز "صفاء للتمديدات الصحية" سيديتين أردنيتين التحقتا أيضا بالدورة التدريبية ليعملن في تصليح المواسير وصيانة خزانات المياه والتمديدات الصحية، متحديات رفض المجتمع وعائلاتهن اللاتي لم تتقبل فكرة عملهن في مهنة احتكرها الرجال. تؤكد إحدى السيدات أن الفكرة لم تجد قبولا في البداية من أهلها إلا أنها استطاعت مع مرور الوقت إثبات أن السيدات "قادرات على خوض مهنا يحتكرها الرجال ومنافستهم فيها".
تقول صفاء إن الصعوبات ما زالت موجودة رغم مضي سنة ونصف على عملهن في هذه المهنة، من أبرزها "ثقافة العيب، وعدم الثقة في عمل المرأة خصوصا من الرجال، ويقوم المركز بعقد دورات توعية للمجتمع في محاولة لمحو ثقافة العيب في عمل المرأة ببعض المجالات".
ولم تمنع هذه الثقافة صفاء ومن معها من خلق ثقة بينهن وبين زبائنهن بعد اتقانهن للعمل، الأمر الذي شجع العديد للإقبال على المركز النسائي طلبا لصيانة التمديدات الصحية في المنزل خصوصا من قبل العائلات التي تضم نساء فقط.
تجد صفاء (التي تحمل الجنسية الأردنية) دعما من زوجها الذي يرى أن المرأة أثبتت نفسها في مجالات عديدة كالطب والمحاماة، الأمر الذي لا يعيقها عن خوض بعض المهن التي يمارسها الرجال.
مساهمة متواضعة للمرأة الأردنية في سوق العمل
وحسب تقارير متخصصة، مازالت ثقافة العيب هي المسيطرة على نظرة المجتمع لعمل المرأة الأردنية في سوق العمل، مما جعل مساهمتها بالنسبة لسوق العمل لا تتعدى 12% حسب تقرير لمركز الفنيق للدراسات العمالية الذي فسر ذلك لأسباب عديدة.
ويرى المركز أن الظروف الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة دفعت بالمرأة إلى البحث عن فرص العمل من أجل المشاركة في الأعباء المادية للأسرة بعد أن كانت هذه الأسر تكتفي بعائل واحد.
وبين المركز أن النساء بدأن بالتوجه والإقبال على العمل في القطاع الخاص وفي أنشطة غير تقليدية، كأنشطة الصناعات التحويلية، الأمر الذي لم يكن مقبولا في السابق.
يقول مدير مركز الفنيق للدراسات العمالية، أحمد عوض، لصحيفة "
عربي21"، إن نسبة مشاركة المرأة الأردنية في سوق العمل "هي الأكثر تدنيا في العالم لأسباب عديدة من أبرزها عدم مقدرة السوق الأردني على توليد فرص العمل، وعدم توفر ظروف عمل لائقة للمرأة كصعوبة المواصلات وعدم توفر حماية اجتماعية، وعدم توفر حضانات بالرغم من أن قانون العمل الأردني يجبر المؤسسات على توفير حضانات للسيدات العاملات".
ويؤكد عوض أن العوامل الثقافية والمجتمعية هي العوامل الأقل تأثيرا على عمل المرأة، فحسب ورقة تقدير موقف أعدها المركز عام 2016 تبين أن شروط العمل غير اللائقة للمرأة كانت التحدي الأكبر أمام المرأة، كتدني أجور النساء مقارنة مع الرجال، حيث أفادت آخر مؤشرات صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة أن متوسط أجور العاملين الشهري في القطاع العام يبلغ (412) دينارا، وفي القطاع الخاص (338) دينارا، بفجوة لصالح الذكور قدرها (63) دينارا و(69) دينارا شهريا على التوالي.
ورغم خوض المرأة الأردنية لمجالات احتكرها الرجال تبقى حالات فردية في مواجهة مجتمع يعاني من ضعف في المشاركة الاقتصادية للمرأة التي تشكل 48% من سكان الأردن حسب الإحصاء السكاني الذي أجرته السلطات الأردنية مؤخرا، والذي أظهر أيضا أن مقابل كل ثلاثة رجال عاملين هناك امرأة عاملة واحدة فقط.