قضايا وآراء

حراك الضفة.. هل يتحول إلى انتفاضة شاملة؟

1300x600
يمكن رصد انطلاق شرارة الحراك الحالي بجريمة إحراق عائلة الدوابشة في 31 تموز/ يوليو وما تبعها من تصاعد للصدام مع الاحتلال في الأشهر التالية وصولا إلى ما نراه اليوم من حوادث وعمليات طعن يومية تستهدف جنود الاحتلال بشكل أساسي.

ولا يمكن تجاهل الدور الكبير للاعتداءات الصهيونية غير المسبوقة على المسجد الأقصى التي استهدفت التقسيم الزماني والمكاني للمسجد.

في الوقت الذي يعول عليه المراقبون لاستمرار الحراك في القدس والضفة وتفجر الوضع لكي يتحول إلى انتفاضة حقيقية مشابهة لإنتفاضة الأقصى عام 2000 فإن السلطة الفلسطينية لا تريد لهذا الحراك أن يتجاوز دور المحرك لعملية التفاوض وتريد استخدامه وسيلة لتسويق نفسها للاحتلال وللقوى الدولية طرفا قادرا على حفظ الأمن وقمع أي حراك (دور الشرطي بالإنابة).

وقد كان هذا الأمر جليا كما يرى العديد من المراقبين  في خطاب عباس الأخير أمام الأمم المتحدة الذي كان خطابا استجدائيا بامتياز رغم كل الترويج الذي سبقه على أنه سيكون قنبلة!.

بالمقابل تشهد حركة فتح صراعا حادا في أروقتها على السلطة بين تيار أبو مازن وتيار دحلان إضافة إلى وجود تيارات أخرى متناحرة داخل الحركة وربما ينتج عن هذا الصراع حالة من الفراغ الضرورية لتنامي حركة المواجهة كما أن هذا الصراع على السلطة قد يسبب أزمة أخرى عنوانها التباين المتوقع في موقف تيارات فتح من حراك الضفة بين مؤيد و معارض.

بالرغم من ذلك فإن السلطة لا زالت تمتلك الأدوات اللازمة لقمع أو تحجيم أي حراك بسبب القوة الأمنية واحتكار السلاح إلا أن الواقع حتى اللحظة هو التفاف معظم حركة فتح برمزيتها وكوادرها حول خيارات السلطة. (مقاومة سلمية فلكلورية ليست مسلحة تركز على استعطاف المحتل والمجتمع الدولي في ظل آلة القمع الصهيونية).

في ظل ذلك يكون التساؤل الأهم: هل يتحول حراك الضفة إلى انتفاضة شاملة؟ وما هي التحديات التي تواجهه والمكاسب المتوقعة منه؟.

رغم آمال الكثيرين بأن تكون الانتفاضة الثالثة انطلقت حقا وأنها ستتحول إلى مواجهة شاملة في الضفة إلا أن مجموعة من المعطيات الموضوعية تجعلنا لا نرجح تطور حراك الضفة إلى انتفاضة شعبية شاملة. فالعمليات في معظمها فردية ومن شباب غير منتمين لفصائل بل أحيانا من شباب غير ملتزم بالمفهوم المتعارف عليه ولذلك لا يوجد إلى الآن قائد لهذا الحراك ولا يوجد رؤية أو هدف محدد يحكمه. 

الأمر الآخر هو أن الأثمان التي سيدفعها منفذو العمليات باهظة قد تجعل الآخرين أقل اندفاعا وحماسة (هدم منازل منفذي الهجمات من الفلسطينيين، ومنع عائلاتهم من إعادة بنائها مجددا في المكان نفسه وكذلك مصادرة ممتلكات منفذي الهجمات، وسحب الإقامة الدائمة منهم).

ويرى المتابع  أن القدس هي العمود الفقري للعمليات بسبب غياب التنسيق الأمني وبسبب حجم الاعتداءات الكبير على الأقصى، بالمقابل فإن القوى السياسية في الضفة إما أنها قادرة وغير راغبة (حركة فتح) أو راغبة ولكنها منهكة ( حركة حماس). كما أن الظرف الإقليمي غير داعم لانتفاضة جديدة بسبب الحرائق في الدول المجاورة وانشغال معظم الدول بكل أو بعض هذه الحرائق، حتى أن الدعم الشعبي يكاد يكون معدوما باستثناء المظاهرات في الأردن التي تشكل الحركة الإسلامية هناك المحرك الأساسي له. 

من جانب آخر يعلم الرئيس عباس يقينا أنه في حال قيام انتفاضة جديدة فسيكون هو الخاسر الأكبر  وخصمه التاريخي حركة حماس هي الكاسب الأكبر ولذلك فإن مسألة تفويت الفرصة على أي مكسب لحماس من هذا الحراك يمثل أولوية كبرى لديه. أما بالنسبة لعرب الداخل فليس متوقعا أن يكون للأحزاب العربية في أراضي 48 دور كبير (عدا الدور الدبلوماسي) في حراك الضفة (تلعب معظم الأحزاب دور الوسيط ما بين الجمهور العربي والكيان الصهيوني وهي مشاركة في الكنيست وتحصل على دعم مالي من الكيان).

أما قطاع غزة فهو منهك بسبب الحربين الأخيرتين وبسبب تشديد الحصار من قبل النظام المصري وليس من الحكمة أبدا الانجرار إلى مواجهة جديدة هناك تحول أزمة الكيان الخطيرة في الضفة إلى حالة حرب جديدة على غزة يعقبها وقف إطلاق نار.

ويواجه حراك الضفة تحديات كبرى تتمثل بإمكانية بأن يقوم الكيان الصهيوني بتفريغ حالة الغضب الشعبي ببعض الإجراءات التخفيفية و التنازلات الأمنية ثم تسويق ذلك من قبل السلطة الفلسطينية على أن انتصارا قد تحقق، كما أنه من المتوقع أن تمنح السلطة فترة زمنية تسمح فيها للشباب بالتنفيس عن غضبهم من ضمن سياسة الاحتواء و بسقف معروف مسبقا. 

وعلمتنا التجربة أنه قد يقطف فصيل سياسي بعينه ثمرة هذا الحراك الجديد و يدير دفته بما يخدم مصالحه كما حدث سابقا في انتفاضتين شاملتين أعقبهما اتفاق أوسلو و اتفاق شرم الشيخ.

أما عن أهم ايجابيات الحراك فتتمثل بالخسارة الشعبية للتيار المدافع عن خيار التفاوض العبثي بسبب موقفه المتخاذل من الحراك، كما أن تعميق حالة المقاومة و الرفض تعيد أحياء هذه القيم في المجتمع وتهيئه ليبعث طاقاته من جديد وتعمق حالة الوحدة الوطنية بالالتفاف حول خيار المقاومة و الرفض. 

الأمر الآخر أن هذا الحراك يحد من الهجمات والاعتداءات على المسجد الأقصى، في الجمعة الماضية مثلا سمح لجميع المصلين من كل الإعمار بدخول الأقصى. 

أخيرا فإنه من المهم إعادة بوصلة الأمة إلى مسارها الصحيح في توجيه العداء باتجاه العدو الصهيوني بدلا من حالة الصراعات الداخلية التي تمزق الأمة حاليا