قضايا وآراء

لماذا علقت المعارضة المفاوضات؟

1300x600
على الرغم مما أشيع عن سبب تعليق المعارضة السورية للمفاوضات مع نظام الأسد مرده إلى اكتشاف المعارضة عدم جدية وفد النظام ورفضه مناقشة الانتقال السياسي، كذلك تهربه من الالتزامات المتعلقة بإيصال المساعدات وإخراج المعتقلين، غير أن هذه الأسباب على أهميتها لم تكن الدافع الحقيقي لاتخاذ هذا القرار، ذلك أن المعارضة تدرك أن الصراع أكبر من قضايا تفصيلية وأن مفاوضات جينيف تحوّلت إلى منبر لصراع إقليمي دولي يستعرض كل طرف قدراته على إحراج الآخر وتفنيد روايته واستقطاب المزيد من لمؤيدين الدوليين له، فلا المعارضة ضمن هذ الشروط كانت مستعدة للتضحية بهذه الفرصة ولا النظام كذلك.

وعلى كثرتها، لم يكن أحد ينظر للأفخاخ التي نصبها كل طرف للآخر، سوى تكتيكات تفاوضية يحاول كل طرف إيقاع خصمه بها ضمن المدة الزمنية التي تشغلها المفاوضات أملاً في إيصال الطرف الثاني لنهاية المفاوضات، وقد استهلكت قواه وبات مستعدا لتقديم أكبر قدر من التنازلات، كل الأطراف كانت تعي هذه اللعبة لكن كلها كان لديها رهاناتها في الفوز انطلاقاً من رؤيتها لموقعها في الصراع ووضع حلفائها والمعطيات الإقليمية والدولية.

غير أن المعارضة تفاجأت مع بداية جولة مفاوضات جنيف 3 بوجود مناخ مثير للشك بدأت تعبر عنه طروحات دي مستورا الغريبة، من اقتراح بتعيين ثلاثة نواب للرئيس إلى تعيين خمسة، على أن يتم الأمر بناء على الدستور الحالي الذي يمنح الأسد صلاحيات كبيرة جدا، وثم بعد ذلك الحديث عن تسريبات تتحدث عن مجلس عسكري، وإزاء زحمة هذه التسريبات والمقترحات التي ظهرت بظرف يومين، غابت ملامح الوسيط الدولي دي مستورا وغاب شعاره التفاوضي الذي أكد عليه قبل بداية الجولة بساعات من أن المفاوضات ستناقش مسألة الانتقال السياسي، وبدا دي مستورا كأنه يمارس عملية تجريب للطروحات حتى أنه لم ينخرط في نقاشها بشكل جيد لعدم معرفته بتفاصيلها، كانت المقترحات تطرح ثم تسحب من التداول بلحظات، وبدا دي مستورا وكأنه يضع سماعات في أذنيه وثمة معد من خلف الكواليس يلقنه الكلمات؟

لم يكن صعبا على المعارضة اكتشاف نقطة التقاطع في كل تلك الطروحات، وهي أنها كلها تستثني مصير الأسد بل وتضع الحل تحت سقف وجوده وفي ظل الدستور الذي صمّمه على مقاسه، ولم يكن من الصعب تالياً اكتشاف جوهر السيطرة الروسية على هذه الطروحات والتنازلات العميقة التي قدمتها إدارة أوباما، وذلك بنزولها إلى أقرب نقطة للرؤية الروسية بعد أن قامت واشنطن بإعادة تقييمها للمشكلة معتبرة أنها تكمن في داعش وخطرها على أوروبا ومصالحها الإقليمية وليس الأسد ونظامه، ويبدو أن لإسرائيل التي دعت العالم للاعتراف نهائياً بإسرائيلية الجولان دور في القراءة الأمريكية الجديدة، ذلك أنه مع بقاء الأسد الضعيف والمهزوز ستنام إسرائيل قريرة العين طويلاً في منتجعات الجولان، في حين أن ذهابه سيعني ولادة مناخ أمني جديد على حدود الهضبة.

إلى ذلك، فإن الموقف الغاضب الذي عبر رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب كان بمثابة رفع البطاقة الحمراء في وجه أمريكا مذكرا إياها باستحالة التنازل عن أهداف الثورة ومطالب السوريين واستحالة قبول بقاء بشار الأسد بعد كل ما مارسه من إجرام، وبأن الدول الكبرى لن تستطيع فرض مواقفها ورؤاها على الشعب السوري مهما تطلب الأمر من تضحيات جسام.

الغريب أن هذا الموقف الأمريكي المتراجع إلى حد الغدر ليس بالمعارضة السورية بل بالدول الداعمة للثورة، هذا الموقف يتزامن مع زيارة باراك أوباما إلى الخليج واجتماعه بزعماء دوله، والمعلوم أن العلاقات بين الطرفين تشهد حساسية عالية نتيجة السياسات التي تتبعها إدارة أوباما تجاه المنطقة، فكيف سيبرر أوباما موقفه هذا أم إن برنامج محادثاته لن يلحظ الأزمة السورية وسيكون وداعياً يتذاكر خلاله مع الزعماء مواقفه المتميزة تجاه المنطقة وكفى؟

إذا كان هذا كل ما لدى الجانب الأمريكي وهذا ما انتهت إليه السياسات الأمريكية، فإنه وبعيدا عن الشعارات الكلامية التي مارستها إدارة أوباما منذ خمس سنوات، وبحساب النتائج، تكون واشنطن أكثر الأطراف رعاية لنظام الأسد وحماية له، إذ إنه من موقعها كقوة عظمى منحته هوامش واسعة للمناورة والتحرك ظهر خلالها وكأنه يتحدى العالم كله، وإذا كانت روسيا قد استخدمت سوريا ميدانا لتجريب أسلحتها، فإن الولايات المتحدة استخدمتها لتجريب سياساتها وتدريب مفاوضيها على تحقيق المصالح من لحم ودم الآخرين.