كتاب عربي 21

حجة الإسلام أبو حامد الغزالي والسياسة

1300x600
في بعض المجتمعات الإسلامية تحولت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى مجرد "عصا" يساق الناس بها إلى أداء الصلاة، وبذلك غابت الآفاق الواسعة لهذه الفريضة، التي جعلها الإسلام أم الفرائض الاجتماعية الإسلامية. 

وفي كتاب حجة الإسلام أبو حامد الغزالي (450 – 505 هـ، 1058 – 1111م) "إحياء علوم الدين" كلام نفيس عن هذه الفريضة الإسلامية الجامعة، يكشف لقارئه عن الموقف السياسي للغزالي من أمراء الجور والاستبداد الذين أغرقوا مجتمعاتهم في المنكرات، كما يجسد الدستور الذي يجب أن يلتزمه العلماء إزاء جور الأمراء.

وفي هذا المقام يقول حجة الإسلام –ضمن ما يقول-:

- إن الفلاح في الدنيا والآخرة محصور في القائمين بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن من لا يقوم بهذه الفريضة فهو ميت - حتى وإن كان يأكل ويشرب - لأن إنكار المنكر ومقاومة الاستبداد "حياة" والتفريط في إقامة هذه الفريضة "موت وموات".

- وإنه لا يجوز دخول دور الظلمة والفسقة، ولا حضور الأماكن التي يُشاهد فيها المنكر عند العجز عن تغييره.

- وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على آحاد الناس، دون اشتراط أخذ الإذن من الولاة، وإذا كان الوالي ساخطا لإقامة هذه الفريضة فإن سخطه لإقامتها منكر يجب الإنكار عليه.

- وإن عقاب العالم الذي ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشد من غيره، لأنه لا عذر له مع قوة علمه، كما أنه لا حرمة لعالم لا يعمل بعلمه.

- وعند العجز عن تغيير المنكر باليد، يجب أن تكفهر الوجوه أمام مرتكبي المنكرات.

- ويستحب للإنسان التضحية في سبيل إنكار المنكر، وذلك بتعريض نفسه للضرب، وحتى للقتل، إذا كان في موقفه هذا تأثير في رفع المنكر، أو كسر جاه الفاسق، أو في تقوية قلوب أهل الدين.

- ولا يجوز دفع المنكر إذا أدى ذلك إلى منكر آخر.

- وفي التعريف بالمنكر يجب سلوك طريق اللطف والرفق، أما في دفع المعاصي وتغييرها فلابد من الجهد والتعب.

- ولأن الطلمة إنما يسكنون القصور المغتصبة، أو المبنية بالأموال الحرام، فإن الدخول عليهم فيها حرام شرعا، لأنه دخول في دور مغتصبة بدون إذن ملاكها الحقيقيين، ومثال هذه الدور كمثال المساجد المبنية في أرض مغصوبة، أو بمواد مغصوبة، لا يجوز دخولها أصلا، بل إن الأرض الممغصوبة إذا جعلت شارعاً لم يجز الخطو فيه.

- وعلى العلماء الربانيين - ورثة الأنبياء - اعتزال الأمراء الظلمة، واعتقاد بغضهم على ظلمهم وكراهية بقائهم، وعدم الثناء عليهم، والامتناع عن استخبار أحوالهم، أو التقرب إلى المتصلين بهم، أو التأسف على ما يفوت بسبب مفارقتهم، حتى لا يخطر أمرهم بالبال، فتحدث لهم العزلة القاتلة والمقاطعة التي تسقط اعتبارهم وتحاصر نفوذهم، ذلك لأن على العلماء من الواجبات في إنكار المنكر القدر الأكبر من المسئولية، ففساد الرعايا إنما يحدث بفساد الملوك، وفساد الملوك إنما يحدث بفساد العلماء، وفساد العلماء إنما يحدث باستيلاء المال والجاه.

هكذا تحدث حجة الإسلام الغزالي - في السياسة - حديثا "ثوريا"، على عكس ما ظن ويظن الذين جهلوه.. ومع ذلك ظلموه.