كتاب عربي 21

السيسي سيدا للبيت الأبيض

1300x600
في فيلم "هاللو أمريكا" المنتج سنة 2000 لمخرجه نادر جلال، وبعد أن توصل بطل الفيلم "بخيت حنيدق المهيطل" بدعوة زيارة من ابن عمه القاطن بالولايات المتحدة الأمريكية، يجلس بخيت مع شلة الأنس لتعاطي الحشيش كما ألفوا كل يوم.

الأستاذ زكريا: يا بخيت خللي بالك من الإمبريالية.

بخيت: عيني الاثنين. اديني انت بس عنوانها وأنا أول ما أوصل أمريكا حأشقر عليها على طول.
الأستاذ زكريا: أنا خايف عليك من الإمبريالية.

بخيت: هي ست كبيرة؟ خلاص هي فحالها واحنا فحالنا. إحنا مالنا؟ أنا بفكر زي ما رشحت نفسي في مجلس الشعب، أرشح نفسي في الكونغرس وأبقى سيناتور.
أحد الحشاشين: معقول برضه.

بخيت: مش كده؟ سنتين وأبقى عمدة نيويورك وأرشح نفسي للرئاسة بعديها على طول. هناك الحكاية ده مفتوحة. أي حد ممكن يبقى رئيس. إنت إيه رأيك يا أستاذ زكريا؟

الأستاذ زكريا: ممكن طبعا. لو لميت أصوات العرب ايللي هناك والزنوج والأقليات.
...

أحد الحشاشين: بس اوعى تنسانا يا بخيت وتقول عِدُوا لي.

بخيت: عيب يا جدع.

في الواقع يجد الأستاذ زكريا له مكانا بين "المثقفين" الذين ارتموا في أحضان الزعيم الملهم وكتبوا له البيانات و"البرنامج الانتخابي"  وبعضا من الخطابات. أما الحشاشون فما أكثرهم، والتسريبات التي وصلتنا من قلب مطبخ النظام أكبر دليل.

بعد أن فوض له "الشعب" أمر محاربة الإرهاب، ووصفه "رجال" مصر بـ"الذكر"، وتغنت به "نساء" الحروسة في القصائد وتغزلن، واعتبره "مثقفو" أم الدنيا أعظم قائد عسكري في التاريخ بعد ايزنهاور، ووصفه الرئيس المخلوع حسني مبارك بال"عقر"، ورفعه علماء "الأزهر" لمرتبة الأنبياء المصطفين الأخيار، لم يكن غريبا أن يظهر في الفضاء الافتراضي من يدعو عبد الفتاح السيسي للترشح لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عله ينقل إلى هناك تجربته "الناجحة"، ويقضي بالمناسبة على أي أمل أو "حلم" بالنجاح ارتبط في الذهنية الجماعية لسكان الأرض بتلك البلاد، وقدمت هي عليه النموذج تلو النموذج في مواجهة إحباط وفشل مزمنين يطبقان على مصر ما قبل السيسي وما بعده ومعها معظم الدول المنتشرة في البقعة الجغرافية المسماة "وطنا عربيا". لم يكن إذن من الغرابة في شيء أن نسمع مثل هذه الأصوات الناعقة تطلق "الحملة الدولية لترشيح السيسي لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية"،  فنحن نعيش زمن " الدنيا المقلوبة".

و"الدنيا مقلوبة" هي عنوان فيلم للمخرج هاني صبري، من إنتاج 2015، وفيه تتحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى دولة فاشلة في مواجهة جمهورية مصر العظمى، حيث يصبح حلم كل شاب أمريكي هو الهجرة إلى مصر التي تعيش رخاء اقتصاديا واستقرارا سياسيا وقدرة على التأثير في دول العالم النامي وتغيير أنظمتها القمعية.

يجلس الشاب المصري أحمد بمواجهة والده مستنكرا تدخل بلده "مصر" في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى لمجرد أنها دولة عظمى تملك من القوة والجبروت ما ليس لغيرها.

يجيبه الأب قائلا: علشان انت يا ابني متعرفش الحكام في البلاد الثانية بيعملوا إيه في المحكومين بتوعهم. أول يوم على الريق كده بيقولوا أيها الشعب الكريم، أيها المواطنون الأعزاء قررنا زيادة الضرائب. بعدها بيومين ثلاثة بيقول لك من أجل الوطن الكريم ومن أجل حياة أفضل قررنا رفع الدعم. على مين؟ على الغلابة والفقراء والمحتاجين. وطبعا الفقير يزداد فقره وجهله ومرضه والبطالة تنتشر. وهما ملاهيين الناس في أكل عيشها والناس بتنام ودمعتها على خدها وفي آخر المطاف اتحولوا لقياصرة ومستبدين. عارف بيسكتوا الناس بايه؟ شعارات فارغة جوفاء، من أجلك أيها المواطن وعلشانك يا حبيب عيني ويا روح قلبي من جوه ويبقوا في الحكم عشرين وثلاثين واربعين سنة. أحمد ربك أنك عايش هنا يا ابني. عايش في مصر.

أحمد: الحمد لله.

"انتو مش عارفين أنكم نور عينينا ولا ايه؟" هذا كان كلام السيسي بعد "نجاحه" في مهمة "التفويض" وإزاحته للرئيس المنتخب وقتها قبل أن يشمل التفويض أرواح كثيرين راحوا ضحية "شعارات فارغة جوفاء". 

بعد "انتخاب"عبد الفتاح السيسي رئيسا لجمهورية مصر العربية، لا تزال البلاد محتلة لمراكز متأخرة في عدد من المجالات على المستوى العالمي. ففي مؤشرات الحرية الاقتصادية، احتلت مصر المركز 124 من أصل 178 دولة. وفي حرية الصحافة احتلت المركز 159 من أصل 180 دولة. بينما حلت في الرتبة 94 من أصل 175 دولة في مؤشر الفساد، وفي المركز 141 من أصل 144 دولة في مجال جودة التعليم الأساسي، والمركز الأخير من أصل 178 دولة في مؤشر جودة التعليم العالي. ناهيك عن مختلف المشاريع الكبرى الوهمية التي انتهت إلى لا شيء لغياب التمويل أو سوء التدبير دونما حاجة للتذكير بالتراجعات المسجلة في مختلف المؤشرات الاقتصادية الاستدلالية للنمو وعجز الموازنة والدينين الداخلي والخارجي وغيرها.

يقول القائمون على الحملة إنهم يسعون لترشيح السيسي لرئاسة الولايات المتحدة بعد نجاحه الباهر في حكم مصر وإدارة شؤونها، وأيضا استجابة لرغبة الشعب الأمريكي والمرشح الرئاسي "تيد كروز" في تولي السيسي رئاسة أمريكا.

وفي فيلم "الدنيا مقلوبة" يتحدث بطل الفيلم "جاك" عن أسباب رغبته في الهجرة إلى جمهورية مصر العظمى.

جاك: مصر ده حلمي من وأنا صغير. مصر التكنولوجيا، مصر الحضارة.. البوليس هناك بيحترم الناس في الشارع. وهناك عندهم حاجة اسمها تأمين صحي ....

صدق جاك فاختراع الكفتة لصاحبه عبد العاطي، والذي حضر السيسي حفلة إطلاقه وقد يكون بكى خلالها والعهدة على مصطفى بكري، كان باكورة الفتح التكنولوجي للنظام المصري "الجديد"، والبقية في الطريق لا محالة.

هذه هي مصر، وكل ما سبق مجرد أرقام لإعلام مغرض خصوصا إن كان أمريكيا. جون ستيوارت غادر أو هو على وشك مغادرة برنامجه الساخر قبل أن يتولى السيسي سدة الحكم، وإلا لاضطر عباس كامل لعمل المستحيل، من خلال هاتفه المخترق، لتوقيف البرنامج بعد أن يحول إعلام أمريكا لمجرد بوق سلطوي في خدمة "سيده" لا اختلاف في جرائده إلا في شبكات الكلمات المتقاطعة، ولا اختلاف في نشرات إذاعاته وتلفزيوناته إلا في موسيقى الإشارة لا غير. وسنسعد برؤية "قناديل" و"عكاكيش" و"ابراشيات" و"أباء حمالات" يتحدثون الإنجليزية بطلاقة تفوق في مستواها ما تقترفه ألسنة النسخ الأصلية من "فظاعات" لغوية.

في فيلم "ظاظا" للمخرج علي عبد الخالق، المنتج في العام 2006، يجلس الرئيس الخالد متولي الحناوي على أريكة داخل القصر الجمهوري. تضع زوجته الجريدة على الجانب غاضبة.

زوجة الرئيس: هي أمريكا ما وراهاش غيرنا ولا ايه؟ دول مركزين أوي على انتخابات الرئاسة بتاعتنا. 
الرئيس متولي: حقد يا نانا حقد. ده أجدع رئيس عندهم مقدرش يقعد في الحكم أكثر من مدتين. والحسد مذكور في القرآن.

كان هذا في العصور السابقة. عبد الفتاح السيسي في الطريق لرئاسة الولايات المتحدة الأمركية وستتحقق نبوءة فيلم "الدنيا مقلوبة" حيث تصير أمريكا دولة فاشلة، ويتحقق طموح "بخيت حنيدق المهيطل"، أول مصري حلم بدخول البيت الأبيض سيدا. و" الحملة الدولية لترشيح السيسي لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية" انطلقت ولا يعوزها إلا الشعار الانتخابي. في أمريكا شعاران هما  الفيل والحمار، فهل نكتفي بأحدهما أم أن شعار "السيس" سيشهد دخوله غمار الماكينة الانتخابية الأمريكية على يد عبد الفتاح؟